لقد حلّت برجوازية النهب محل البرجوازية الوطنية
مقابلة مع الناشط السياسي الإصلاحي الايراني محسن صفائي فراهاني
الناشط السياسي الإصلاحي محسن صفائي فراهاني
إن الاقتصاد الريعي وأي قدر من البيروقراطية هما منبعان للفساد
أجرى المقابلة مراسل صحيفة ” إيران“ مرتضی گلپور
ترجمة عادل حبه
.منذ إعدام فاضل حداد بتهمة فساد بلغت 124 مليار تومان وحتى الآن، تم سجن أو إعدام العديد من الفاسدين الاقتصاديين بحجوم فساد بلغت أكثر بكثير. ويتساءل الناس أنه على الرغم من الاجراءات القضائية اواسعة النطاق ضد الفاسدين ، فلماذا لا يزال الفساد امنتشر، ولماذا لا يزال يجري التعرف على عدد أكبر من الفاسدين الذين ممن يتم معاقبتهم؟
يؤكد محسن صفائي فرهاني ، الناشط السياسي الإصلاحي أن السبب في استشراء الفساد الاقتصادي هو أننا اولينا الاهتمام بالنتائج وليس بالأسباب، أي أننا تعاملنا دائما مع الشخص الفاسد، دون تحديد الأرضية الخصبة لظهور الفساد وسبل إصلاحه. ففي لقاء معه، يحدد فراهاني النواة المركزية آلية الفساد: إنها قليل من البيوقراطية أو الأوليغارشية في الميدان السياسي وقدر من البيروقراطية أو الأوليغارشية في الاقتصاد. وببساطة ، فإن الأفراد أو الجماعات الذين يتمكنون من الوصول إلى سدة الحكم، يتمكنون أيضاً من الوصول إلى الموارد أو التحكم بتدفق هذه الموارد.
وقد أدلى عماد أفروغ مؤخراً بتصريح مماثل في حديث له حيث قال إن السلطة السياسية هي التي تمهد للفساد. وبالتالي ، وفقاً لصفائي فراهاني ، طالما أن السلطة في إيران ليست تعددية ولا يتم توسيع نطاقها ليشمل المزيد من الفئات الاجتماعية ، فسوف يستمر الفساد الاقتصادي، وإن كان إلى حد أكبر ومدى أكبر ، على الرغم من التعامل بشدة مع العديد من المفسدين، أو حتى تشريع قوانين شديدة في هذا الصدد. بمعنى آخر ، من الضروري تعطيل العجلة المولدة للمفسدين ، وليس التعامل فقط مع نتئج تلك العجلة المفسدة. دعونا نلقي نظرة على ما جاء في هذا اللقاء الصحفي:
ـ يعتقد بعض الخبراء ، مثل السيد عباس عبدي أو علي رالبيعي ، أنه وفقًا لاستطلاعات الرأي ، فإن مستوى “الحديث عن الفساد” في المجتمع هو اكثر بكثير من معدل الفساد الفعلي ، مما يعني أنه لو كان الفساد في المجتمع يقدر بـ 13٪ ،إلا أن الاعتقاد السائد بين أنه يشكل أكثر من 90%.فباعتبارك شخصية إدارية وسياسية واقتصادية ، فما هو تقييمك لذلك؟
ـ لا يمكن قياس حجم الفساد بدقة وتحديد نسبته المئوية. ولكن بشكل عام ، يمكن عند رصد ميزان وسرعة العمل والطريقة التي يتم بها توزيع الموارد في جميع أنحاء البلاد معرفة ما إذا كانت الاجراءات التنفيذية في البلاد تجري ضمن الضوابط القانونية، أو أنها تجري ضمن مذاق الحكم. ووفقًاً لهذا النهج ، فإن إحراءات النظام الأداري– السياسي في إيران اليوم تعكس أنه من الصعوية بمكان الدفاع عن عملية تشريع القوانين وسنها من قبل الحكومة. فعندما يصبح التشريع في حدوده الدنيا، فإن الشعب يصبح ضحية لأذواق المسؤولين ووكلائهم في الحكومة! . هذا في حين أن ما يجري في المجتمعات المتقدمة هو أن جميع الاجراءات تستند إلى المنطق والأطر القانونية. إننا في المجتمع الإيراني اليوم ، نواجه فوضى مفرطة، وقد بلغ هذا الإفراط إلى نقطة تحول فيه الفساد إلى غارة.
ـ ماذا تقصد بالغارة؟
ـ عندما يجري الحديث عن الغارة ، فمن الواضح عن أي شيء يجري الحديث. في السابق كان الحديث يدور عن حجم فساد يبلغ بالملايين ، ولكن اليوم يتداول الناس عن نهب ما بين 3 إلى 12 ألف تريليون تومان. فلم يعد بالإمكان تسميته ذلك بالفساد ، لكن اسمه الدقيق هو الغارة والنهب. إذا قام المرء بالحصول على 100 مليون تومان في الشهر، فيمكنه عندئذ جمع مليار و 200 مليون تومان في السنة. وإذا كان بإمكان المرء جمع هذا المبلغ لمدة 100 سنة على التوالي ، ففي نهاية القرن سيوفر مبلغاً قدره 120 مليار تومان. ولكن إذا استطاع هذا الشخص توفير خمسة آلاف مليار تومان خلال عامين متتاليين أو ثلاث ، فلا يمكن أن سمي ذلك إلا بالغارة.
