بغداد – قالت منظّمة العفو الدوليّة الخميس إنّ خمسة متظاهرين قُتِلوا في بغداد بقنابل مسيلة للدّموع “اخترقت جماجمهم”، داعيةً العراق إلى إيقاف استخدام هذا النوع “غير المسبوق” من القنابل التي يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُستخدم بالعادة.
وتحولت ساحة التحرير في بغداد مركزاً للحراك المطالب بـ”إسقاط النظام”. وهناك تمطر القوات الأمنية المتظاهرين بين الفينة والأخرى بالغاز المسيل للدموع.
وقُتل خلال خمسة أيام ما لا يقل عن خمسة متظاهرين بقنابل “اخترقت الجماجم” أطلقتها القوات الأمنية، وفق منظمة العفو.
وهذه القنابل المصنوعة ببلغاريا وصربيا هي من “نوع غير مسبوق” و”تهدف الى قتل وليس الى تفريق” المتظاهرين، بحسب المنظمة.
وتُظهر مقاطع فيديو صوّرها ناشطون، رجالاً ممدّدين أرضا وقد اخترقت قنابل جماجمهم، في وقت كان دخان ينبعث من أنوفهم وعيونهم ورؤوسهم.
كما تُظهر صوَر أشعّة طبّية قالت منظمة العفو انها تأكّدت منها، قنابل اخترقت بالكامل جماجم اولئك المتظاهرين القتلى.
وتزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي عادةً ما تستخدمها الشرطة بأنحاء العالم ما بين 25 و50 غراما، بحسب منظمة العفو، لكن تلك التي استُخدمت ببغداد “تزن من 220 إلى 250 غراما” وتكون قوتها “اكبر بعشر مرات” عندما يتم اطلاقها.
وقال طبيب في بغداد إنه رأى “للمرة الاولى” إصابات ناجمة عن هذا النوع من القنابل.
واضاف الطبيب انه عند وصولهم إلى المستشفى “نعلم أن المصابين أصيبوا بقنابل من خلال الرائحة. وإذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، نبحث عن الجرح لإخراج القنبلة”. وتابع “واضحٌ أنّ التأثيرات مباشرة” وليست ناجمةً عن ارتداد قنابل تُطلَق على الأرض.
ونقلت منظمة العفو غير الحكومية عن طبيب في مستشفى قريب من ميدان التحرير قوله إنه يستقبل “يوميًا ستّة إلى سبعة مصابين بالرأس” بواسطة تلك القنابل.
يأتي ذلك في وقت قُتل أكثر من 250 شخصًا في احتجاجات واعمال عنف بالعراق منذ 1 تشرين الأول/أكتوبر حسب حصيلة رسمية.
ويسعى القادة السياسيون في العراق للتوصل إلى حل للاحتجاجات المتواصلة المطالبة بإسقاط رئيس الوزراء.
وبدأ الحراك الشعبي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر احتجاجا على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية.
وليل الأربعاء الخميس، شهدت ساحة التحرير أعمال عنف جديدة. ويحاول المتظاهرون منذ أسبوع كسر حواجز جسر الجمهورية الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء.
وفي خضم الازمة قرر اعضاء في البرلمان العراقي تشكيل جبهة مستقلة تتولى مهمة دعم مطالب المحتجين في محافظات وسط وجنوب البلاد، في ظل استمرار موجة الاحتجاجات الثانية ضد الحكومة للأسبوع الثاني على التوالي.
وقال العضو في البرلمان العراقي عبد الامير المياحي إن “اعضاء جبهة التصحيح البرلمانية ليسوا متحزبين، وستتولى الجبهة دعم جميع مطالب المتظاهرين وفقا للدستور”.
ولم يكشف المياحي عن عدد اعضاء “الجبهة”، مؤكدا ان “باب الانضمام اليها مفتوح”.
ووفقا للمهام التي ستتولى الجبهة القيام بها “ستعمل على إلزام البرلمان باتخاذ الخطوات اللازمة لاجراء التعديلات الدستورية خلال 3 أشهر وان تكون هناك مشاركة من ذوي الخبرة والكفاءات العملية والقانونية في التعديلات الدستورية”.
وصرحت مصادر قريبة من اثنين من أكثر الشخصيات تأثيرا في العراق بأن إيران تدخلت لمنع الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وسط المظاهرات التي تفجرت منذ أسابيع احتجاجا على أداء الحكومة.
وكان رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر قد طالب هذا الأسبوع بأن يدعو عبدالمهدي لانتخابات مبكرة لتهدئة أكبر احتجاجات شعبية يشهدها العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003. وتأججت المظاهرات وسط غضب من الفساد والمصاعب الاقتصادية الواسعة.
وحث الصدر منافسه السياسي الرئيسي هادي العامري الذي يقود تحالف الفتح، وهو تحالف مدعوم من إيران يمثل أبرز قيادات الحشد الشعبي ويمتلك ثاني أكبر عدد من مقاعد البرلمان، على المساعدة في الإطاحة بعبدالمهدي.
