العراق يواجه عملية ثورية واسعة، لم يشهد مثيلا لها منذ عقود، انتفاضة شبابية واعية وعارمة، تتسع يوماً بعد يوم، وتمتد يوماً بعد آخر لتشمل لا إعلان التضامن معها والتوقيع على بيانات التأييد، كما جاء في بيان شيوخ عشائر الدليم فحسب، بل وضرورة المشاركة الفاعلة والمؤثرة فيها. لأنها تمس حياة الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية العقلانية والديمقراطية الحصيفة، لتمتد إلى المحافظات الغربية ونينوى ومحافظات إقليم كردستان، فهي كلها تواجه حكماً مركزياً جائراً تهيمن فيه القوى السياسية الطائفية الفاسدة حيث تتكالب فيما بينها على الثروة والمال والجاه أو النفوذ الاجتماعي وتجد الدعم والتأييد من وراء حدودنا الشرقية، من إيران وولي الفقه فيها وأتباعه في العراق. إن المظاهرات التي تفجرت، بعد تراكم مستمر منذ هبَّة العراقيات والعراقيين ضد حكم المستبد بأمره وأمر وليه الفقه علي خامنئي، نوري المالكي، لتتحول إلى انتفاضة شبابية تعرف ما تريد وتدرك أنها تكافح نخبة حاكمة متفقة من حيث المبدأ على استمرار هيمنتها على الحكم وعلى المال العراقي وعلى التأثير في أحداثه، تعرف إن إزاحة هؤلاء من الحكم ليست بالعملية السهلة، ولكنها ليست مستحيلة أيضاً، وبالتالي فالأمل يساور كل المنتفضات والمنتفضين الثائرين على استلاب الوطن، على الرثاثة التي تحول إليها الوطن من جراء النخب الرثة الحاكمة المعادية لمصالح الشعب والراغبة في إملاء جيوبها بالمال الحرام والتي تصرخ باستمرار هل من مزيد على حساب قوت الشعب وخراب الوطن.
الانتفاضة الشبابية كما قال أحد المنتفضين في بغداد ليست للحصول على رغيف الخبز بل لإنقاذ الوطن، يريد استعادة الوطن المسروق من الجارة إيران واتباعها في العراق، من الميليشيات الطائفية المسلحة ذات الهوية الإيرانية في العراق التي تشكل اليوم الهيكل العظمي للحشد الشعبي، الذي أصبح بمثابة “الحرس الثوري الإيراني” المعادي لكل ما هو حر وديمقراطي، لكل مواطن يحس بعراقيته المسلوبة ووطنه المستباح. الشعرات التي رفعها المتظاهرون تؤكد العلاقة الجدلية الكبيرة بين أهداف الانتفاضة الشبيبة الوطنية وأهدافها المهنية المعيشية الملموسة: منها مثلاً: الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد الخلاص من النظام السياسي الطائفي المحاصصي، الشعب يريد الخلاص من الفساد والفاسدين ومحاكمتهم، باسم الدين باگونة الحرامية، شلع قلع كلهم حرامية، بغداد تصبح حرة.. إيران برَّة بَّرة، هذا البلد من بيعه، أصواتنا ما نبيعه، الوطن بحاجة الى مخلص وليس الى مخ لص ـ ـ ـ أنا العراق مَن أنتم؟ ـ ـ ـ الشعب أقوى من الطغاة ـ ـ ـ سنبقى نتظاهر حتى يتم الإصلاح ـ ـ ـ حكومة فارغة كالفلين ـ ـ ـ وجودكم يزعجنا ورحيلكم يسعدنا ـ ـ ـ أنقذوا العراق من الغدة السرطانية ـ ـ ـ اطلعوا بالمروّة أحسن ما نطلعكم بالگوّة ـ ـ ـ حرامية حرامية والله شلعتو گلوبنا حرامية، وقال الشعب عن القضاء الفاسد: إذا صلح القضاء، صلح كل شيء…
واليوم كشف عادل عبد المهدي عن اسنان الذئب المفترس التي حاول إخفاءها فترة طويلة، لقد قتل من جديد 74 شهيداً خلال الأيام الثلاثة المنصرمة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، أضافة إلى ما يزيد عن 3500 جريح ومعوق، وبضمنهم من أفراد الأمن والشرطة، والذين لم يتعرضوا للإصابة على ايدي المتظاهرين السلميين، بل من هؤلاء الذين جسدون مؤامرة الميليشيات الطائفية المسلحة المؤتمرة بأمر إيران، ثم جرى اعتقال المزيد من الصحفيين والإعلاميين والمشاركين في المظاهرات. ثم أصدر تعليماته الاستبدادية وبعجرفة وصلف معلناً معاقبة التلاميذ والطلبة الذي يساهمون في التظاهرات ويساندون المطالب المشروعة للشبيبة المنتفضة، كما قرر معاقبة الموظفين الذين يشاركون في دعم المتظاهرين، في حين دعم الانتفاضة أصبح واجباً مقدساً لكل مواطن شريف وغيور على شعبه ووطنه.