ـ ما هي الآثار المترتبة لمثل هذه الغارات على الفئات الدنيا من المجتمع؟
ـ على هذا المنوال ، فسنشهد موجة في المجتمع حيث يسعى كل فرد إلى انتهاز الفرصة كي يقوم الجميع بالنهب. بمعنى أن الأغلبية ستقول إذا كان بإمكان أي فرد جمع هذا القدر من المال ، فنحن لسنا أقل مهارة منهم في الحصول على المال بنفس الطريقة؟ إذا كان ضمير المجتمع مستيقظاً، فلن يتحول المفسدون الكبار إلى قدوة ، ولكن إذا لم يكن ضمير المجتمع مستيقظاً والصحافة غير حرة وتدفق المعلومات غير حرة والهيمنة على موارد البلاد بيد قلة محدودة في المجتمع، ففي هذه الحالة لا يتراجع الفساد في المجتمع، بل يتحول إلى فساد جارف ومقبول. في مثل هذه الحالات، من الممكن مكافحة الفساد في المجتمع بأدوات القانون وحكمه والتحلي بالمسؤولية الوطنية بأعلى صورها. ولكن في حالة تراجع حكم القانون والتحلي يالمسؤولية الوطنية فسيؤدي ذلك إلى استشراء موجات الفساد في المجتمع ولا يمكن التصدي له.
ـ لقد استخدمت مصطلحين من الأوليغارشية أو “البرجوازية الصغيرة” والآخر توزيع غير مناسب للموارد. يعتقد الخبراء أنه إذا كان النظام السياسي تعددياً ، فسيكون توزيع الموارد أكثر عدلاً؟ في الآونة الأخيرة ، كما أشار السيد عماد أفروغ إلى أن “السلطة السياسية هي مصدر الفساد الاقتصادي في بلدنا.” هل يمكن أن يكون العامل السياسي أحد أسباب انتشار الفساد في بلدنا؟ وما هي آلية هذه العملية؟
ـ أن أحد أسباب تعثر الازدهار الاقتصادي يكمن في الآلية التي تتحكم بالصياغة السنوية للميزانية في البلاد . فالميزانية عندنا لن تدوّن بتخطيط الاقتصاديين، ولكنها تقوم على قرار السياسين. وعند النظر إلى آلية وضع الميزانية ، يمكنك دائماً رؤية السياسة التي تحيط بوضع الميزانية. لأن السياسة المحيطة بالنظام المصرفي الإيراني هي الحاسمة في وضع الميزانية. بهذه الطريقة ، تلعب السياسة دوراً رئيسياً في الاقتصاد. ونتيجة لذلك تصبح السياسة أساس الفساد. والسبب بسيط. إذا تمت صياغة الميزانية من قبل الاقتصاديين ، فلن تواجه أبداً بمثل هذه العجز أو التضخم ، لكنك ستجد أن التدخلات السياسية سواء في الميزانية أو النظام المصرفي توفر بالفعل الظروف كي تتحكم السياسة في اقتصاد البلد في نهاية المطاف، وتحد من تأثير الاقتصاديين على القضايا الاقتصادية!
ـ إلى ماذا يسعى السياسيون جراء التمسك بفرض نفوذهم على الاقتصاد؟ وما هي نواياهم وتوقعاتهم؟ هل هو مجرد إرضاء لأولئك الذين صوتوا لصالحهم أو أي شيء آخر؟
ـ تعتقد الحكومة ( السياسيون) أن ما يفكرون فيه أو يتبعونه هو صحيح بالضرورة ، في حين أن مثل هذا المنطق ليس صحيحاً ، فلا يجب أن تنبثق العمليات الاقتصادية بأي وجه من الوجوه من الأطر السياسية ، بل يجب إدارتها وفقاً لآليات اقتصادية بحتة. لكن في بلادنا ، أصبحت السلطة هي صانعة سياسة النظام بأكمله ، وبما أن السياسة الإيرانية على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية كانت تستند بشكل عام إلى ميزة واحدة محددة ، وهي تطبيق مشاريعها الإقليمية العابرة للحدود ، فقد فرض ذلك طابعاً خاصاً على الوضع في ايران ، وكان لها آثار خاصة على الاقتصاد.
