تطورت الأحداث الداخلية التي يشهدها العراق منذ أكتوبر الماضي، بتحول التظاهرات الشعبية من التنديد بـ”التدخل الإيراني” من خلال العبارات المكتوبة والهتافات التي يطلقها المتظاهرون إلى اعتداءات على بعثات دبلوماسية ورموز إيرانية.
وتعدى الهتاف الذي اشتهر على صعيد البلاد منذ سنوات “إيران برّا برّا” الذي يطالب بطرد إيران؛ حيث تعتقد نسبة كبيرة من العراقيين أن لها نفوذاً داخل البلاد من خلال أذرع سياسية ومليشياوية، ليطال رموزاً دينية تعتبر أكثر الخطوط الحمر التي لا يجب المساس بها، مثل المرشد السابق للثورة الإيرانية روح الله الخميني، وخلفه الحالي علي خامنئي.
فمشاهد عديدة تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي تظهر الحرق والاعتداء على صور الخميني وخامنئي، بالإضافة إلى أعلام إيرانية وصور قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
https://twitter.com/Ayadjamaladdin/status/1191170172696088576
الأكثر إثارة للاهتمام أن مثل هذه المشاهد جرت في النجف وكربلاء؛ أكثرِ مدينتين قدسيتين لدى الشيعة، والأكثر أهمية لدى إيران؛ إذ تعتبرهما طهران منطقتي نفوذ أكبر وتنتشر فيهما صور لخميني وخامنئي، ويطلق اسم الأول على أماكن فيها، لكن هذا الحال قد بدأ يتغير.
https://www.youtube.com/watch?v=7rSmScC1rnM
ففي النجف (160 كم جنوب العاصمة بغداد) أطلق المتظاهرون السلميون تسمية جديدة على شارع الخميني، وهو الشارع المؤدي إلى مطار النجف، إذ عمدوا إلى إزالة لافتات الدلالة على اسم الشارع وأطلقوا عليه اسم شارع “شهداء ثورة تشرين”.
تبديل اسم شارع خميني في النجف إلى شارع شهداء ثورة تشرين من قبل الثوار#العراق_ينتفض #بغداد_حره_حره_إيران_بره_بره pic.twitter.com/HUKJTGtbW1
— rasha kafi (@rasha20077) November 4, 2019
وعلق المتظاهرون لافتات جديدة مكتوباً عليها عبارة: “باسم الشعب، شارع شهداء ثورة تشرين”، على شارع “الخميني”.
ويربط الشارع العديد من المناطق الحيوية في النجف؛ حيث يمتد من تقاطع مطار النجف الدولي لمسافة 13 كم حتى الطريق الواصل بين محافظتي النجف وكربلاء (110 كم جنوب بغداد).
وكان مجلس محافظة النجف، في 2014، المشكل من الأحزاب والمنظمات الشيعية، أطلق على شارع المطار تسمية شارع “الإمام الخميني”؛ وهو ما أثار في حينها انتقادات واسعة في الأوساط النجفية وعموم العراق؛ خاصة أن الخميني قاد الحرب على العراق 1980-1988.
https://www.youtube.com/watch?v=Zmgvq0hXSB0
محاولة حرق القنصلية
الغضب من إيران تجسد أيضاً في الاعتداء على بعثاتها الدبلوماسية في العراق؛ إذ اعتدى متظاهرون على القنصلية الإيرانية في كربلاء، محاولين اقتحامها. ورفعوا العلم العراقي فوق جدار مبنى القنصلية الإيرانية، ورشقوا المبنى بالحجارة والزجاجات الحارقة.
وبحسب ما ذكرت وكالة الأناضول فقد استعادت قوات الأمن العراقي السيطرة على محيط مبنى القنصلية الإيرانية، بعد مواجهات مع محتجين حاولوا اقتحامها، مشيرة إلى أن “12 جريحاً من المتظاهرين نقلوا إلى المستشفى ليلة الأحد/الاثنين (3-4 نوفمبر الجاري)، كما قتل 3 آخرون”.
وذكرت أن “المحتجين رموا مبنى القنصلية بزجاجات حارقة، لكن قوات الأمن حالت دون اندلاع حريق في المبنى”.
رمزية كربلاء والنجف
لمدينتي النجف وكربلاء رمزية خاصة عند الشيعة في عموم العالم، ففي الأولى مرقد الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وآثار تلك الحقبة التي تستذكرها الطائفة الشيعية مراراً.
وفي النجف الحوزة العلمية التي تدرس العلوم الشرعية، وهي جامعة إسلامية شيعية، يفد إليها الطلاب الشيعة من مختلف أنحاء العالم.
وفي كربلاء، يشتهر مرقدان كبيران يضم الأول الحسين بن علي بن أبي طالب، والثاني لأخيه العباس، رضي الله عنهما.
