خسائر في الأرواح وخسائر اقتصادية، وانتقادات دولية وعقوبات قادمة، هذا ما جنته تركيا حتى اليوم السابع من هجومها على شمال شرقي سوريا ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من الدول الغربية في الحرب على تنظيم “داعش” لكن أنقرة تتهمهم بـ”الإرهاب”.
وتهدف تركيا التي تصنّف وحدات حماية الشعب الكردية مجموعة “إرهابية”، إلى إقامة منطقة عازلة قرب حدودها لتنقل إليها قسما كبيرا من 3.6 مليون لاجئ سوري لديها.
وهذا بعض مما “جنته” تركيا خلال سبعة أيام منذ بدء هجومها:
مقتل عشرات المدنيين السوريين والأتراك
تسبّب الهجوم التركي، بمقتل 20 مدنيا جراء قذائف اتهمت السلطات التركية المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدودية، كما أحصت أنقرة مقتل ستة جنود أتراك، اثنان منهما الأربعاء، في سوريا.
وفي مناطق العمليات التركية في شمال شرقي سوريا، قتل نحو 71 مدنيا و158 مقاتلا من قوات سوريا الديمقراطية، وفق المرصد السوري، كما دفع بـ160 ألفا إلى النزوح من منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.
وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء توقف منظمات الإغاثة الدولية عن العمل وسحب موظفيها من مناطقها، محذرة من “تفاقم الأزمة الإنسانية” في منطقة تضم أساسا مخيمات نازحين تعتبر مأوى لعشرات الآلاف.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مغادرة المزيد من طواقم المنظمات الدولية غير الحكومية إلى العراق وتعليق عملياتها. ولا يشمل ذلك وكالات الأمم المتحدة، وفق ما أكد متحدثون باسمها.
ووصفت منظمة “ميرسي كور” الاثنين، التي علقت عملياتها، ما يجري بأنه “السيناريو الكابوس”.
عقوبات أميركية وأوروبية
بدأ الهجوم التركي إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من شمالي سوريا، ما اعتبر ضوءا أخضرا للأتراك. إلا أنه تعرض لوابل من الانتقادات نتيجة قرار الانسحاب، فطالب أنقرة بوقف هجومها.
وللتخفيف من حدة الانتقادات التي اتهمته بالتخلي عن الأكراد، فرض ترامب عقوبات على تركيا. إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد الثلاثاء أن الهجوم لن يتوقف حتى “تتحقق أهدافنا”.
وتشمل العقوبات وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية في تركيا. وقرّر ترامب وقف مفاوضات تجارية مع تركيا، وأعاد فرض رسم جمركي بنسبة 50 في المئة على واردات بلاده من الصلب التركي.
وأعلنت ألمانيا وقف تصدير السلاح إلى تركيا رغم أنها أكبر مشتر للأسلحة الألمانية داخل حلف شمال الأطلسي، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية عام 2018 إلى تركيا 242,8 مليون يورو، ما يساوي ثلث القيمة الإجمالية لصادرات الأسلحة الألمانية (770,8 مليون يورو).
وقالت وزارة الخارجية الهولندية “قررت هولندا تعليق كل طلبات تصدير المعدات العسكرية إلى تركيا في انتظار تطور الوضع”.
وانضمت فرنسا لقائمة الدول التي قررت وقف أو تقليص صادراتها من الأسلحة إلى أنقرة، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى بحث فرض عقوبات على تركيا، عندما يجتمع قادته في بروكسل في 17 من الشهر الحالي.
كما أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الثلاثاء تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا “التي يمكن أن تُستخدم” في الهجوم.
وفي أحدث قرار أوروبي بشان الأسلحة، أعلنت إسبانيا، أيضا الثلاثاء، تعليق تصديرها للأسلحة إلى تركيا، وطالبت الحكومة الإسبانية من أنقرة “وقف هذه العملية العسكرية” قائلة إنها “تعرض استقرار المنطقة للخطر” وتزيد أعداد اللاجئين وتهدد سيادة الأراضي السورية.
في المقابل، كان وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو قد قال في تصريحات صحفية إن الهجوم في شمالي سوريا يعتبر “مسألة حيوية” و”قضية أمن قومي وقضية بقاء”.