ـ ما هو تأثير رأي السياسيين في العملية الاقتصادية على إدارة موارد البلاد؟ لقد استخدمتم في حديث لكم مصطلح ” الأبوية الرعوية“، هل يمكن أن نتصور أن أدارة هذه الموارد من قبل السياسيين يكمن في السعى إلى تحقيق أهداف محددة؟ على سبيل المثال المقاولون أو المؤسسات أو حتى الفئات الاجتماعية؟
ـ عند الحديث عن مشاركة الحكم في الاقتصاد أو تنظيم الميزانية فإن أن هذا يعني توفر أدوات محدودة للوصول إلى الموارد! أما اليوم فهناك طرق مختلفة للوصول إلى موارد النشاط الاقتصادي والاجتماعي في البلاد دون الدوران في دائرة مغلقة ، فإنه من المستحيل الوصول إلى تلك الموارد ، بما يعني مختلف الفرص الاقتصادية والاجتماعية والريع المتاح ، دون التوقف عند المطاليب الخاصة!! إن الأوليغارشية تصوغ عملية صنع القرار بطرق مختلفة كي تستطيع الهيمنة على موارد البلد! في السنوات الأولى للثورة ، كان أحد مظاهر الاحتجاجات ضد النظام السابق هو مسألة بيع النفط الخام ، حيث قيل إن النظام السابق يقوم بنهب ثروات البلاد. ولكن في السنوات العشرة الماضية، وحالها حال جميع الفترات الماضية التي تلت الثورة في إيران ، تم تصدير المواد الخام المعدنية من البلاد بدون أي عمليات تكرير محلية حيث يكون للقيمة المضافة لصادراتها تأثير إيجابي على الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي! من هم المستفيدون من هذه الفرصة؟ ، أي فرصة استغلال الريع والطاقة الرخيصة والقروض المصرفية الكبيرة! كيف يمكن لهؤلاء الأفراد أو المجموعات الاستفادة من هذه الفرص؟ لو دققنا في الأمر لوجدنا أن هذه العملية تجري في إطار محدود ، لأن عناصر اتخاذ القرار في الدائرة المحدودة لا تسمح بوجود آلية شاملة لتوزيع الموارد في البلد ، بحيث يمكن لأي طرف اقتصادي في القطاع الخاص التنافس بحرية للوصول إلى هذه الموارد! لهذا السبب، كماذكرت مراراً وتكراراً، أن إحدى مشكلاتنا في البلاد هي برجوازية النهب التي حلت محل البرجوازية الوطنية.
ما الفرق بين برجوازية النهب والبرجوازية الوطنية؟
البرجوازية الوطنية تسير بالبلاد صوب الإنتاج. وهكذا فعندما تتوفر الموارد ، سواء كانت موارد القروض أو الطاقة الرخيصة أو أية تسهيلات أخرى ، فإن ذلك يدفعها إلى استثمارات منتجة، من شأنه توفير العمل للآلاف من العمال . وفي النهاية توفير الفرص لتنمية الاقتصاد الوطني. من الممكن أن يكون الوصول إلى الموارد محدود أيضاً ، ولكن هذا الوصول المقيد داخل نفس الدائرة المغلقة يتيح المنافسة. يمكن أن يكون هذا النشاط الاقتصادي إنتاج الصلب أو صناعة السيارات أو الإسكان على سبيل المثال، ومن الصحيح أن يحصل المالك على القدرة الاقتصادية، ولكن هذا المشروع الانتاجي يعود بالفائدة على المجتمع. ولكن أولئك الذين استخدموا التراخيص الخاصة واستفادوا من الطاقة الرخيصة وباعوا موارد البلاد بثمن بخس في الخارج، فإنه لا يساهم في تراكم ثروة البلاد ودوران عجلة الانتاج، ولا يعني ذلك سوى النهب. في خريف عام 2012 ، لقد جرى انتخاب السيد أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، وقام في أحد الليالي بتغيير سبعة من رؤساء البنوك في ايران. وأعلن في ذلك الوقت أن قائمة المدينين المتخلفين للنظام المصرفي في جيبي. لقد أظهر تقرير البنك المركزي لشهر حزيران من العام نفسه أن إجمالي المبالغ المستحقة للبنك بلغت 6.9 تريليون تومان ، أي أقل من 7 تريليون تومان. في نهاية حكومة السيد أحمدي نجاد التي دامت خمس سنوات ، والتي أعلن أن حكومته ستسعى إلى كبح الريع، تجاوزت الديون المصرفية هذه المبالغ حيث بلغ مجموعها أكثر من 80 تريليون تومان في البلاد نتيجة لاسشراء نهب النشاط الريعي.!
ـ ماذا تعني هذه الزيادة البالغة عشرة أضعاف مقابل التخلفات المصرفية في غضون ثمانين سنة ؟
إن هذا واضح جدا! إنه نتيجة السيطرة التامة للأوليغارشيةعلى نظام صنع القرار في البلاد ، مما أدى إلى نهب الموارد البنكية ليس فقط خلال فترة محدودة ، ولكن أيضا نهب عائدات النفط الأسطورية في ذلك العقد ، وهذا يفسر سبب أن هذه الثروة الأسطورية لم تؤدي إلى التطور الاقتصادي في الفترة بين عام 2012 إلى 2019 .
في عام 2011 فقط ، بلغت عائدات النفط في البلاد 118 مليارات دولار ، مما يعني أن معدل واردات النفط خلال هذا العقد بلغت 10 مليار دولار سنوياً! وعلى مدار تاريخ إيران ، لم تشهد البلاد مثل هذه الواردات من النفط ، فكل وارد العملات الأجنبية في العقد السادس من القرن الماضي لم تصل إلى هذا الحجم!! وخلال هذه الفترة ، حدث شيء مهم آخر ، وهو إصلاح المادة 44 لصالح الشعب. وبغض النظر عما إذا كان هذا الاصلاح القانوني قد تحقق أم لا ، فإن مبدأ الإصلاح ، من حيث المبدأ ، كان في صالح الشعب ، حيث سيتسنى للقطاع الخاص الازدهار في مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية مما يؤدي إلى تحول اقتصادي في البلاد. ولكن هذا ليس بعيداً عن متناول الشعب. فوفقاً لتقرير وزارة الاقتصاد ومنظمة الخصخصة في نهاية الحكومتين التاسعة والعاشرة ، أوكلت 83% من العقود إلى المؤسسات الرسمية وليس إلى القطاع الخاص وأضحى توزيع الموارد بشكل محدد وموجه، وكانت النتيجة حدوث ركود اقتصادي خطير في نهاية ذلك العقد ومازال مستمراً بدلاً من التحول الاقتصادي لصالح الشعب.
ـ هل هذه الجماعات أو أولئك الذين لديهم الموارد اللازمة للاقتراب من السياسة ، هل هم في نهاية المطاف موالون للسلطة السياسية أم أنهم يسيرون بطريقتهم الخاصة؟
ـ اسمها دال على نهجها. عندما يتعلق الأمر ببرجوازية النهب ، فإنها لا تؤمن بالقضايا الوطنية والقومية. في حين أن البرجوازية الوطنية فعلت العكس ، فقد استثمرت الموارد والموارد في دورة الإنتاج. تعرض السيد باباك زنجاني إلى السجن عدة سنوات. ويقال إنه تلقى حوالي 1.5 مليار يورو (حوالي 6 تريليونات دولار !!) من موارد البلاد ، ما هو دور هذه الموارد في اقتصاد البلاد؟ في كل هذه السنوات ، تم الإعلان في الصحف أن إجمالي أصولها في البلاد كان أقل من 4 مليارات دولار !! فأين بقية المبالغ. أو منذ عام ونصف العام ، تم اعتقال وإعدام رجل يدعى سلطان كوين. لقد قيل الكثير عن دوره في السوق ، فهل كسب أي ثروة، وماهي مقدارها؟؟ تُظهر هذه الحالات أن برجوازية النهب، أي موارد البلاد ، تراجعت لفظياً في نطاق الاقتصاد الوطني والإنتاج الإيراني. ومن الواضح أن هؤلاء الناس ليسوا موالين لأحد!
ـ رغم أنه كان هناك بعض النماذج في السنوات التي سبقت الثورة، بيد أن برجوازية النهب ظهرت بشكل متأخر. ماذاأ وصلنا إلى هذاالحال؟
ـ بما أن وارد البلاد كان محدوداً ، فلم يكن من الممكن تشكل برجوازية النهب. وفي السنوات الأولى للثورة ، انغمرت البلاد أيضاً في الحرب مع العراق ، وبالتالي تم إنفاق موارد البلاد على تغطية احتياجات الشعب والحرب. ومنذ أن تولى السيد هاشمي رفسنجلني منصب رئاسة الجمهورية في عام 1989، كانت قضية إعادة البناء والقضاء على آثار الحرب واحدة من المشاكل الرئيسية التي تواجه البلاد. وبلغ إجمالي إيرادات العملة الصعبة في االفترة بين عام 1989 إلى عام 1995 أقل من 130 مليار دولار . وكان متوسط الإنفاق الحكومي على الاصلاحات 20 مليار دولار سنوياً. ولو اجرينا مقارنة بين هذه الأرقام مع عائدات النفط في الفترة بين 2006 إلى 2018 !! لوجدنا أنه بسبب عدم وجود سيادة القانون ومحدودية الوصول إلى المعلومات وعدم وجود تداول للمعلومات ، فإن الاقتصاد الريعي ابتلع الجزء الأعظم من وارد البلاد.
ـ لذا ، فإن الارتفاع المفاجئ في عوائد النفط ، والتي لم يبذل أي جهد في الحصول عليها، أدت إلى اخراج مبالغ كبيرة من هذه العوائد من الثروة الوطنية على شكل ريع في نهاية المطاف.
كما هو موضح أعلاه ، فإن الطرق المحدودة للغاية للحصول على الموارد قد أتاح فرصة ذهبية للغاية للأوليغارشية الحاكمة، هذا إلى جانب أن انعدام حكم القانون والتنظيم المناسبين والافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي والسياسات المناسبة الذي أدى إلى أن تدور العجلة لصالح الأوليعارشية الحاكمة.
انك تحتاج إلى تنظيم وتخطيط إذا كنت ترغب في اصدار مجلة جديدة؟ فلا يمكنك اصدار مجلة أو صحيفة بين عشية وضحاها؟ إنك تحتاج إلى النظر في التخطيط واللوجستيات اللازمة لجعل ذلك ممكناً في فترة محددة. ولكن في مثال أوسع هي إيران ، ففي خلال فترة زمنية قصيرة جداً ، ذهب جزء كبير من موارد البلاد في جيوب فئات محدودة غير منظمة أو أنها ليست منظمة بشكل كافي. فعلي حين غرة، وجد هؤلاء أمامهم موارد مالية كبيرة تقدر بآلاف المليارات من التوامين التي لم يكونوا مستعدين للتعامل معها على الإطلاق. ولكن على الرغم من أوجه القصور في التعامل مع هذه المبالغ الضخمة ، فقد أصبحت كل هذه الموارد المحددة إلى جانب الموارد النفطية ، ملكاً لهذه الفئات. فماذا نتوقع؟ هل يمكن للمرء أن يتخيل تحول اقتصادي في إطار هذه الذهنية الضيقة والمغلقة؟ في نهاية المطاف سيؤدي ذلك إلى فقدان جميع الموارد ونمو سلبي في التنمية في البلاد!
