تعتبر هذه الرواية نقلة نوعية في تطوير لغة السرد الروائي , بتقنياتها المتعددة الاساليب في الحبكة الفنية الحديثة . وحتى التطوير في منصات الضمير المتكلم , الذي يجمع صوت السارد والمسرود وصوت الكاتب . اي هناك تداخل بين صوت بطل الرواية او الشخصية المحورية , وصوت الكاتب او ( السارد العليم ) والمنولوج الداخلي في حواس المشاعر الداخلية . هذا التنوع بالصياغة التعبيرية وأدواتها السردية . وظفت في براعة متناهية اسلوب التداعي الحر . الذي يسلط الضوء الكاشف على العالم الداخلي في الشخصية . هواجسه في التوجس في القلق الحياتي الذي يلفها بالخوف والرعب , أو كشف كابوس الحالة النفسية والسايكولوجيةلهواجس الذات . في تدفق الاحداث الجارية وفي صراع الذات , ان الرواية استخدمت , حركة استرجاع الماضي في خزين شريط الذاكرة ( فلاش باك ) والنافذ التي يطل من خلالها على الواقع ومنصات تداعياته الجارية , اوفي العالم المحيط به , يراقب ويرصد ويلاحظ تحولات الواقع والشارع . في مؤثراته , في صياغة الوضع العام القائم للواقع . اي اننا بصدد الزخم في اعطى الوصف والتصوير العالم الداخلي والخارجي , بهذا الكم الهائل من الاحداث الجارية والمتلاحقة , في اسلوب توظيف التداعي الحر الذي يكشف بانوراما الحياة والواقع , فأن الفضاء الروائي اعتمد على ركيزتين . بناء الديكور الداخلي للشخصية المحورية او بطل الرواية ( يوسف النجار ) , في كشف العوالم الداخلية , من خلال الاستبطان والاستنطاق والاستقراء والتحري الداخلي . اوبالاختصار بما في جعبته الداخلية . اما الديكور الخارجي هو العالم المحيط بالشخصية وبالواقع في مجرياته وتداعياته . لذلك نجد التمازج والانسجام بين صوت الشخصية المحورية , وصوت السارد . وصوت الكاتب نفسه , الذي وضع بصماته بشكل واضح في المتن الروائي . ونجد تحولات في الازمنة المتعددة في التنقل , بين الماضي والحاضر , او بشكل ادق ما قبل وبعد عام 2003 . لذلك الاحداث تلاحق الشخصية المحورية ( يوسف النجار ) حتى في منولوجه الذي يغطي حالته النفسية والسايكولوجية . من خلال تسليط الضوء الكاشف على طبيعة النظام الشمولي , الذي يتميز بالعسف والاضطهاد والانتهاك . سواء قديما وحديثاً , والمرحلة ما بعد عام 2003 . التي تتميز في سمة الفوضى العارمة أو الخلاقة الى الاسوأ , العابثة بالحياة , والتي تدفع او تصرع الانسان الى مراتع الخوف والقلق من المجهول القادم . تجعل الانسان يعيش شرنقة كابوس المغلق بالقلق والخوف والتوجس والشكوك . هذه افرازات النظام الشمولي بتعدد صياغته واسالبيه وسلوكه وممارساته . لكن تبقى السمة البارزة في هذه النظم الشمولية . هو الانتهاك والخوف والتوجس , وعدم الثقة في فزاعة الشكوك والظنون التي تولد الريبة , عالم قائم على الخوف والفزع . هذه دلالات النص الروائي في رواية ( الذئاب على الابواب ) يعني الذئاب التي تترصد الابواب , تتحكم في مصير الانسان وتترقبه عند الابواب لتقوده الى المجهول . ان الرؤية التعبيرية في المتن السردي . تدلل على محنة الانسان ومعاناته , هذا الترميز الدال . وفق هذا المنطق , فأن شخصية ( يوسف النجار ) هي شخصية كل مواطن عراقي ويمكن القول بأن ضمير المتكلم يمزج بين ( انا ونحن ) تحت قبضة النظام الشمولي . فأن الشخصية المحورية او بطل الرواية , يحمل مظاهر عامة , كما هي مظاهر ذاتية وخاصية , رغم ان الرواية تدور عن المحنة الحياتية لسيرة حياة ( يوسف النجار ) لكنها محنة حياتية عامة . من حيث الكابوس الحياتي العام , من حيث الاستلاب والانتهاك . من حيث زرع الخوف , من حيث وضع الانسان تحت مجهر المراقبة والترصد والملاحقة . من حيث الخوف من المجهول , يعني ان المحنة ذاتية عامة , المتعددة الجوانب. بأن تكون الحياة رخيصة . وتعمق الحياة الى الازمة الوجودية وخاصة , وخاصة بعد عام 2003 . حيث كثرت الذئاب على الابواب , تعمقت المعاناة اكثر من السابق , دلفت الحياة الى شرنقة شريعة الغابة . ولكن لابد ان نسجل النقلة النوعية , او التحول النوعي في حياة بطل الرواية ( يوسف النجار ) هو استعداده الشجاع في تمزيق الكابوس , في مواجهة الذئاب على الابوب بالعزيمة الشجاعة وبالتحدي , ونزل من شقته , وهو في كامل الاستعد للمواجهة ( تيقن من وضع سلاحه تحت طيات ثيابه , قام بفحص السلاح الناري قبل الهبوط نحو الاسفل تأكد من وجود الاطلاقات داخل السبطانة , أعاد مسدسه الى وضعه , ورتب هندامه , أغلق الباب وراءه وهبط لملاقاة الرجلين , أستجابة لتحديهما العنيد ) ص327 .