وطلبت بلجيكا وألمانيا وفرنسا وبولندا وبريطانيا، عقد اجتماع جديد مغلق الأربعاء حول الهجوم العسكري التركي في سوريا.
وكان اجتماع أول انتهى الخميس بانقسامات في المجلس وبصدور بيان من الأوروبيين فقط يطلب وقف الهجوم التركي، ثم عرقلت روسيا والصين الجمعة نصا قدمته الولايات المتحدة ويطلب أيضا وقف العمليات التركية في شمالي سوريا.
لكن الصين عادت ودعت تركيا الثلاثاء “إلى وقف عملها العسكري” و”العودة إلى الطريق الصحيح المتمثل بالحل السياسي”.
تداعيات اقتصادية
هوت الليرة التركية بأكثر من 5 بالمئة في أعقاب التوغل العسكري التركي في سوريا لتصبح الأسوأ أداء بين العملات الرئيسية في العالم في أكتوبر.
وفي اليوم السابع من العملية العسكرية، أعلنت مجموعة “فولكسفاغن” الألمانية لصناعة السيارات، الثلاثاء، أنها علّقت قرارها بشأن إنشاء معمل جديد لها في تركيا، معربة عن قلقها حيال الهجوم الذي تشنّه أنقرة على القوات الكردية في شمال شرقي سوريا.
وقال متحدث باسم الشركة إن “مجلس الإدارة أرجأ القرار بشأن المعمل الجديد” مضيفا “نراقب الوضع عن كثب وننظر إلى التطورات الحالية بقلق”.
وكانت المجموعة قررت “في الأشهر الأخيرة” إنشاء معملها الجديد في تركيا لمنطقة أوروبا الشرقية، عوضا عن إقامته في رومانيا أو بلغاريا، بحسب صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية.
ويشكل المعمل استثمارا تقدر قيمته بين 1.2 و1.5 مليار يورو وقد يضمّ حوالي أربعة آلاف موظف.
فرار عائلات داعش
أبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات أي هجوم تركي محتمل على المعركة ضد خلايا تنظيم داعش الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة برغم هزيمته الميدانية على يد المقاتلين الأكراد. ويحتفظ الأكراد بالآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.
وأعلنت القوات الكردية، الأحد، أن 800 من أفراد عائلات مقاتلي داعش فروا من مخيم في عين عيسى بسبب القصف التركي، وأن خمسة من المتشددين فروا من مركز احتجاز الجمعة.
وقال أردوغان “سنضمن ألا يغادر أي مقاتل من تنظيم “داعش” شمال شرق سوريا”، وفقا لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال”، الثلاثاء.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الثلاثاء أنه سيزور العراق لمحادثات مع السلطات العراقية “والأكراد” بشأن “الأمن في المخيمات التي يعتقل فيها المتشددون الأجانب.
وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء الدول الأوروبية من نقل المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم من سجون المقاتلين الأكراد إلى العراق، حيث تجري محاكمات “غير نزيهة” تتخللها الكثر من الانتهاكات.
قوات النظام على الحدود
تمكنت تركيا ومقاتلون سوريون موالون لها خلال أسبوع من الهجوم، من السيطرة على منطقة حدودية على طول 120 كيلومترا تمتد من محيط بلدة رأس العين (شمال الحسكة) وصولا إلى مدينة تل أبيض (شمالي الرقة). وتمكنت من التقدم في بعض المناطق إلى عمق يتخطى 30 كيلومترا.
في موازاة ذلك، تابعت قوات النظام لليوم الثاني على التوالي انتشارها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، استنادا إلى اتفاق بين الطرفين تم برعاية روسية. وذكرت قوات النظام السوري أن 10 كيلومترات فقط تفصلها عن القوات التركية.
ورفع جنود سوريون الثلاثاء، وفق المرصد، العلم السوري داخل مدينة منبج في شمال محافظة حلب، غداة دخولهم إليها ليلا، وأعلنت روسيا سيطرة قوات النظام السوري “بالكامل” على المدينة، الثلاثاء.
وباتت قوات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى (في الرقة) تل تمر (في الحسكة) وتنتشر في مناطق حدودية أخرى، وفق المرصد.
ويعد هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجياً منها بدءاً من العام 2012، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.