ـ لقد أشرتم إلى أن قدراً من البيرقراطية السياسية أو الأوليغارشية، مع قدر من البيروقراطية الاقتصادية، مع وجود مجموعة تحصل على الريع والهيمنة على على مصادر الثروة. في نهاية المطاف إلى ماذا ستؤدي مثل هذه الصلة في نهاية المطاف؟
ـ إن كل هذه الشروط نجدها في بلادنا اليوم. لماذا؟ طوال الفترة التي امتدت من عام 2007 وحتى عام 2014 كانت فترة تراجع في التنمية، بالرغم من العوائد الضخمة للنفط. كانت الخطة الرابعة للتنمية تشكل خمس ايرادات الحكومة التاسعة والعاشرة مع ضمان نمو في الاقتصاد اليراني يبلغ 3%. من الناحية العملية بلغت ايرادات ايران خمسة أضعاف، في حين لم يصل معدل النمو الاقتصاي إلى 3%. وهذا يدل على أن جميع إيرادات الدولة لم تصب إلاّ في صالح القطاعات غير الانتاجية. ولذا أصبحت الانتاجية يوماً بعد يوم سلبية وأكثر تراجعاً واشكالية بحيث أن النمو الاقتصادي للبلاد اليوم لا يمكن أن يتحقق إلاّ بالتوظيفات الرأسمالية المطلقة.هذا في حين أن الخطة الرابعة للتنمية توقعت أن 3% من التنمية الاقتصادية تتحقق نتيجة للزيادة في الانتاجية. أي كان من المتوقع أن الارتفاع في المهارة والتكنولوجيا أن يزداد مردود العمل في المجتمع ويزداد قيمة السلع التي تنتج في داخل البلاد. لماذا اصبحت الانتاجية سلبية الآن؟ السبب أن النهب المنفلت هو الذي يلف بعنق البلاد.
لماذا لم يستطع نظامنا البيروقراطي مقاومة هذه التطورات كي يتم تفادي تحول الموارد صوب المسارات الخاطئة؟
كان إضفاء الطابع المؤسساتي على البلاد ضعيف للغاية في العقود الأربعة الماضية. عندما تكون المؤسسات محدودة، تبرز العواقب على المدى الطويل والقصور في إدارة وتنظيم البلاد. في بداية الثورة ، كان هناك نقاش حول الالتزام والخبرة في البلاد ، وبإعتقادي لم يعبر هذا الجدلب عن القلق حول مصير إيران. ففي تلك السنوات تم إزاحة العديد من أساتذة الجامعات والمدراء المستقلين الذين كانوا رأسمال البلاد العلمي والإداري! ولذا ازادت عملية هجرة الأدمغة بعد سنوات الحرب المفروضة . وتشير جميع التقارير الدولية أن الهجرة من إيران كانت تقارب الصفر في الفترة بين عام 1953 إلى عام 1978. ويمكن القول أن البعض غادر البلاد في العقد الأول من الثورة بسبب أحداث التي رافقت الثورة أما البعض الآخر بسبب الحرب. ولكن ماذا جرى بعد ذلك؟ لماذا قفزت أرقام هجرة الأدمغة في سنة 1989 إلى اليوم، حسب تقارير البنك الدولي؟
هذه هي النقطة التي يمر بها المسؤولون مرور الكرام. إن الحكم لا تولي أي اهتمام بالأسباب التي تجعل هذه الفئات تغادر البلاد بسهولة! المسألة هي ليست فقط هجرة الأدمغة، فإن تقرير البنك المركزي الصادر في النصف الثاني من عام 2017 أن أكثر من 25 مليار دولار من رأس المال قد خرج من البلاد. 25 مليار دولار في 6 خلال أشهر ليس بالعدد الصغير. إذا وضعت هروب رأس المال إلى جانب هجرة الأدمغة ، فإن هذان المؤشران يدقان ناقوس الخطر للمسؤولين في الميادين الاقتصادية حول خسارة فئات فعالة ومنتجة أجبرتها ظروف البلاد إلى الهجرة. تعلن السلطة التنفيذية أنها تمكنت من خفض مستوى التهريب من 25 مليار دولار في السنة إلى 15 مليارات دولار في السنة. إنها خطوة جيدة ، لكن ماذا يساوي 15 مليار دولارمهرب سنوياً في السوق الحرة؟ لقد صرح رئيس مكتب مكافحة المخدرات أن مبيعات المخدرات في البلاد تزيد على 160 ترليون تومان في السنة. تشير هذه الأرقام المتداولة في أن هناك حاجة إلى حوالي 400 ترليون تومان سنوياً! إننا لوجمعنا 15 مليار دولار و 160 ترليون تومان، فكم ستبلغ نسبة هذين الرقمين في الميزانية السنوية الايرانية؟ إن جمع هذين الرقمين يشكلان قرابة 75 في المائة من الميزانية السنوية الايرانية. إذن كيف يمكن التعامل مع مثل هذا الكم الهائل من المال القذر؟ فهذه الأرقام والحقائق تخبر السلطات أن لديك حجماً ضخماً من المال الأسود والموارد السوداء التي طغت على جميع أنشطة البلد!