×× أحداث المتن الروائي :
الشخصية المحورية ( يوسف النجار ) يعيش حياة صعبة وشاقة , بعدما نسف الارهابين بيته وقتلوا زوجته وابنته الوحيدة . فقد ظل منعزلاً يعاني سأم والحزن الحياتي بعد فقدان عائلته , ويعيش حالات الخوف والكابوس , بأنهم ارسلوا رسائل تهديدية , بأنه سيكون الضحية القادمة , او القتيل المنتظر . ويحاول صديقه ان يواسيه ويشد من عزمه ( – لقد كشفوا عن انفسهم بالاعتداء على بيتك
– ولكن لا أظن أن لي أعداء يكرهونني الى درجة الانتقام من أسرتي ؟
– عليك بالصبر وألا تبدو أمامهم ضعيفاً خائر القوى , انهم ينتظرون تلك اللحظة التي تتهالك فيها الى الارض , كي يملأ الحبور صدورهم الخاوية . حذار . حذار من لحظة الانهيار تلك ) ص13 . هذه الديموقراطية الهوجاء والعرجاء التي بشر بها المحتل الامريكي في العراق . حين جعلوا المواطن يبحث عن ملجأ من الرعب الحياتي, والعبث في الحياة , والخوف من القادم بالمعاناة والانتقام , وتصفية الحساب بالقتل والاختطاف . اصبح الواقع يعيش الارهاب والاجرام , في دولة الفوضى . كأن الحياة تعود الى الماضي البغيض , بعد فشل انتفاضة الشعب عام 1991 . , حيث اصبح الكل مطارد وملاحق بالسجن والتعذيب والاعدام . هكذا يطل من شريط خزين الذاكرة ( فلاش باك ) وهو يتطلع من خلال النافذة . تلك الحياة آنذاك , حياة البؤس والمعاناة , معاناة الحروب والارهاب والانتهاك والاهمال , فبعد تخرجه من الجامعة سيق الى الجيش كضابط احتياط . وارسل الى جبهة منسية من الله والانسان . لا احد يسأل ولا احد يزورهم . كأنهم في سجن اختياري , او في منفى في ارض منسية . ولكن بعد انتهاء فترة التجنيد , كون حياته , رغم انه كانت لديه مغامرات جنسية مع الفتيات من خلال استوديو التصوير . . ولكن بعد الاحتلال تدهورت الحياة الى الاسوأ , في تردي الى الفوضى . والحكومة والمسؤولين ليس عندهم حاسة الاصغاء , لا يحركوا ساكناً , كأنهم ليس لهم علاقة في حماية الناس , وليس لهم علاقة بالفوضى الجارية , من القتل والاختطاف أمام الموت المجاني , امام القتل على الهوية , أمام السطو المسلح , امام الرعب في الشارع . كل هذا والحكومة غافلة عما يحدث سوى انهم انفتحت شهيتهم على نهب المال العام , استولوا على المال ودمروا البلاد ( – لا يمكن لهذا ان يحصل أمام انظار المسئولين في الدولة , ولا يردعهم الموت المجاني , الذي أكل الاخضر وألتهم اليابس ) ص30 . بأن الامور انفلتت عن السيطرة . الفقراء يموتون جوعاً ’ بينما الاغنياء واللصوص يعيشون في ثراء فاحش بالتخمة . اصبحت الحياة تليق بالحيوانات السائبة , وليس ان تليق بالبشر . و ( يوسف النجار ) يأكله القلق والخوف , من رسائل التهديد التي يرسلونها بالاقتناص من حياته بالقتل ( لن يطول اختفاؤك عنا , ايها الواشي الرخيص ) ص187 . ( لن تفلت من ايدينا , نحن اقرب اليك من حبل الوريد , أيها الماجن ) ص209 . ويتعرف على زميلته في الكلية ( عبير ) بعد حوالي ثلاثين عاما . فكان في البداية يتوجس منها , بالظنون والشكوك بأنها مرسلة منهم لتجسس عليه , او مدسوسة منهم , لكن بعد ذلك تبددت الشكوك حين عرف معاناتها الحياتية والعائلية , واقترب اليها في علاقته , ليبدد الوحشة والانطوى . في واقع لا يحمل الثقة والاطمئنان من الاخرين . في واقع تعيس في ظل الحاكم المدني ( بول بريمر ) والذين من جاءوا بعده في الحكم . فقد فككوا المؤسسات الدولة وباعوها في المزاد العلني . واهملوا المواطن بالحرمان , ان يصارع من اجل البقاء في كفاحه اليومي , في هوس الحياة العابثة . كأن الانسان يعيش وسط ذئاب كاسرة لا ترحم , في هوس الشعارات المزيفة بأسم الدين والمذهب والشريعة . ويقودون الفقراء الى الجحيم , بأسم الفضيلة والايمان والتدين . تزهق الارواح البريئة في الاحتراب الطائفي , وتنزف الدماء . بأسم الدين يشرع السحت الحرام والفرهدة والقتل على الهوية والاسم . لذلك يحير الانسان في وصف هؤلاء الشراذم التي تعصف في البلاد بهذا العبث الكبير , من اي صنف سياسي ينتمون ( لذلك يحير الانسان في تسمية أهل هم سياسيون . أم عصابات , أم مليشيات خارجة عن القانون . تعاديك لاسباب غامضة , لانك لا تستطيع الوصول أليهم , لتفهم منهم اسباب العداء ) ص156 . . ولكن يعرف الانسان أنه مطارد ومطلوب رأسه كحالة ( يوسف النجار ) الذي يرى الحياة عبارة عن كابوس , لذلك يشعر بالقلق من حياته وهو مطلوب منهم . ولا يعرف من هم , واي صنف وجماعات هم , هل هم حقيقة بشر أم وهميين . في هذه الغابة , التي تعج بالذئاب بمختلف الاصناف والاشكال . هذه الحياة المزرية بالتدهور الى قاع الانحدار , اينما تذهب تشم رائحة الموت بالقتل اليومي العشوائي ( وطالت التفجيرات , أماكن لم يتوقعها يوسف أو سواه . فجروا المقاهي ودور السكن والاسواق , وبدأت مسيرة القتل على الهوية , وفرز الطائفة والدين والمذهب من خلال تحليل الاسم واسم الاب والجد ) ص233 . . والكل يتساءل الى اين المطاف في هذه المحنة الحياتية وما هي النهاية ؟ . الى متى تظل الناس تعيش الرعب الحياتي في واقعها اليوم ؟ والنخبة السياسية الحاكمة , يبعون الوطن الى دول الجوار . انه زمن اللصوص التي تنهب كل شيء من خيرات واموال البلاد . ولكن حين يتكلم المواطن عن معاناته ويرفع صوته , يأتيه كاتم الصوت ليخرسه الى الابد , في سبيل تكميم الافواه بالارهاب الدموي , ومحروم عليهم النطق بعذاباتهم ومحنتهم. انهم يرريدون الانسان مسلوب الارادة , كالخرفان التي تقاد الى مسلخ الذبح . بهذا الاختناق يشعر ( يوسف النجار ) هكذا قتلوا واغتالوا المثقفين والمفكرين البلاد الوطنيين , الذين رفضوا الواقع المأزوم , هكذا كان مقتل ( هادي الهادي , واغتيال كامل شياع واخرين غيرهما لم اتذكر , منْ يصدق أن المدينة أستجابت الى خرائب وفضلات تهيم فيها الحشرات والدواب ويختفي فيها اللصوص وقطاع الطرق في الليل ) ص272 . انه زمن اللصوص والقتلة , ان تصبح الحياة لعبة الحظ والقدر . هؤلاء الذين يحكمون الوطن جاءوا من اجل كعكة الوطن وتقاسم الفرهود . لا يعنيهم من الوطن شيئاً . واصبح الانسان سلعة زهيدة , ازاء هذا الاختناق مزق ( يوسف النجار ) الكابوس القلق والخوف , واستعد للمنازلة في مجابهة الذئاب على الابواب .
× الكتاب : رواية الذئاب على الابواب
× المؤلف : أحمد خلف
× الطبعة الاولى : عام 2018
× الناشر ؛ دار النخبة 6 شارع رجاء الرسول من شارع وادي النيل / القاهرة
× عدد الصفحات : 328 صفحة
جمعة عبدالله