من الغزو الإسلامي العربي، إلى توطين الغمريين، إلى خطة أردوغان في نقل 3 مليون مهاجر ولاجئ سوري إلى المنطقة الكردية.
ملاحظة: كنا في الحلقات السابقة نركز على العلاقة بين مرحلتين تاريخيتين: مخلفات الغزو الإسلامي العربي، ومرحلة تسكين الغمريين في المناطق الكردية، والخطوات التي سبقتها منذ ظهور جمال عبد الناصر على الساحة السورية، ومخططاته لتعريب المنطقة تحت حجج الإصلاح الزراعي، ومن بعده مشاريع حزب الشعب وفيما بعد البعث وسلطة حافظ الأسد، كالإحصاء المطعون فيه، وقبلها عمليات التلاعب في دوائر السجلات ضمن المناطق الكردية، ومن ثم الحزام العربي، ومزارع الدولة والمستوطنات الغمرية العربية، والمرسوم 49، وما تبعها من تدمير للبنية الديمغرافية الكردية والاقتصادية-السياسية للمنطقة.
والأن اضطررنا إلى إضافة صفحة جديدة على ما تم، وهي مرحلة تحرك أردوغان على المستويات الدولية، لتنفيذ خطط تكميلية للمسيرة العدائية ضد الكرد تحت حجج إعادة السوريين إلى وطنهم أو تركهم يتجهون إلى أوروبا، مصرحا أن تركيا لم تعد تتحمل أعباء هؤلاء الملايين من اللاجئين، متناسياً الرخاء الاقتصادي الحاصل عليها دولته منهم، جاهدا من وراء هذه الادعاءات تغيير البقية الباقية من البنية الديمغرافية الكردية في المنطقة، طالبا من الدول العالمية ومن هيئة الأمم المتحدة مساعدات مالية تقدر بـ 27 مليار دولار لمشاريع بناء المستوطنات، ونقل المهاجرين واللاجئين السوريين إلى المنطقة الكردية والتي سميت بالمنطقة الأمنة، والممتدة على مسافة 444 كم وبعمق 32 كم، المنطقة المدمرة أصلاً خلال السنوات الثمانية السابقة من الحرب، بعدما هاجر وهجر منها قرابة مليون كردي وأكثر، وقدم إليها أكثر من مليون من أبناء الداخل السوري الهاربين من مآسي الحرب، والتي يتحمل مسؤولية معظم الهجرة المليونية، إلى جانب ظروف الحرب، والنزعة البشرية لإنقاذ الذات من مآسي الحروب، و البحث عن أماكن الأمان والرخاء، مسؤولي الإدارة الذاتية أو الحزب الحاكم عليها، وأساليبهم.
بدايات الاستيطان العربي على مشارف كردستان.
الاجتياح ومن ثم التمدد والاستيطان الديمغرافي العربي في منطقة الجزيرة السورية، ليست وليدة العصر، بدأت يوم وقفت في السنة الثامنة عشرة من الهجرة القوات العربية الإسلامية بقيادة عياض بن غنم على أسوار مدينة (كالينيكوس) ))الاسم الأخير لمدينة (الرقة) قبل أن يطلق عليها المسلمون العرب بعد الغزو أسمها الحالي(( ولم تكن فيها حامية عسكرية، فقد كانت تعيش الاستقرار الحضاري والأمان، رغم أن أغلب المؤرخين يذكرون أن سكانها كانوا خليطا من الكرد والشعوب السورية الأخرى، ودياناتهم مختلفة، المسيحية والزرادشتية واليهودية والمانوية.
حاول البعض منهم الدفاع عن ذاتهم وعن مدينتهم، لأن أخبار بشائعهم كانت قد سبقت ظهورهم، حيث القتل والسبي والسلب، فقامت مجموعات برمي الحجارة من فوق السور، لكن القوات الإسلامية العربية دخلتها عنوة، وفي الأيام الأولى تم سبي النساء وفرضت الجزية، وانتزعت منهم أراضيهم وممتلكاتهم، ولا شك هذا هو منطق المحتل القوي، قبل أن تفرض عليهم الاتفاقية المعروفة، والمبنية على بنود اتفاقية عمر بن الخطاب مع أهل القدس.
فيقول الطبري في كتابه الكامل في التاريخ الجزء الثاني357 ” .. إنا أبا عبيدة لما توفي استخلف عياضاً فورد عليه كتاب عمر بولايته حمص وقنسرين والجزيرة، فسار إلى الجزيرة سنة ثماني عشرة للنصف من شعبان في خمسة آلاف، … فانتهت طليعة عياض إلى الرقة، فأغاروا على الفلاحين وحصروا المدينة، وبث عياض السرايا فأتوه بالأسرى والأطعمة، وكان حصرها ستة أيام، فطلب أهلها الصلح، فصالحهم على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم، وقال عياض: الأرض لنا وقد وطئناها وملكناها، فأقرها في أيديهم على الخراج ووضع الجزيرة…” وقيل : بعد وفاة عياض بن غنم ومرور عقدين من الزمن على احتلال الرقة والمدن الأخرى من الجزيرة طلبت بعض الكتائب العربية الحامية للرقة من الخليفة عمر بن الخطاب السكن في الأراض التي امتلكوها في عهد عياض، ويقال أن مسيرة استيلاء القبائل العربية ومجموعات من الجنود الغازية أصبحت متداولة فيما بعد، أي في عهد عثمان، فيقول البلاذري في كتابه فتوح البلدان الصفحة 151 ..” لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى ويأذن لهم في اعتمال الأرضين التي لا حق فيها لأحد”….
