إن الخلاصة التي خرجت بها من خلال قرأتي لتاريخ الحركات والثورات الكردية، توصلت إلى نتيجتين مهمتين هما:
النتيجة الأولى:
إن قادة الكرد كالكثيرين من القيادات في عالمنا الثالث، لم يتعلموا من تاريخهم، ويكررون نفس الأخطاء والحماقات السياسية السابقة.
النتيجة الثانية:
الأنانية، والفرقة والتعبية لمحتليهم، هي أكثر نقاط الضعف، التي يعاني منها حركة التحرر الوطني الكردستانية، وكانت سببآ أساسيآ في إنكسارها وهزيمتها في مرات عديدة.
ومن هذه الزاويتين، سوف ألقي نظرة عامة وفاحصة على زيارة وفد مجلس سوريا الديمقراطية إلى دمشق، عاصمة نظام العار والقتل بالبراميل والغاز والتهجير، نظام بشار الأسد. هنا أود أن إسجل عدة ملاحاظات:
الملاحظة الأولى: مجرد ذهاب الكرد إلى دمشق، وبالشكل والظرف الذي ذهبوا اليها، قد خسروا إحدى أوراقهم، دون حصولهم على أي مقابل لقاء ذلك. لأن ذهابهم يعني إعترافهم بسلطة بشار وألته القمعية، وشرعية نظام المجرم والقبول ببقائه.
الملاحظة الثانية: عدم الإتفاق مسبقآ على ورقة تتضمن القضايا، التي سيتم تناولها خلال هذه الجولة من المفاوضات بين الطرفين. وتتضمن أسماء أعضاء الفريق الحكومي، الذي سيجلس مع الوفد الكردي، على مائدة المفاوضات. وهل سيسمح برفع العلم الكردي في القاعة، أو على طاولة المفاوضات؟ لا نعلم شيئآ من ذلك!!! والأكيد لم يسمح برفع العلم الكردي.
الملاحظة الثالثة: حول الزيارة، المكان الذي إجريت فيه المفاوضات، لأن ذلك مهم للغاية، وله رمزيته السياسية وإسقاطاته. إن إجراء المفاوضات في إحدى المقرات الحكومية، أو إحدى مباني المخابرات السورية، لها معنى معين، ولو إجريت في مكتب من مكاتب الأمم المتحدة بدمشق لها معنآ مختلف كليآ. أنا واثق لم تجرى المفاوضات في مقر الأمم المتحدة، ولهذا أسأل: أين أجريت وهل علقة صورة للمجرم بشار الأسد في القاعة، التي إجريت المفاوضات أم لا؟ الجواب بالتأكيد نعم، ولم يتجرأ أحد من الوفد الكردي فتح فمه.
وهذا المسرح وشكله، سلفآ حدد سقف المطالب وما يمكن لجماعة (ب ي د) تحصيله من حقوق للكرد من هذا النظام العنصري والطائفي. يا ريت للوفد العتيد ومرسليهم سمعوا بالقول التالي:
الحقوق تأخذ ولا تعطى وتستجدى.
سأذكر أعضاء الوفد المحترمين وقادتهم، بتجربة إخوتنا الكرد في جنوب كردستان، مع الأنظمة العراقية المتعاقبة ونتائجها، بدءً من أيام الجنرال عبدالكريم قاسم، وإلى فترة حكم حيدر العبادي، وعدد المرات التي زارو بغداد وعادوا بخفي حنين. ولولا الأمريكان لكانوا إلى الأن يعيشون في الجبال. خذوا المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، والمعترف به من قبل كل العالم، ها قد مر على صدورها إلى الأن 14 عامآ. هل نفذت؟ لا. هل تزحزح الطرف الشيعي الطائفي سنتيمترآ إلى الأمام؟ أبدآ.
عندما كان النظام في حالة من الضعف والهوان وبحاجة الى مساعدت أي طرف كان، رفض تقديم أي شيئ للكرد ولم يعترف بهم ولم يدعوهم للتفاوض معهم لحل قضية الشعب الكردي عبر الحوار وبشكل سلمي، فهل تظنون اليوم وبعد إستعاد أنفاسه، وسيطرته على الكثير من المناطق التي كان قد خسرها لصالح الجماعات المتطرفة، سيقدم شيئآ حقيقيآ للكرد؟ واهم وجاهل من يظن ذلك.