ـ لقد ذكرت أن الثيوقراطية السياسية أو القلة الحاكمة اليوم مرتبطة أيضاً بأقلية اقتصادية ، وهي مجموعة تتمتع بإمكانية الوصول إلى موارد الريع والموارد التي لا يمكن السيطرة عليها. ما هي النتيجة بعيدة المدى لهذا الرابط؟
نفس الظروف التي تراها في البلاد اليوم. لماذا تباطأ النمو الاقتصادي الإيراني خلال الفترة الممتدة من عام 2007 إلى عام 2013 ؟ مع كل هذه العائدات النفطية الضخمة؟ تشير خطة التنمية الرابعة المصادق عليها من قبل الحكومات التاسعة والعاشرة على أن الاقتصاد سيشهد نمواً قدره 8٪. ولكن في الواقع لم يصل متوسط النمو الاقتصادي إلاَ بأقل من 3%. وهذا يدل على أن جميع هذه الموارد وضعت بشكل عام تحت خدمة للقطاعات غير المنتجة ، مما يجعل الإنتاج السنوي للبلد يوماً بعد يوم متراجعاً وسلبياً وأكثر صعوبة ، بحيث أصبح النمو الاقتصادي الحالي ممكنًا فقط من خلال الاستثمار المطلق. بينما في خطة التنمية الرابعة ، توقعالمشرع نمواً اقتصادياً بنسبة 5٪ تقريباً! بما يعني أن مهارة المجتمع وكفاءته وفعاليته ستزداد، وستزاداد القيمة المضافة للسلع المنتجة محليا. لماذا الإنتاجية سلبية اليوم؟ إن سببها عمليات النهب التي لا هوادة فيها والتي ابتليت بها البلاد!
ـ ذكرت المصادر السوداء. في السابق ، كان هناك مثال على أنه بعد الوساطة ، كان من المتوقع أن ينمو سوق الأسهم على أمل المجتمع ، لكنه انعكس وهبط مؤشر البورصة. لقد كان تحليلك أنه أظهر أن أولئك الذين تمكنوا من توجيه الموارد والأسواق أرادوا الإشارة إلى الحكومة بهذه الطريقة. في أي المناطق تتوسع هذه الموارد السوداء اليوم ، أو ماذا يمكن أن تفعل بهذه الموارد؟
ـ هذه موارد ضخمة. ولكن لفهم المشكلة ، نحتاج أولاً إلى تحليل ميزانية الدولة السنوية ومعرفة ما يتم إنفاق ميزانية الدولة عليه. تنفق الميزانية الحالية إلى حد كبير على رواتب موظفي الحكومة والمتقاعدين. حتى قبل أربع سنوات مضت ، كان بإمكان صناديق التقاعد أن تمول نفسها جزئياً ، لكن منذ أربع سنوات كانت الأموال تعتمد أيضاً على ميزانية الدولة من أجل دفع الرواتب. هذا العام ، سيتعين على الحكومة المساهمة بحوالي 70 إلى 80 ترليون تومان ، أي حوالي 20 في المائة من ميزانية هذا العام. إلى جانب ذلك ، هناك إعانات نقدية وإعانات خفية مقدمة من الحكومة. لذلك ، إذا كانت الحكومة تجمع الموارد من بيع النفط أو الضرائب أو بيع بعض المصانع التي لا تزال بيد الدولة ، فيجب عليها دفع هذه الرواتب شهرياً لمجموعة كبيرة من الموظفين أو المتقاعدين كرواتب. بخلاف ذلك فهذه الحكومة ليست لديها موارد لأنشطة أخرى! في حين أن الحكام الذين يمتلكون هذا الجزء من الموارد ، سواء كانوا نتيجة لكل أنواع الريع والتهريب ، ليس عليهم أية قيود كتلك التي على الحكومة ، ولديهم موارد في حوزتهم بشكل واضح، ويمكنهم الضغط على السلطة التنفيذية لمجرد أن مواردهم جاهزة ؛ وهذا يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الأسهم أو العملات أو الذهب أو الإسكان! إن هذه الموارد يمكن إنفاقها في أي وقت في مكافحة السياسات الاقتصادية للبلاد ، وهذا ما حدث عند عقد الاتفاق النووي مع الدول الست حيث أبقوا على البورصة الايرانية سلبية !! وأرسلوا إشارة جدية إلى الحكومة.!!
ـ في حديثنا، قدمناا نظرة شاملة وكلية على ماهية الفساد الاقتصادي وجذوره وعواقبه. لقد شهدنا مؤخرا ًالمواجهة مع الفاسدين الاقتصاديين بدءاً من سلطان سكه إلى السيدة نعمت زاده وغيرها. يعتقد بعض الخبراء أن الحيز الإعلامي الناتج عن هذه الاشتباكات يمكن أن يكونلصالح الفرص الانتخابية للأصوليين ؛ حتى أن السيد باهنر أشار إلى أن بإمكان الأصوليين الفوز بالانتخابات البرلمانية من خلال الاعتماد على موضوعة مكافحة الفساد. هل تعتقد أن الإجراءات المتخذة اليوم هي ضد المفسد أم ضدال فساد؟معالجة العلة أم المعلول؟
ـ لا يمكن مكافحة المفسد إن يحل مشكلة الفساد في الاقتصاد الإيراني. فلا يمكن للمرء أن يتعامل مع المعلول ويقول إنه إذا قضينا على هذا العلة يتم حل مشاكل الفساد. لأن حجم وطريقة الفساد لا تختفي ، والآلية التي تنتج الفساد لا تزال تنتج ممارسات فاسدة ، لكن لا أحد يتعامل معها. وبعبارة أخرى ، ليس لديهم أي علاقة بالعلة ، فهم يتجهون صوب المعلول. عند الحديث عن الأوليغارشية الخاصة ، تجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة في ظل الاقتصاد المغلق لا يمكنها إلاَ أن تستند إلى قوة. فعندما تظل جذور البيروقراطية سليمة ، وهو أمر واضح في سياق سياقها الحالي ، فإن حجمها وقوتها يمكن أن يثبط بسهولة الآليات التي تبدو منافسة لها. وعلى هذا المنوال سيعود الفساد والنهب بشكل آخر في المجتمع.
