ظهر مصطلح الديمقراطية لأول مرة ببلاد اليونان القديمة ليعبر عن نظام الحكم بأثينا وقد اشتقت هذه الكلمة من مصطلحي demos والتي تعني الشعب وkratos والتي يقصد بها السلطة والحكم وبالتالي وضع الأثينيون مصطلح الديمقراطية ليعبّروا عما يعرف بحكم الشعب. وفي الأثناء بلغت الديمقراطية الأثينية عصرها الذهبي خلال عهد السياسي والخطيب بريكليس (Pericles) مابين عامي 460 و429 قبل الميلاد حيث تميز الأخير بدعمه لحرية التعبير عن الرأي.
وبالتزامن مع ذلك عرف النظام الديمقراطي الأثيني والذي يصنّف من قبل أغلب المؤرخين كأول ديمقراطية في تاريخ البشرية العديد من النقائص ولعلّ أبرزها إقصاء النساء والعبيد من المشاركة في الحياة السياسية.
يعد رجل القانون والمشرّع الأثيني سولون (Solon) أول من وضع أسس الديمقراطية الأثينية حيث نجح الأخير ما بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد في إرساء جملة من القوانين خلّصت أثينا من النزاعات الداخلية وأنقذتها من شبح الحرب الأهلية. وقد باشر سولون تشريعاته بإصدار عفو عام والسماح للعديد من المنفيين بالعودة والحصول على كامل حقوقهم في سعي منه لمحو الذكريات السيئة التي عاشت على وقعها أثينا خلال الفترة السابقة.
كما حرر الأفراد الذين تحولوا إلى عبيد بسبب عجزهم عن دفع ديونهم، ووضع قانونا منع من خلاله استعباد الناس بسبب عجزهم عن سداد ديونهم.
إضافة إلى كل ذلك قسّم سولون المجتمع إلى أربع طبقات حسب الدخل وقوانين الضرائب ووضع مجلسا عرف بمجلس الأربعمائة ينتخب أفراده من قبل القبائل الأربع بأثينا حيث أوكلت لهذا المجلس مهمة تهيئة المشاريع قبل الموافقة عليها. كما أرسى سولون ما عرف بمجلس المحلفين والذي اختير أفراده بالقرعة من جميع الطبقات للنظر في مختلف القضايا والخلافات عدا جرائم القتل.
وفي الأثناء يلقّب السياسي والمشرّع كليسثنيس (Cleisthenes) ,والمولود في حدود سنة 570 قبل الميلاد بأب الديمقراطية حيث نجح الأخير في قلب نظام الحكم بأثينا وإرساء نظام ديمقراطي.
خلال تلك الفترة وكأغلب المدن الإغريقية، تميزت أثينا بالحكم المنفرد حيث كان الحاكم رجل دولة قوي يلقّب بالطاغية ولعل أبرز هؤلاء الطغاة بيسيستراتوس (Peisistratos) والذي كان رجلا صالحا عرفت أثينا خلال عهده فترة ذهبية. ومع وفاة الأخير في حدود عام 527 قبل الميلاد اشترك ابناه هيبياس (Hippias) وهيبارخوس (Hipparchus) في الحكم، ومع وفاة هيبارخوس تولى هيبياس الحكم بشكل منفرد لتشهد فترته أزمات عديدة حيث لم يتردد الأخير في إعدام ونفي عدد هائل من سكان أثينا بعد اتهامهم بمعارضة قراراته.
وبالتزامن مع ذلك، نظّم كليسثنيس والذي كان في المنفى انقلابا للإطاحة بهيبياس ولتحقيق غايته اتجه أب الديمقراطية للاستعانة بطرف أجنبي وتحريضه على غزو أثينا. لم يكن هذا الطرف الأجنبي سوى أسبرطة (Sparte) والتي تميز شعبها بشدة تدينه حيث اتجه كليسثنيس إلى تقديم رشاوى إلى كهنة معبد دلفي من أجل تقديم نبوءات كاذبة لمسؤولي أسبرطة ودعوتهم لغزو أثينا وتحريرها من حكم هيبياس.
وفي حدود سنة 510 قبل الميلاد زحفت جيوش أسبرطة على أثينا وأجبرت هيبياس على الهرب وعلى إثر ذلك عرفت أثينا أزمة سياسية حيث اتجه أنصار كليسثنيس للمطالبة بالديمقراطية بينما اتجهت فئة أخرى لدعم فكرة حكم الأثرياء. ومع انتصار أتباع كليسثنيس لم يتردد مساندو حكم الأثرياء في الاستعانة بأسبرطة مجددا والتي غزت أثينا مرة ثانية ليطرد أب الديمقراطية رفقة 700 عائلة من المدينة وينصّب إساغوريس (Isagoras) حاكما.
لم تدم فترة نفي كليسثنيس طويلا فسرعان ما عاد الأخير لأثينا عقب ثورة شعبية عارمة أنهت حكم الأثرياء وأقصت جنود أسبرطة من المدينة. وبالتزامن مع عودة كليسثنيس ,أطلق الأثينيون سراح جميع جنود أسبرطة المحاصرين داخل المدينة لتجنب خطر الوقوع في حرب طاحنة وفي المقابل صدر قرار أعدم على إثره المئات ممن ساندوا حكم إساغوريس واستعانوا بأسبرطة. وبناء على ذلك، وضع كليسثنيس حدا لمعارضيه لتشهد أثينا عقب ذلك بداية العهد الديمقراطي.
خلال الفترة التالية وضع كليسثنيس جملة من القرارات الجديدة التي كرست الحكم الديمقراطي حيث أعيد تنظيم المنطقة مرة أخرى ووسّع المجلس الذي وضعه سولون سابقا ليتم زيادة عدد أعضائه والذين أصبح من الممكن اختيارهم عن طريق الاقتراع الشعبي فضلا عن ذلك غيّر أب الديمقراطية نظام القبائل الأربع التي كانت قائمة أساسا على رابط الدم ليتم تعويضها بنظام جديد احتوى على عدد أكبر من المجموعات اختير أفرادها بشكل عشوائي حسب مكان الإقامة وبفضل ذلك عرفت أثينا تغييرات هامة وضعتها على طريق الديمقراطية المعاصرة خاصة عقب بروز مبدأ المساواة أمام القانون.