كيف يمكن لطرف سياسي كالوفد الكردي، ترك القضايا السياسية الأساسية كشكل الدولة السورية القادم، ونظام الحكم المستقبلي ومصير الأسد، وسبل حل القضية الكردية حلآ دستوريآ أولآ، ودون إعتراف النظام البعثي الأسدي بالشعب الكردي كثاني قومية في سوريا، ورفضه وجود إقليم غرب كردستان، وترك مصير جيش الأسد وأجهزة الأمنية إلى الأخير، والبدء في التفاوض حول قضايا الخدمية والمعيشية على أهميتها؟
بهذه الخطوة وضع الطرف الكردي العربة أمام الحصان، وهذه خطوة كارثية، كان من المفترض لا يقع الوفد ومرسليهم فيها، ويستفيدوا من تجارب الأخرين. من ضمنهم تجربة الإخوة الفلسطيين الذين إرتكبوا أكبر حماقة سياسية عندما واقفوا على: غزة أولآ مقابل إعترافهم بإسرائيل دون تحديد حدودها وعاصمتها، وأن تصبح فلسطين دولة رسمية ومعلومة الحدود ومعترف بها من قبل إسرائيل وداعيمها.
الكرد أيضآ إعترفوا بنظام الأسد وسلطته، دون أي مقابل وهذا يعطيك صورة عن فهم ومدى وعي ومستوى المفاوضين الكرد حفظهم الله. لقد جرهم النظام بألاعيبه الخبيثة إلى فخه، عبر إيهامهم أن القطار سيفوتهم إن لم يلتحقوا بركبه، وقد يكون وعدهم كذبآ ببعض الأشياء كي يجرهم الى هذا الفخ. الجولة إنتهت ورفض النظام عقد مؤتمرآ صحفيآ مشتركآ مع الكرد أو منفصلآ، يشرح فيه موقفه، ويخبرنا عما توصلوا إليه مع الكرد، ولم يصدر بيانآ بهذا السدد؟
إن أي حديث عن “بناء الثقة” مع نظام القتلة والمجرمين، كمن يضحك على نفسه؟ هل هناك عاقل على وجه الكرة الأرضية، يمكن أن يثق بمثل هذا النظام الفاجر؟ والكلام عن اللجان هو مجرد للتغطية على فشل المفاوضات قبل بدئها، بسبب غياب وجود أرضية صلبة وحقيقة تضمن نجاحها من الأساس. وثانيآ، لأن نظام الأسد الطائفي- العفلقي إلى الأن لا يجد في الكرد سوى مواطنين من الدرجة الثالثة وخدمآ عنده. كل ما يريده الطاغية عودة أجهزته القمعية الى المناطق الكردية، بقدها وقدديها، لجر أبنائها الى صفوف جيش الحرامية واللصوص، ليموتوا دفاعآ عنه، ويعمل البقية عنده عبيدآ لا أكثر.
وفي الختام، لا يعني هذا عدم محاولة التفاوض مع النظام أو المعارضة، لكن ضمن شروط وسياقات معينة، والمفاوضات تتم بين الأعداء والخصوم وهي ليست عيبآ ولا حرامآ. اللافت في الأمر هو مجرد أن سمعت تركيا بقصة المفاوضات كلفت رجلها مسعود البرزاني، وطلبت منه إرسال موفدآ لدمشق تحت يافطة إعادة العلاقات مع دمشق ودعوتها لفتح قنصلية لها في هولير! ونحن جميعأ نعلم بأن هدف موفدها، هو قطع الطريق على حزب العمال ومنعه من السيطرة على غرب كردستان، وإفساد ما قد ينجم عن هذه اللقاءات بين الطرفين. ولا أستبعد أن يكون هدف النظام من هذه المفاوضات الضغط على تركيا، أي بمعنى تسليم إدلب وعفرين له، مقابل التخلي عن المفاوضات مع حزب الإتحاد الديمقراطي. ومن الجهة المقابلة، القول للكرد إن لم تعودا إلى حظيرتي “حضن الوطن”، وفق شروطي سنسمح للأتراك بإحتلال غريه سبي وعمودا أيضآ، بالتأكيد النظام سيسعى اللعب على الطرفين إذا أمكن ذلك.
04 – 08 – 2018