4 تشرين الثاني/نوفمبر 2019
وفقا لأحدث التقارير الإعلامية ، دخلت الاحتجاجات الجماهيرية واسعة النطاق في العراق ، والتي بدأت في 9 تشرين الأول/ أكتوبر ، بمرحلة حساسة جديدة. إن حراك الشعب العراقي ، يطالب بتغييرات سياسي مهمة في البلاد ، وقد دشنت في الأيام الأخيرة مرحلة حاسمة. فالآن ، وبإستثاء أقليم كردستان والمحافظات السنية الثلاث، انتشرت موجة من الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء العراق ، بما في ذلك جميع المناطق الشيعية.
لقد تميزت الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة بالوحدة والانسجام بعيداً عن الاختلافات الدينية والتفرقة القومية، ويعتبر ذلك سمة مهمة وحاسمة في هذه الانتفاضة الشعبية. ومن اللا فت للإنتباه في الأيام الأخيرة، أن شارك في الحراك الشعبي ملايين المواطنين وأعداد من أعضاء الأحزاب السياسية ومن ضمنهم الحزب الشيوعي العراقي مطالبين صراحة باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وحل مجلس النواب. ومن المهم إن هذه الانتفاضة والمأثرة الجبارة للشعب العراقي ترفض الاصلاحات السطحية واستبدال هذا الوزير بذاك، بل تطالب بتغييرات هيكلية مهمة ومباشرة في تركيبة الدولة.
إن أحد السمات الرئيسية لما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في العراق هو رفض غالبية المتظاهرات تدخل القوى الأجنبية، وخاصة القوى العسكرية وممثلي جمهورية إيران الإسلامية في العراق. ومن الجدير بالإشارة أنه بعد يومين فقط من تدخل علي خامنئي في الأزمة العراقية وإدانته للمظاهرات الشعبية في خطاب له بمناسبة تخرج طلاب الكلية العسكرية في الثلاثين من تشرين الأول/اكتوبر، جرت ردود فعل في وسائل الإعلام وأثار غضب الجماهير المنتفضة في كربلاء وفي ميدان التحرير في بغداد، وردد المتظاهرون شعارات تندد بتدخل ولاية الفقيه وشخص خامنئي وقاسم سليماني، قائد قوات القدس والمبعوث الخاص لخامنئي ، وشروعهم منذ بداية الانطلاقة الجماهيرية بقمع وقتل المتظاهرين. لقد توجه قاسم سليماني وعلى وجه السرعة بعد انطلاق الاحتجاجات الجماهيرية في العراق، وعقد اجتماعاً مع القيادة الأمنية في وزارة عادل عبد المهدي، رئيس وزراء البلاد. وحسب تقرير وكالة الاسوشيتد برس ونقلاً عن إثنان من القيادات الأمنية العراقية، أشار قاسم سليماني إلى قمع “حركة الخضر” في إيران عام 2009 قائلاً:”نحن في ايران نعرف كيف نتصرف مع المحتجين. لقد حدث مثل ذلك في إيران، واستطعنا أن نسيطر عليه”. هذا وطبقاً لتقرير هيئة الأم المتحدة، فقد تعرض 257 من المتظاهرين إلى القتل وأصيب 10 آلاف بجروح منذ بدء الاحتجاجات في العراق.
قد أعلن علي خامنئي ، الأسبوع الماضي ، “إن احتجاجات الشعبين العراقي واللبناني ماهي إلا أعمال شغب تقف وراءها الولايات المتحدة وإسرائيل”. وقال :” إن الدول الأجنبية المدعومة من الخارج تسعى إلى تقويض الأمن في العراق ولبنان”!
إن استمرار انتفاضة الشعب العراقي على نطاق واسع مع تزايد شعاراته السياسية خير برهان على أن الشعب العراقي يدرك جيداً أن أسس الحكومة العراقية التي بنيت على مدى العقدين الماضيين تستند إلى الطائفية الدينية والعرقية والتعصب المذهبي والمستندة إلى دعم من جانب قوة أجنبية أو أخرى. ولا يتمكن هذا النظام أن يخطو خطوة على طريق حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة والفساد المؤسسي في هذا البلد، فهؤلاء الذين تصدروا الحكم هم المساهمون الرئيسيون في ظهور هذه الحجم الهائل من المشاكل والصعوبات في العراق. وخلال احتجاجاتهم الأخيرة ، على سبيل المثال ، أراد العراقيون جواباً على سؤال ، أين هو مصير مئات المليارات من الدولارات من أواردات البلاد من مبيعات النفط؟
لقد عانى الشعب العراقي ، شأنه في ذلك شأن العديد من البلدان الأخرى في العالم، بما في ذلك شيلي والأرجنتين ولبنان وإيران، من الآثار المدمرة للغاية للنماذج الاقتصادية القائمة على الليبرالية الجديدة. وبسبب الغزو الأمريكي الدموي المدمر عام 2003 وما تلاه من احتلال عسكري للعراق من قبل الولايات المتحدة ، جرى تدمير الهياكل الاقتصادية الأساسية للعراق ، وبالتوازي مع ذلك ، دفع البلاد إلى موجات المواجهات والحروب بالوكالة بين القوى الأجنبية في البلاد، وفرض الخطط النيوليبرالية لتكديس رأس المال الخاص. وتعرضت البلاد جراء ذلك إلى نتائج مأساوية. وهكذا تشابكت شبكة الهياكل السياسية الحاكمة المعادية للشعب العراقي مع هياكل القوى الخارجية وخاصة الولايات المتحدة ونظام ولاية الفقيه في ايران.