لقد فاض كأس التحمل لدى الشبيبة وعموم الشعب. ومن هنا أدرك النائبان الشيوعيان، النائبة هيفاء الأمين والنائب رائد جاهد فهي، نبض الشارع وضرورة الانضمام الكامل للمتظاهرين وقدما استقالتيهما من مجلس النواب، فهل سيبادر آخرون إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الثورية الضرورية؟ وهل سيبادر بعض الوزراء، الذين ربما يحترمون أنفسهم، لتقديم استقالاتهم لكي يجبروا رئيس الوزراء على الاستقالة. إنهم يعرفون الجرائم التي ترتكب ضد المتظاهرين الشجعان والضحايا التي سقطت خلال هذا الشهر والتي تجاوز العدد الرسمي المعلن عن 223 شهيداً وما يقرب من 10000 جريح ومعوق، بقرار استخدام العنف المفرط لوالذي لا يمكن أن يصدر إلا من القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الحكومة، الذي هو عادل عبد المهدي المتفگي؟ هل يمكنهم أن يبقوا يشاهدون هذه المأساة الكارثية الجارية في العراق؟
“قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط ثامر الغضبان في حوار ضمن برنامج “المناورة” الذي تبثه الفضائية السومرية ما يلي: “أقول لك بوضوح إن موجة الاحتجاجات هذه هي إعلان عن نهاية حقبة لنظام سياسي بدأ بعد 2003، بعد سقوط النظام السابق وما اعترى هذا النظام وما اتصف به قد وصل إلى مرحلة الإشباع لدى الشعب العراقي وهذه موجة رفض وإعلان لطلب وبضرورة لبروز نظام سياسي جديد، لأن غياب رضى الناس يؤدي إلى إحداث تغيير شامل …” . (الغضبان: موجة الاحتجاجات إعلان عن نهاية نظام سياسي بدء بعد 2003، المناورة، السومرية،)
إذا كان الغضبان قد أدرك حقيقة الوضع القائم في العراق متأخراً جداً، وأدرك أخيراً العوامل التي تسببت في انتفاضة الشبيبة وعموم الشعب، فما الذي يبقيه عضواً في مثل هذه الوزارة الطائفية الفاسدة والحكومة الفاشلة والعاجزة حتى عن تقديم ملف متهم كبير بالفساد وبتسليم الموصل ونينوى إلى عصابات داعش مثل نوري المالكي إلى القضاء العراقي والادعاء العام؟ كيف يسمح لنفسه البقاء في الوزارة ضمن حكومة فاسدة وفاشلة ومناهضة لمصالح الشعب. إنه بذلك يدين استمرار وجوده في الوزارة شاء ذلك أم أبى، ويعرض نفسه للمساءلة، وكذا بقية الوزراء والمسؤولين!
إن إعلان البعض تأييدهم لعادل عبد المهدي لن يغير من الأمر شيئاً، فالشعب لا يريد تغيير الوزارة فحسب، بل يريد تغيير النظام الطائفي الفاسد كله ومن الجذور. وسيتحقق ذلك طال الوقت أم قصر. وعلامات هذا الحرك الشعبي بدت منذ أشهر وقد نبهت له وأشرت إليه بأكثر من مقال. ومن المؤسف إن البعض لم يتعرف على نبض الشارع العراقي وما يجري في عمق المجتمع ومعاناة الغالبية العظمى من الشعب، ما عدا الفاسدين والمستفيدين من النظام الطائفي الفاسد والتابع لإيران.