شهدت هذه المدينة المعركة التي قتل في الحسين والعباس وعدد كبير من أهل بيت الحسين وأنصاره.
وفي شهر محرم من كل عام؛ حيث تاريخ هذه المعركة، تتحول كربلاء إلى واحدة من أكثر مدن العالم استقبالاً للزوار من جنسيات مختلفة، وتوصف هذه الزيارات بالمليونية، حيث تؤكد الإحصائيات الرسمية أن عدد الزائرين في خلال هذا الوقت يفوق عشرة ملايين زائر.
وتحرص إيران على زج فرق خدمية تطوعية للمساهمة في تنظيف وتنظيم المدينة في هذه المناسبة، وتُشاهد صور مراجع الشيعة تنتشر بكثرة في المكتبات وعلى ناصيات الشوارع تباع للزائرين، فضلاً عن تعليقها على جدران المدينة وشوارعها.
ومن بين أكثر الصور انتشاراً صور المرشد الإيراني السابق الخميني وخليفته الحالي الخامنئي.
إيران فقدت الحاضنة الشيعية
في هذا الخصوص يعتبر المحلل السياسي جاسم الشمري، أن مدناً مثل كربلاء والنجف معلومة أهميتها لدى إيران، ويرى أن طهران استغلت الدين للسياسة بعد عام 2003 بشكل كبير جداً.
وأضاف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن إيران “نجحت في مراحل ماضية في تنفيذ مهام كبرى من خلال محاولة إيهام البعض أن هناك مخططات لاستهداف شيعة العراق، وإذا لم يُتدارك الأمر فإن قوى سنية ستسحق الشيعة”.
واستطرد الشمري يقول: إن “الأيام كانت كفيلة بتكذيب هذا الادعاء، وأظهر التكاتفُ بين العراقيين، خاصة في ثورة تشرين، الوجه الحقيقي للتعايش السلمي بين العراقيين”.
المحلل السياسي العراقي أعرب عن اعتقاده بأن “إيران فقدت كربلاء وستفقد بقية المدن؛ ذلك لأن الفقدان الحقيقي هو فقدان الحاضنة الشعبية”، مشيراً إلى أن “ما حصل من خلال حرق القنصلية بكربلاء هو ما حصل في البصرة أيضاً (سبتمبر 2018)، ومتوقع أن يحصل في مدن أخرى من ضمنها بغداد”.
وتابع حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “من المعلوم أن هناك محاولات للعبور إلى السفارة الإيرانية (في بغداد من قبل المتظاهرين) للاعتداء عليها. وعليه؛ أعتقد أن إيران فقدت الحاضنة الشيعية في العراق”.
من جانب آخر تطرق الشمري إلى تعزيزات عسكرية أرسلتها إيران للعراق قبل أكثر من شهر، توجهت نحو كربلاء، قبل الزيارة الأربعينية التي جرت في أكتوبر الماضي.
وتعتبر الزيارة الأربعينية، وهي مناسبة شيعية أيضاً تتعلق بالإمام الحسين وتشهد دخول زوار لكربلاء بأعداد هائلة، ذات أهمية كبرى لدى الشيعة، وفيها يدخل زوار إيرانيون بأعداد كبيرة.
إيران قالت إن إرسال قوة عسكرية إيرانية مكونة من 7500 عنصر إلى العراق هي لحماية “مراسم أربعين الحسين”، فيما نفى مسؤول إيراني لاحقاً تدخل بلاده بالشأن الأمني للمدن العراقية.
لكن المحلل السياسي العراقي يقول إن هذه القوة العسكرية الإيرانية التي دخلت “ليست هناك معلومات تفيد بأنهم خرجوا من البلاد”.
واستطرد قائلاً: “وعليه؛ ربما هؤلاء موجودون في ميدان عراقي، وربما سيتم استخدامهم أو ستسعى إيران لإجهاض الثورة من خلالهم”.
وحول التغير الذي حصل في مدن مثل كربلاء والنجف، ورفضهم للوجود الإيراني واعتدائهم على صور الخميني وخامنئي، يرى الشمري أن العراقيين في كربلاء أو النجف “لاحظوا أن إيران لديها أهداف سياسية عبر الغطاء الديني، والفترة الماضية كانت كافية لتفهم الأهالي لهذه الحقيقة”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الاعتداء على صور خميني وخامنئي في العراق يمثل “انكسار الهيبة لدى الشارع العراقي”، وهذا- بحسب رأيه- “له آثار مستقبلية ويدل بلا شك على وعي شعبي يبعد كل أنواع التدخل الأجنبي تحت أي غطاء. سنرى أن الجماهير العراقية ستتكاتف لبناء العراق مرة أخرى بعيداً عن التدخلات الإيرانية وغيرها”