وبعد أربعة عشرة قرن من الاستيطان العربي الأول في كردستان، بدءً من أراضي الرقة بأمر من قائد الغزوة عياض بن غنم، مقابل مصالحتهم على ذراريهم، وبموافقة الخليفة عمر بن الخطاب ببناء البيوت فيها، تمدد أحفادهم بضغط من السلطات أو برغبة، إلى عمق المناطق الكردية الأكثر خصوبة، بعدما بنت لهم سلطة البعث والأسد المستوطنات النموذجية، وبمسيرة مشابهة، بخطواتها، رغم اختلاف العصور والأزمنة والأدوات، ففي كلا المرحلتين، بدأت السلطات العربية بالاستيلاء أولا، وبمنهجين مختلفين: الأول، سميت بالفتوحات الإسلامية. والثاني أو الحالي، بالإصلاح الزراعي. ومن ثم إدراج المستولي عليه ضمن ممتلكات السلطة، ما بين احتلال، مقابل الصلح على الأمان حينها، وإقامة مزارع للدولة مقابل حق المواطنة، وتلت المرحلتين فيما بعد رحلة الاستيطان، والتعريب، وهنا نختصر مراحل مشابهة عديدة بينهما من الاستيطان إلى التعريب والتهجير.
وهكذا خسرت كوردستان مساحات من جغرافيتها وعلى مراحل، وخلال أزمنة طويلة، إلى أن أصبح البعض من الكتاب المنوهين إليهم، يعتبرون جنوب غربي كردستان أراضي عربية، وكردها مهاجرون قادمون من الشمال. وبالتالي بدأوا يعتبرون الدعوة إلى تحرير كردستان نبرة ساذجة، وسخروا لها إعلام ممنهج، إلى أن أصبحت غريبة حتى عند شريحة من السياسيين الكورد ذاتهم، تحت منطق الظروف غير المناسبة، وعلى منهجية انتظارها، سلبت السلطات العربية أخصب أراضي كوردستان، وغيرت النسب الديمغرافية فيها، إلى درجة تجرأ البعض من الكتاب والباحثين العروبيين، بالطعن في نسبة الديمغرافية الكردية في جنوب غربي كردستان ذاتها، متناسيا أن الكورد في سوريا كانوا يمثلون قرابة ثلث السكان في بدايات الثلاثينات وبإحصائيات وردت حتى في كتب من أمثال محمد جمال باروت دون انتباه والتي استقاها من دراسات فرنسية ومن إحصائيات السلطات العربية أثناء الاحتلال.
لا تزال مراحل التعريب مستمرة، فـ 42 مستوطنة عربية غمريه المولودة منها أكثر من مئتي مستوطنة إن لم يكن أكثر، ومن صفر قرية في بدايات القرن برزت 1161 قرية عربية كما قيل في إحصائيات المربعات الأمنية لعام 2013م.
وفيما إذا نظرنا إلى المستوطنات المبنية في كل قطعة أرض مسلوبة، وحيث البيوت المتناثرة في كل المناطق المستولية عليها، وجلها لم تحتاج إلى التراخيص لبنائها، ولا إلى موافقة المربعات الأمنية ولم تمر بالإشكاليات التي يمر بها الكردي عند محاولة البناء أو ترميم بيته، والذي كثيرا ما كان يرفض طلباتهم تحت مسوغات متنوعة، وأصبحت فيما بعد أصعب بعد صدور المرسوم الجمهوري رقم (49) المؤدي إلى تدهور للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعي والسياسية للشعب الكردي حصرا في جنوب غربي كردستان، لوجدنا وبوضوح أهداف السلطات المتتالية والمحتلة لجنوب غربي كردستان، وأسباب تركيزهم على تحريف تاريخنا الديمغرافي، والدراسات المتتالية المطعونة فيها حول وجودنا في الجزيرة، والتي فتحت الأبواب أكثر للتمدد العربي الغمري وغيره، مع عمليات التهجير الكردي الممنهج، هذه المرة ليس إلى الداخل السوري بل إلى الخارج.
لتنفيذ مخططات التمدد والاستيطان في كردستان، جندت السلطات العروبية مجموعة من كتاب البلاط، منهم من نشروا مقالات يبررون الفعل العنصري بغطاء الضرورات الاقتصادية والشراكة الوطنية، ويستندون على مصادر البعث ومربعاته الأمنية، بعضها حديثة العهد في الظهور، نشرت على خلفية المكتسبات التي حصل عليها الكرد، أو كرها لانتصارات القوات الكردية على المنظمات التكفيرية العروبية كداعش…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/9/2019م