لكن في اجتماع سري عقد ببغداد يوم الأربعاء، تدخل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني وطلب من العامري وقيادات الحشد الشعبي الاستمرار في دعم عبدالمهدي حسبما ذكرت خمسة مصادر على دراية بما دار في الاجتماع.
وأكد مسؤول أمني إيراني أن سليماني كان حاضرا في اجتماع الأربعاء وقال إنه كان موجودا “لإسداء النصح”.
وقال المسؤول الإيراني الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته إن الأمن العراقي “مهم بالنسبة لنا وقد ساعدناه من قبل. قائد فيلق القدس يسافر إلى العراق ودول أخرى بالمنطقة من آن لآخر، وبخاصة عندما يطلب منا حلفاؤنا العون”.
وينسق فيلق القدس العمل مع الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان، وكثيرا ما يتردد قائده على العراق. لكن تدخله المباشر هو أحدث علامة على تزايد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
وصرح مسؤولون أمنيون عراقيون هذا الشهر بأن جماعات مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد لمحاولة إخماد الاحتجاجات.
وإن حدث وتعمقت الأزمة في العراق، فقد تفقد إيران نفوذها الآخذ في التزايد به منذ الغزو الذي قادته واشنطن، وهو نفوذ تراه مضادا للهيمنة الأميركية بالمنطقة.
مصير غير واضح
ورغم المناورات الجارية من وراء الأبواب المغلقة، يظل مصير عبدالمهدي غير واضح. فقد تولى منصبه قبل عام كمرشح يمثل حلا وسطا بين العامري والصدر، لكنه يواجه موجة احتجاجات تضخمت في الأيام الأخيرة.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح الخميس في خطاب بثه التلفزيون على الهواء، إن عبدالمهدي مستعد لتقديم استقالته، استجابة لمظاهرات حاشدة إذا توصلت الكتل البرلمانية لبديل مقبول لتجنب أي فراغ دستوري.
وخلال الستة عشر عاما التي أعقبت سقوط صدام، المسلم السني، ظهرت إيران الشيعية كوسيط رئيسي في السياسة العراقية وبنفوذ أكبر من الولايات المتحدة في البلد الذي يمثل الشيعة غالبية سكانه.
لكن معركة القوى هذه أججت غضب رجل الشارع العراقي الذي ينتقد نخبة سياسية يراها خانعة لهذا الحليف أو ذاك وتعير تلك التحالفات أهمية أكبر مما توليه لاحتياجات العراقيين الاقتصادية الأساسية.
فرغم ثروة العراق النفطية الهائلة، يعيش كثيرون في فقر أو يفتقرون للإمدادات الكافية من المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية الأساسية والتعليم. ومعظم المحتجين من فئة الشباب الذين يريدون قبل أي شيء فرص عمل تقيهم البطالة.
وكسرت الاحتجاجات استقرارا نسبيا دام نحو عامين بالعراق، وانتشرت من بغداد إلى أنحاء الجنوب ذي الغالبية الشيعية وقوبلت بحملة أمنية أسقطت أكثر من 250 قتيلا.
وقبل أيام قلائل كان يبدو أن العامري، وهو أحد حلفاء إيران الرئيسيين بالعراق والأمين العام لمنظمة بدر، مستعد لدعم رحيل عبد المهدي.
لكن في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، أصدر العامري بيانا عاما يعلن فيه الموافقة على العمل مع الصدر الذي كان قد دعاه للمساعدة في الإطاحة برئيس الوزراء.
ويبدو أن اجتماع الأربعاء قد غير مسار الأحداث.
وقال قائد جماعة شيعية موال للعامري، وهو واحد من المصادر الخمسة عن الاجتماع، إن الاتجاه السائد كان “هو العمل على إعطاء مهلة نهائية لحكومة عبد المهدي لإجراء إصلاحات تهدئ الشارع”.
وصرح مصدر آخر على دراية بمجريات الأمور في الاجتماع بأن كثيرا من قادة الحشد الشعبي عبروا “عن مخاوفهم من أن الإطاحة بعبدالمهدي ستكون مقدمة للسعي وراء إضعاف الحشد الشعبي”.
وقوات الحشد الشعبي مظلة تضم في معظمها جماعات شيعية شبه عسكرية تدعمها إيران ولها دور مؤثر في البرلمان العراقي كما أن لها حلفاء بالحكومة. وهي ترفع تقاريرها رسميا لرئيس الوزراء لكن لها هيكلها القيادي المستقل عن الجيش.
وقال سياسي قريب من الصدر إن موجة حديث العامري مع الصدر تغيرت بعد الاجتماع مع سليماني، إذ قال “نحن نعتقد بأن التوقيت الحالي غير ملائم لسحب الثقة من حكومة السيد عادل عبدالمهدي كون ذلك الأمر سيساعد في تفاقم الأمور وتهديد استقرار البلد”.
وردا على ذلك، قال الصدر علنا إنه إذا لم تحدث الاستقالة فسيراق مزيد من الدم ولن يعمل مع العامري مرة أخرى.
وقال في بيان إنه لن يدخل أبدا في تحالفات مع العامري بعد ذلك.