ففي العراق جرى فرض نظام المحاصصة الطائفية – الإثنية بهدف حماية الاقتصاد القائم على الريع ، ولم تتخذ أية خطوة أو إجراء اقتصادي إلا لخدمة مصالح البرجوازية الطفيلية البيروقراطية وصلاتها بالقوى الأجنبية. وفي هذا الصدد، سعى الجهاز السياسي ذو النفوذ في الجمهورية الإسلامية ، وبالإعتماد على السياسيين العراقيين التابعين لقيادة الجمهورية الإسلامية – بالإضافة إلى القوات العسكرية التابعة للحرس الإيراني في الخارج (باستخدام ميليشيات إسلامية رجعية إلى جانب الرأسماليين المحليين والمأجورين تحت قيادة المرشد الأعلى). انهم يعملون دائما لكسب المزيد من الغنائم في المجالات السياسية والاقتصادية. ومن الواضح أن الشعب العراقي يدرك تمام الإدراك الدور المدمر للجمهورية الإسلامية والقوى الإسلامية السياسية في بلده ويعارض بشدة اشراكهم في صياغة السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلدهم. لذلك ، ولذا فإن قادة نظام ولاية الفقيه وعلى رأسهم علي خامنئي ومبعوثه قاسم سليمان، انتابهما الذعر وسارعا بشكل محموم إلى حفط نفوذهما ومصالحهما غير المشروعة خارج الجمهورية الاسلامية الإيرانية وفي العراق.
ويشعر قادة النظام الاستبدادي والمعادي للشعب لولاية الفقيه بالرعب من آثار التحولات في العراق على الأحداث في وطننا وخاصة عملية الربط في احتجاجات الشعب العراقي بين المطاليب الاقتصادية والمطاليب السياسية للشعب الداعية إلى تغييرات ديمقراطية. ويدرك أقطاب النظام جيداً أن اشمئزاز شعب وطننا من الظلم والفساد على نطاق واسع هو كالنار تحت الرماد، من شأنه أن يهدد مكانة المرشد الأعلى عند أدنى شرارة أو تأثير من الأحداث في المنطقة. ولذلك، على وجه الخصوص ، تعمل وكالات الدعاية للجمهورية الإسلامية جاهدة لحرف الاحتجاجات الشعبية في العراق من خلال بث الاختلافات الدينية-العرقية. في هذا الصدد ، وقد أشار أمام جمعة طهران موحدي كرماني في خطبة صلاة الجمعة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، “يجب فصل الشعب العراقي عن الشيعة الإنجليز”.
إن علي خامنئي ، بصفته “ممثل الله على الأرض” وعلى المكشوف، لا يقرر مصير الشعب الإيراني وحده, بل وحتى مصير العراقيين ، أي ذلك الشعب الذي سعى، ومنذ 16 سنة خلت ، وبطرق مختلفة للتغلب على العواقب الكارثية للعدوان الأمريكي واحتلاله الدموي، والنضال من أجل تحرير بلادهم من نير الإمبريالية الأمريكية والقوى الإقليمية.
إن حزب توده إيران ، وإلى جانب القوى التقدمية الأخرى في منطقتنا وبلادنا ، يدعم بشكل حاسم الانتفاضة الشجاعة للشعب العراقي، ويدين بشدة تدخل الجمهورية الاسلامية الايرانية بقيادة علي خامنئي وألوية الحرس الرجعية في قمع الشعب العراقي. إننا نعلن دعمنا للقوى التقدمية العراقية ، وخاصة رفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي، كما نعلن تضامننا مع الحركة الشعبية في العراق ومطاليبها وشعاراتها وموجاتها السياسية والاجتماعية.