الامن حاجة بشرية قديمة ترتبط حياة الانسان بوجوده بعلاقة حميمة تزداد تشابكاً و تفاعلاً يوماً بعد آخر , ان الجهود التي يبذلها الانسان في هذا الجانب لا يضاهيه ما يبذله في الجوانب الاخرى ، لانه يعد الاساس المتين و السند القوي الذي يستند اليه كافة الانشطة الانسانية .
ان الخطط و الاستراتيجيات الامنية التي تعتمد عليها الدول و المجتمع الدولي بأكمله تتنوع و تتغير اعتماداً على مصادر التهديد الموجه الى امن تلك الدولة و درجة ثقافة و تماسك مكونات ذلك المجتمع و قوة الترابط فيما بينهم , و ذلك لأن مصادر التهديد تبحث عن اضعف الحلقات الموجودة لأختراقها و تحقيق اهدافها , لذا فان اختلاف الاجراءات الامنية بين دولة و اخرى او بين فترة و اخرى داخل الدولة الواحدة يشكل حالة طبيعية مألوفة .
بعبارة اخرى ان الاستراتيجية الامنية التي تضعها دولة معينة ليست بالضرورة ان تكون صالحة لدولة اخرى او ان التي تضعها في فترة محددة من غير الممكن ان تكون مناسبة لفترة اخرى , و ان كانت تعتمد على اسس مشتركة او وجود اوجه الشبه بينهم و ان القصد من المنعطف التاريخي لأمن العالم هو تغيير في مصادر التهديد مما يستدعي تغيير في اليات مواجهة تلك المصادر .
ان تحقيق الامن و تأمين حياة خالية من الخوف و الارهاب يعد مطلباً انسانياً رغم وجود عناصر تحمل الكراهية و الحقد الدفين لاسباب متعددة تحاول الانتقام و تنشرالفزع بعمليات ارهابية تذهب ضحيتها العشرات من الابرياء .
تتكاتف الجهود الدولية سواء باصدار القرارات او اقامة المنظمات و الاحلاف العسكرية و الامنية و عقد المؤتمرات المتوالية و توقيع الاتفاقات الثنائية و الثلاثية او اكثر من اجل الحد من الجريمة المنظمة و الارهابية و الاتجار بالبشر و غسل الاموال و كل فعل يمس بحياة الانسان و كرامته و احواله , و لكن طبيعة الحياة و تطورها كثيراً ما يفسح المجال امام الجناة لارتكاب افعالهم الدنيئة , و من المنعطفات التاريخية التي أثرت على طبيعة الاجراءات الامنية بل تؤدي الى تشديدها و انتقلت بتلك الاجراءات الى مرحلة اخرى و ان هذه المنعطفات تمثل الفاصل بين مرحلتين تختلف اجراءاتها الامنية و تصوراتها و مصادر تهديدها و طريقة التعامل معها و معالجتها ومنها :-
- انتهاء الحربين العالميتين اللتان كانتا تمثلان اكبر كارثة انسانية في القرن العشرين من حيث عدد القتلى و المشردين و الدمار و التي انتهت بانتصار دول على اخرى لتضع الدول المنتصرة استراتيجية امنية مناسبة لها و للواقع الجديد كانت تختلف عن استراتيجياتها قبل الدخول الى الحروب و اثناءها حيث تم انشاء منظمة الامم المتحدة (مجلس الامن) بعد فشل عصبة الامم سعياً منهم لحفظ الامن و السلم و كذلك تم انشاء العديد من الاجهزة الامنية المحلية التي كانت تلعب دورها و لا تزال , و دخل العالم الى حرب باردة بين القطبين الشرقي السوفيتي والغربي الامريكي كانت حروب بالوكالة و الحصول على المعلومات اعتماداً على قوة الاختراق و زرع المصادر سمات تلك المرحلة و استمرت لحوالي نصف قرن كانت الدول تأخذ ما تشاء من اجراءات لحماية امنها تحت ذريعة السيادة الوطنية .
- انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وتقسيمه الى عدة دول و دخول العالم الى احادية القطبية و بروز مصطلحات جديدة على الساحة الدولية منها العولمة بجميع انواعها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الامنية و التي تعني بابسط معانيها ازالة الحدود و مبدأ التدخل الانساني الدولي و التي اثرت بشكل كبير على سيادة الدول و اضعفتها فلم تعد مسؤولية امن الفرد مسؤولية الدولة التي تنتمي اليها مسؤلية الجميع فلم تعد الاجراءات الامنية تضع بعيداً عن التطورات الدولية بل يجب ان تنسجم معها و تتناسق عن طريق تبادل المعلومات و تسليم المتهمين و عقد الاتفاقيات الامنية خاصة بعد ظهور مصادر تهديد عالمية لاتعرف الحدود منها الارهاب و الجريمة المنظمة و الاتجار بالبشر و غسل الاموال و غيرهم مما يستوجب جهود دولية مشتركة للحد منها و الوقوف بوجهها .
- احداث 11 سبتمبر عام 2001 , بعد تفرد امريكا بقيادة العالم لحوالي عقد من الزمن انهار منظومتها الامنية امام قيام مجموعة من الارهابيين بخطف عدة طائرات مدنية و الهجوم بها على وزارة الدفاع و برجي التجارة العالمية ذهبت ضحيتها الآلف فقد كانت الصدمة و المنعطف الذي يستدعي المراجعة و اعادة التنظيم اضطرت امريكا الى اعادة الهيكلة و تحولت الى حالة الهجوم بعد الدفاع و وضعت استراتيجية امنية اتخذت من النقاط التالية انطلاقاً منها نحو حماية امنها :-
- ضرب الجماعات الارهابية اينما كانت بالتنسيق مع الدول الاخرى او بشكل منفرد أي محاربة الارهاب خارج حدودها .
- تقديم المساعدات اللوجستية و المادية للدول و الشعوب التي تقف بوجه الجماعات الارهابية خاصة في العراق و افغانستان .
- محاربة الدول التي تساعد الجماعات الارهابية مادياً و معنوياً مثل ايران باعتبارها المصرف المركزي للارهاب و فرض العقوبات الاقتصادية عليها لأضعافها .
- الدخول في تحالفات امنية و عسكرية عالمية لمحاربة الارهاب و عقد المؤتمرات للوقوف على مناطق القوة و معالجة نقاط الضعف .
- تشديد الاجراءات الامنية الداخلية في المطارات و المنافذ الحدودية و تحديد المشكوكين و اجراء المتابعة اللصيقة عليهم و مراقبة الاتصالات و حجز المشتبهين وفق قانون باتريوت الصادر بعد احداث (11) سبتمبر .
4 – الربيع العربي عام 2011 و ما تلته من تداعيات سياسية واجتماعية و عسكرية وامنية اثرت بشكل كبير على الخطط الامنية لدخول المنطقة الى فوضى عارمة .
هذه اهم المنعطفات التي اثرت في شكل الاجراءات الامنية المتخذة بشكل عام و ان كانت هناك منعطفات محلية او اقليمية لاترتقي الى العالمية .
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي