لطالما تهكم البعض من جيل ما بعد التغيير عام 2003 بأعتباره جيل تربى على ( سپـونج بوب – شخصية من افلام كارتون امريكية شائعة هي اسفنجة بحر ), شباب خائب, غير مبالي, جاهل, يتلبسه خواء فكري فاضح, لايفقه شيئاً في شؤون السياسة, منزوع الوطنية ولايهمه كل ما يطبخ له في مطابخ السياسية اوما يدبر له في دوائر احزابها او كتلها البرلمانية او وزاراتها التحاصصية…
ولطالما نظرالمتسلطون الى الشعب بعين ” قنطورس “* ناقمة, ودلقوا بوجهه كل ما يحمله ” صندوق باندورا “* من شرور– جشع وغرور وكذب ووقاحة وهمجية…
وبينما تمكن اليأس من دواخل الكثيرين من عقم الوضع حتى فاجأنا هذا الجيل, جيل ال ( سپـونج بوب ) بمستحيله وقلب الطاولة على التنظيرات التقليدية المتفذلكة واودى بتحليلات المحللين الاستراتيجيين الضليعين بعلم السياسة, اليقينية… وأسقط كل قدسية أضفيت على الأنتحال التحايلي للدين سواءاً مارسه أشخاص او مؤسسات او ميليشيات.
من معاناة هذا الجيل… من معالم الرثاثة التي تحيطه, انفجرت انتفاضة شعبية عارمة بعد ان شهدوا تمادي ممثلي الطغمة الحاكمة في الفساد مقابل فقرهم ومصادرة حرياتهم وخنق تطلعاتهم بتابوهات دينية واجتماعية اكل عليها الدهر وشرب, مثقلة بشعائر مأتمية…
هم شباب يحاول رسم خريطة احلامه بصدور عارية وبيارق الوطن وبدون وصاية دينية او سياسية… فهم لم ينتظروا اشارة او امر من احد, وانتفضوا على القطيعية, ثم اخذوا قضية العراق والعراقيين على عاتقهم ومضوا… بحناجر تصدح بأسم الوطن, سلاحهم الوحيد كان الموبايل الذي صوّر وحشية زبانية السلطة وميليشيات احزابها وقمعها غير المسبوق لهم.
فبعد ان استهانوا بالمنتفضين بنعتهم ب ” كومة زعاطيط, جيل سپـونج بوب او جماعة لعبة الپـبجي, وبالمتآمرين, والمدفوعين من جهات اجنبية لتدمير الجنان التي شيدها المتحاصصون, قاموا لغبائهم, وللتقليل من شأن الانتفاضة, بالحديث عن الاف قليلة من المتظاهرين, لا يعتد بها… لكنهم فرضوا منع التجول واغلقوا الطرق بالحواجز الكونكريتية وانزلوا قواتاً مدججة بالسلاح الى الطرق والساحات العامة وحجبوا خدمة الأنترنيت, ومن ثمة اوقعوا بأكثر من 7 آلاف متظاهر بين شهيد وجريح و آلاف اخرى من المعتقلين والعشرات من المغيبين.
وهذا ما جلب الويل عليهم… واوقعوا انفسهم في ورطة حقيقية, امام الرأي العام في الداخل والخارج, وادانوا انفسهم بأنفسهم قبل ان يدينهم الشعب او اية منظمات حقوقية محلية او عالمية, فمستوى القمع وشدته لا يتناسبان مع ما يمكن ان يشكله ( خطر ) المتظاهرين, وحسب معطياتهم هم. وهذا يعني ارتكابهم مجزرة مروعة, تستدعي تدخل اممي لحماية المواطنين العراقيين من اضطهاد حكومتهم.
سياسة العصا الغليظة لقمع المحتجين لم تأت أكلها, فقد ارادوا تقليل اعداد اعدائهم فاذا بهم يزيدونهم اضعافاً مضاعفة باضافة اهالي الشهداء والجرحى والمغيبين والمطاردين وكل المهضومة حقوقهم.
انتبهوا الى عقم حلولهم القمعية, فتغير خطابهم الأعلامي ولجئوا في اليوم التالي للانتفاضة الى سياسة الجزرة… بحزمة من القرارات السخية التي عكست هلعاً عظيماً من غضبة الشعب, بأغداق سيل من المغريات والهبات المادية من اراض ورواتب وفرص عمل , كأنها سحبت من قمقم ( المارد المعنوي ), بعد ان كانت غائبة طوال ستة عشر عاماً, وما من أحد يصدق انهم قادرون على الأيفاء بها.
وما كان لهذه المسرحية السمجة ان تمضي بدون لمسة كوميدية… بأعلان الحداد على ضحاياهم, وتشكيل لجنة تقصي حقائق عن استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين العزل, مكونة من اجهزة وشخصيات ضالعة في قمع المتظاهرين, والأنكى من ذلك ان نتائجها غير ملزمة قضائياً, اي ان هدفها مكشوف, مجرد الضحك على الذقون, وما تشكيلها الا لذر الرماد في العيون والاستفادة من الوقت لخداع المواطنين للالتفاف على مطاليب المنتفضين المشروعة.
لتعلن بعدها الجهات الرسمية بتأجيل موعد الأعلان عن نتائج تحقيقاتها الى اشعار آخر, بعد ان الزمت نفسها امام الجماهير بموعد محدد, لزيادة التمييع تسويفاً.
لكن لاخفي الا سيظهر, ولا مكتوم الا سيُعلم !
والمؤكد ان مشاهد القتل المروعة شاهدها الجمهورعلى التلفاز ووسائل التواصل الأجتماعي, ولا مجال لنفيها, والقتلة معروفون, ولا صحة لما يلوكه ويحاول ان يمرره اعلام السلطة وقياداتها عن ” الأشتباك ” الذي يفترض وجود جانبين متقاتلين, فأطلاقات الموت جاءت من الطرف المواجه للمتظاهرين العزل, واعداد شهدائهم الكثيرة دليل ذلك.
يوم القصاص من القتلة ومصاصي دماء الشعب يقترب !
* قنطورس – أقرب ثقب اسود الى كوكب الأرض بمسافة لاتزيد عن 11 مليون سنة ضوئية.
* صندوق باندورا – في الميثولوجيا اليونانية, صندوق يحمل كل شرور البشر.