كان هو حياً وموظفاً كبيراً في الإتحاد السوفيتي الذي مات بهذه السياسة الفاشلة في دعم حثالة الشعوب من أجل منافسة أمريكا وإقتناص زبائنها حتى مات ولم يظفر بشيء .
عندما كان صدام يُعدم الشيوعيين ويحاربهم في سبعينات القرن الماضي ويُدمر الكورد يدفنهم أحياء , كان الإتحاد السوفيتي يدعمه بكلّ شيءٍ مُراد, يبني له الجيش العقائدي البعثي الذي أراد به تحقيق الوحدة العربية الكبرى, حتى في الحرب المعتدية على إيران زوّده بكل مستلزمات الحرب بما في ذلك الصواريخ الإستراتيجة الممنوعة في ذلك الوقت حتى إنتصر, وفي الحال إنقلب صدام لأمريكا من أجل حلمه الخاص فدخل الكويت ونال إستحقاقه كما نال سيده السوفيتي إستحقاقه ايضاً الذي دُفن قبله .
هنا نرى مسرحية مشابهة, بوتين يُريد أن ينتزع تركيا من أمريكا دون أن يعلم من هو أردوكان أو من هو ترامب ولا يعلم شيئاً عن الناتو إطلاقاً إنه يعيش في عالمٍ آخر تماماً , تأسس الناتو أساساً كردّ فعلٍ ضد إتجاهات روسيا القيصرية في 1774 بعد أن انعش بطرس الأكبر الروح التوسعية في روسيا ألد الأعداء التاريخيين للدولة العثمانية, متجهاً نحو تطوير الأسطول البحري , بحسب سياسات الإستعمار والتوسعات البحرية في ذلك الزمن حتى أصبحت روسيا في القرن الثامن عشر خطراً يهدد سيادة بريطانيا على بحار العالم, فكان لابد لبريطانيا أن تضمن لنفسها حليفاً مصيرياً وعدواً تاريخياً للروس يقف أمامهم على مدى التاريخ فوجدت ذلك الحليف في الدولة العثمانية المنهارة التي كانت على شفا الموت , وكان بروز محمد علي في مصر كفيلاً بإزالتها من الوجود, شاه إيران شجع الكوردي محمد الراوندوزي على استقطاع كوردستان من العثمانيين, الروس هاجموها من الشرق فوقفت بريطانيا إلى جانبها بقوة وفي كل المآزق, وهي التي فرضت التسوية على محمد علي وإيقاف الحرب ضد الخليفة العثماني, أما في حرب القرم 1853فقد دخلت هي وفرنسا بكل قوتيهما إلى جانب تركيا وأعادت إليها الحياة ولولا وجود بريطانيا لماتت الدولة العثمانية قبل 1840 فقد تكالب الأعداء من الجهات الأربعة (*هامش) فوقفت بريطانيا مع تركيا ورسمت الحدود بينها وبين الروس وإيران وقضت على الفتن الداخلية فأستعادت الحياة لكن لم يمضي وقت طويل حتى أزاحت ألمانيا بريطانيا وفرنسا من أمامها وإحتلت الأولوية المطلقة في زمن عبدالحميد حينها لم تهدأ بريطانيا حتى قامت الحرب وكانت أولى مهامها مضيق البسفور فأحتلته ومزقت الإمبراطورية العثمانية ما لم تكن لها , لكن كمال أعاد لبريطانيا ما تتمناه فأعادت إليه جمهوريةً تركية عصريةً قوية بثمنٍ زهيد : (مراقبة الثورة السوفيتية وحراسة مضيق البسفور ونبذ الإسلام ) هذا كان مهر جمهورية أردوكان الحالية .
بعد الحرب الثانية سلمت بريطانيا الزعامة لأمريكا وأعلن عن حلف الناتو رسمياً على يد جورج مارشال وأعلن عن عضوية تركيا في 1952 وهي التي كانت مؤسسه قبل 175 عاماً من ذلك, والحرب الباردة بعد ذلك جعلت من تركيا العضو الاكثر اهميةً في الحلف, كان المفروض أن تنهار أسهم البسفور بعد تفليش الإتحاد السوفيتي, وقد جاهر جورج بوش الأب والإبن بذلك لكن حجم روسيا الكبير وإمكاناتها الكبيرة جعلت من الحلف لا يستغني عنه, وبظهور أطماع روسيا التوسعية مجدداً جددت أهميته أيضاً وبوتين يعلم هذا فيحاول بكل الوسائل إستمالة أردوكان الذي يُبدي تحدياً لشركائه في الحلف عسى أن ينجح في التمرّد عليهم والإنسلاخ منهم , فيحاول بكل الجهود إرضاءه ومراعات مطاليبه لكن بحذر لأن مطاليبه هي ضد سورية شريكته الأبدية, فهو الآن بصدد الحرب الدبلوماسية على الحبلين الإستجابة لرغبات أردوكان والإحتفاظ بسيادة بشار, وبين الإثنين يسحق الكورد الذين لا يُساوون شيئاً له وإبادة الكورد لا تعنيه , لكنه واهم ولن يحصل على أكثر ما حصل الإتحاد السوفيتي من صدام وهو الموت الزُؤام .
فلا إيران توافق على إبادة الكورد ولا بشار يُوافق على تسليم أرضه لأردوكان ولا أردوكان ينسلخ من جسم الناتو ويلتحق به ولا حتى يستقل عنه , فجميع تجهيزاته العسكرية تأتيه من الناتو مجاناً, إضافةً على المنح المالية, وإقتصاد تركيا السياحي والزراعي كله على أوربا الراسمالية ولولا مواقفه الإعتدائية على حقوق الإنسان وإحتضانه السافر لداعش والإخوان وجميع الإسلاميين, لكانت ألمانيا قد ألغت تأشيرة الدخول للأتراك بدون شروط ودخلت تركيا الإتحاد الإقتصادي الاوربي بكل سهولة, الآن تركيا هي العضو الثاني في الناتو بعد أمريكا القائدة وجميع الدول الاخرى خادماتٌ لأردوكان …….. للأسف بوتين لا يعلم شيئاً من هذا فيظن أن صواريخ (س) قد أخرجت اردوكان من صف الناتو, وإذا همس في أذنه في سوتجي سيخرج نهائيّاً من الحلف ويطرد أمريكا من المنطقة دون أن يعلم أن لأمريكا خمسة قواعد عسكرية كبيرة في تركيا يدفع إيجارها الاوريبيون الذيول صاغرين, فلو كانت من خزينة ترامب لسحبها بكل سهولة لا شيء يقف أمامه إذا كلفه سنتاً, وأن تركيا هي فعلاً جزءٌ من أمريكا ببضعة صواريخ سيطردها أردوكان , إنه غبيٌّ يحلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* الهامش : إلاّ الكورد فقد وقفوا بكل قوتهم إلى جانب الخليفة يضحَون بحياتهم من أجل إنقاذه ليكفل لهم زاويةً في الجنة, عندما كانت الدولة العثمانية تترنح تحت ضربات الاعداء ومنهم الثائرالكوردي ميري كورة الراوندوزي الوحيد الذي وقف ضد الخليفة, وقف جميع الكورد بزعامة آل البدرخان إلى جانب الدولة العثمانية وإستماتوا دفاعاً عنها وقد صدوا الروس بنجاح لكنهم لم يتمكنوا من إيقاف إبراهيم باشا فهزم حافظ باشا وحمل الكورد السبب وهجموا على سنجار . وكما قلنا الإنكليز أوقفوا إنهيار العثمانيين
حاجي علو
22 ـ أكتوبر 2019