ـ ماذا سيؤدي التوزيع غير المتكافئ للموارد والدخول من عواقب في المجالين الاقتصادي والاجتماعي؟
إن جميع البحوث التي طرحناها حتى الآن تدور بالاساس حول التوزيع غير المتكافئ. عندما ترى أن بعض فئات الأوليغارشية توجه ضرباتها صوب الاقتصاد فلا يعني ذلك سوى السير على طريق التوزيع غير العادل. في حين لو كان التوزيع متوازناً ، لاستفادت جميع شرائح المجتمع من هذه الموارد ومن الإيرادات الوطنية بشكل متناسب ، سواء كانت هذه الظروف الاقتصادية سيئة أو جيدة. ولكن تجد أن مجموعة خاصة تسيء الاستفادة من هذه الفرصة!
ـ تعلمنا الأحداث التاريخية أنه عندما تتجمع القوى الاقتصادية والسلطة التي لا يمكن الرقابة عليها ، فإن ذلك سيؤدي إلى عواقب تاريخية وطويلة الأجل بالنسبة للمجتمع. أي حل تقترحه في مثل هذه الحالة ؟ على سبيل المثال ، أرسلت الحكومة مشروع قانون الشفافية أو مشروع قانون تضارب المصالح إلى البرلمان ، و تم تطبيق قانون حرية الوصول إلى المعلومات جزئياً ، فهل يمكن أن تصبح هذه اللوائح والقوانين محركاً جديداً لعجلة الاقتصاد والسياسة في إيران؟
ـ الخطوة الأولى المهمة تتحدد في إيمان الحكام بالقوانين وتشريعها، لأن اي مجتمع لا يؤمن بالقانون وتشريع القوانين ، لا يمكن أن يخطو أية خطوة إلى الأمام. لقد وافقت ملكة إنجلترا مؤخراً على تعليق البرلمان بعد الاستماع إلى تقرير رئيس الوزراء. ولكن المحكمة العليا قضت برفض التعليق رغم طلب رئيس الوزراء واتفاق الملكة. فماذا حدث؟ لم يحدث شيء، لقد اكتفى رئيس الوزراء فقط بالقول إن ذلك يتعارض مع رأيي ، لكن البرلمان بدأ العمل بقرار المحكمة العليا! لذلك فعندما يتم تطبيق القانون ، فمن شأنه إن يوفر الأمن للجميع في المجتمع. لكن إذا لم يتم تطبيق القانون في البلاد أو أن لا يصبح القانون أساس العمل ، أو أن يتم تفسير القانون حسب مشيئة الحاكم ويتجاهل تطبيق قانون الشفافية، فلا يمكن حل أية مشكلة تواجه المجتمع. الآن يجري البحث في قانون العقود في المنظومة الاقتصادية للدولة بهدف ممارسة الشفافية. فهل يمكن تطبيق هذا القانون؟ إذا لم يتم تطبيق هذا القانون، فهل هناك أدوات لمواجهة ذلك؟ في كتاب “كلمة واحدة” لمستشار الدولة يوسف خان الذي شغل منصب ممثل الحكومة الايرانية في باريس قبل حوالي 140 سنة، يشير الكاتب إلى أن الحسرة كانت تنتابني جراء التفاوت بين ما يجري في هذا البلد المتطور وبلدنا، وقال إن كلمة واحدة كانت هي السبب أي“القانون“! وهكذا قام يوسف خان بتدوين كتابه “كلمة واحدة“. وعندما عاد إلى إيران أمر ناصرالدين الشاه بزجه في السجن بسبب هذا الكتاب وتعرض إلى التعذيب وفقد بصره. ومنذ قرابة 120 سنة وإلى الآن والشعب الايراني يجري وراء هذه الكلمة ” القانون” لتطبيقها في البلاد، ولكن مازالت هناك موانع جدية أمام تحقيق هذا الهدف. ولكن إذا لم يجر تطبيق هذه “الكلمة” فلا يمكن حل أية مشكلة جدية في البلاد.
ـ لكن التجربة التاريخية في مختلف البلدان المتقدمة تُظهر أن سيادة القانون أي المساواة بين جميع أفراد الشعب أمام القانون قد تشكلت بعد صراع طبقي واقتصادي وسياسي ، مما يعني أن الصراعات بين التيارات شاركت في إثارة هذه القضية في بلدانها.
هذا صحيح ، لكن لا تنسى أن الإيرانيين هم أول دولة في غرب آسيا خطت صوب القانون. اليوم ، يمر ما يقرب من 115 عاماً على تشريع النظام الدستوري( المشروطة) ، مما يعني أن الشعب الإيراني قد أدرك أهمية هذا القانون على مدى 115 سنة الماضية. فلماذا وقف الشعب الايراني عند “باب هذا القانون” ولم يستطع اجتياز هذا “الباب“؟ ما لم يتم حل هذه المشكلة ، فلن يتم حل المشكلات الأخرى. هذا هو الحل الوحيد. اليوم ، تدار جميع البلدان الناجحة ،مثل الدول الاسكندنافية، وفقا للقانون، وأصبحت في مقدمة الدول في ميدان العلوم ، حيث يتم إغلاق المحاكم وتحويل مبانيها إلى مكتبات. هذا ليس لأن تلك الدول إسلامية أو مسيحية ، بل لأن القانون في تلك البلدان هو الأساس ويجري تطبيقه بشكل صحيح، وهو في أساس جميع الإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية. أي أن هذه المجتمعات قد قبلت بمبدأً واحد ساعد على إصلاح المجتمع. لا نذهب بعيدا تماما، فبإمكاننا عبور هذا المسار عندما يتم أولاً الالتزام بالقانون من قبل الفئة الحاكمة.
ـ ولكن عند التعامل مع الفساد الاقتصادي ، كانت إحدى الحجج التي طرحت أثناء النقاش حوله ، بالمناسبة ، هي أن المحكمة الخاصة بالفساد الاقتصادي يجب ألا تتجاوز القانون، ويجب أن تستند إلى القانون. الرئيس السابق للقضاء ، بالطبع ، لم يقبل بهذا واستخدم طريقة أخرى. ومع ذلك ، ما هي الأهداف التي يسعى إليها القضاء في التعامل مع الفساد؟ لأنه في رأيك ، إذا لم يتم تطبيق القانون ، فلن تكون هذه الإجراءات ذات فائدة تذكر.
ـ تعتبر مكافحة الفساد أحد أركان الحكم الرشيد ، ولا يمكن للمرء أن يعتبر أن محكافحة الفساد أو التعامل مع الفساد هو إجراء سيء. إن القضية تكمن في أنه إذا لم تعير أهمية عند مكافحة مكافحة الفساد إلى العلل المنتجة للفساد، وإلاّ فإن هذه المكافحة سوف لا تؤدي إلى نتيجة تذكر. فلو أننا تعاملنا مع 100 إلى 500 فاسد، ولكن ما هي الخطوات التي تتخذ في مواجهة عدم الزيادة في عدد المفسدين؟ وهل أن الخطوات المتخذة الحالية ستؤدي إلى الحد من تزايد أعداد المفسدين؟ وإذا كان الهدف من ملاحقة المفسدين سياسي، فستجد هذه الخطوات قبولاً واسعاً لدى الفئات الدنيا من المجتمع. ولكن يجب قطع جذور الفساد ولمدة طويلة مما يؤدي إلى حل واقعي للمشكلة.
ـ إن الأطفال المولودين في االثمانينيات والتسعينيات على دراية بالإنجازات التي حقتقها البشرية في العالم، وما اقترن بها من مفاهيم من خلال متابعتهم لشبكات التواصل الاجتماعي. إنهم اليوم يواجهون سلطة صلبة ذات ارتباط وثيق بالنواة الاقتصادية. كيف نشحذ الأمل بهذا الجيل ، وما هي الآفاق؟
لسوء الحظ ، لا يمكن لأي متابع تجاهل الأضرار التي لحقت بالدولة جراء محدودية الوصول إلى المصادر الاقتصادية والسياسية والتشريعية؛ فمن الممكن في هذه الحالة حل جملة من المشاكل. ولا يمكن خلق آمال وهمية في المجتمع بدون توفير البنية التحتية لهذا الأمل. ففي حالة توفير مثل هذه البنى التحتية ، فسوف يتحرك المجتمع بالتأكيد نحو الاقتدار والاستفادة من الامكانيات المتوفرة ، وإلا فإننا سنواجه هجرة أوسع للأدمغة، وهي الآفة التي تنخر في المجتمع الآن. ومما يثير القلق اليوم هو أن هذه الهجرة أصبحت واسعة النطاق ، ويتقارن مع هجرة الأدمغة هروب حجوم متزايدة لرؤوس الأموال.
قبل بضع سنوات، أعلن وزير الهجرة الكندي إن الإيرانيين بتصديرهم الموارد البشرية ، قد صدروا معظم رؤوس أموالهم إلى كندا. هذا يعني أننا قمنا بتصدير مليارات الدولارات من القوة الفكرية إلى بقية العالم! وليست لهذه العقول قيمة محددة؟! فهذه العقول هي التي يمكنها أن توفر الظروف لازدهار البلاد في جميع المجالات. وعندما نخسر هذه العقول، فإن الضرر الذي يلحق بالبلاد هو أكثر بكثير من الدولارات التي تخرج من البلاد. يجب أن تتصدى أركان الحوكمة بشكل خاص لتحديات اجتناب الحكم الرشيد ؛ وليس من المستحيل في ظل الجكم الرشيد إصلاح سياسات نظام للسير بسرعة كبيرة صوب توفير الظروف المثالية للإصلاح، شريطة أن تكون هناك هياكل قانونية وأن تكون مناصب خاضعة للمساءلة.
31/10/2019