السؤال الذي راودني مباشرة بعد سماعي لما أعلنه السيد مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وما أعلنه السيد مسرور البارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، بأنهما يرفضان إقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي لأنه استجاب في موضوع المالية ليس إلا! فهل عادل عبد المهدي هو من يضمن الحقوق الأساسية للشعب الكردي، أم عراق حر، ديمقراطي ومستقل عن الإرادات الأجنبية، لاسيما إرادة الدول المجاورة للعراق وكردستان العراق، أي إيران وتركيا، وهما دولتان تقفان بالضد من مصالح الشعب الكردي في كل أقاليمه؟ أن تصريحات المسؤولين الكرد في أربيل تعني بوضوح ما يلي: إن الحزب الذي يقود الحكومة الكردستانية يتخذ موقفاً معارضاً إزاء إرادة الانتفاضة الشبابية والشعبية العراقية التي تطالب باستقالة عادل عبد المهدي، وترى في العملية السياسية الجارية عملية فاشلة وسيئة ينبغي أن تنتهي، وأن ينتهي معها النظام السياسي الطائفي والفاسد، الذي لم يكن يوما ما، ومنذ قيامه، صديقاً للشعب الكردي وحقوقه العادلة والمشروعة. ومع إن عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء، لم يتوقف عن الاستمرار في تنفيذ قراره بممارسة العنف والسلاح (الحديد والنار) في مواجهة الانتفاضة الشعبية وسقوط المزيد من الضحايا والذي بلغ عددهم أكثر من 400 شهيداً وأكثر من 12 ألف جريح ومعوق خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر والأيام الأربعة الأولى من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، لم يتوقف تأييد حكومة إقليم كردستان لرئيس وزراء الحكومة الاتحادية، رغم صدور بيان تضامني تاريخي مهم من مثقفي إقليم كردستان مع المنتفضين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. والسؤال الذي يواجه كل صديق مخلص للشعب الكردي، وأنا أحدهم، هو: أين تكمن مصالح شعب كردستان: هل هي في تأييد عادل عبد المهدي، الذي احرق كل أوراقه لدى الشعب العراقي، أم في تأييده للشعب العراقي المنتفض ضد الحكومة العراقية وضد النظام الطائفي السياسي الفاسد الذي لم يقصر في الإساءة المستمرة للشعب العراقي كله، وكذلك للشعب الكردي في كردستان العراق أيضاً؟ لا أحتاج إلى تفكير طويل لأقدر بصواب إن مصالح الشعب الكردي تتحقق في دولة عراقية ديمقراطية حرة وفي نظام سياسي ديمقراطي غير طائفي وغير فاسد وفي مجتمع مدني ديمقراطي حر وعلماني، عراق مستقل عن الإرادات الخارجية، سواء أكانت إيرانية أم أمريكية أم تركية أم خليجية، مثل هذا العراق هو الذي يضمن للشعب العراقي كله وللشعب الكردي والقوميات الأخرى حقوقها المشروعة والعادلة. لهذا أرى بأن موقف رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس حكومة إقليم كردستان ليست صائبة فيما لو استمر على تأييد استمرار حكومة عادل عبد لمهدي، إذ إنها تسهم في إضعاف التضامن الضروري بين شعبين صديقين لإقامة عراق ديمقراطي حر ومستقل تتمتع فيه شعوبها بالحرية والحياة الديمقراطية وبالحقوق المشروعة لجميع القوميات وأتباع الديانات والمذاهب. إن سبعين عاماً من التضامن العادل والصادق مع الشعب الكردي ومع حقوقه المشروعة لا يزعزعها هذا الموقف، ولكن سيزعزع الصداقة والتضامن الضروريين اليوم ولمستقبل العلاقات بين الشعبين الصديقين. وهو ما يقلقني كثيراً. أتمنى على حكومة الإقليم والأحزاب الكردستانية وبقية القوى السياسية أن تعيد النظر بموقفها من انتفاضة العراق الباسلة ومن المطالب العادلة المطروحة في ساحة النضال الوطني، في ساحة التحرير وفي كل ساحات الوسط والجنوب والتي يمكن أن ترفع ذات الشعارات في كل أنحاء العراق. إن عادل عبد المهدي قد نفذ مجزرة دموية في بغداد وفي بقية مدن محافظات الوسط والجنوب وتحول إلى دكتاتور صغير يمارس الظلم والقسوة إزاء الشعب والشبيبة المنتفضة، ولن يغفر له الشعب ذلك بأي حال. إن من مصلحة الشعب الكردي أن يتضامن مع الشعب العربي وبقية القوميات المناضلة والمنتفضة في بغداد وبقية المحافظات، وأن يقف إلى جانب تغيير النظام الطائفي الفاسد ورموزه المعروفة والفاسدة وتأييد تغيير الدستور مع حماية كل الحقوق القومية العادلة والمشروعة، وكذلك قانون الانتخابات وقانون الأحزاب والمفوضية المستقلة للانتخابات …الخ. وان لا تكون في تلك التعديلات ما يُضعف حقوق الشعب الكردي والمكاسب المشروعة والعادلة التي تحققت له خلال الفترة المنصرمة والتي ستبقى مكرسة في الدستور المطلوب تعديله. إن الشعب سينتصر في معركته الراهنة، وسينتهي عهد الظلم والطغيان عاجلاً أم آجلاً، وستُفتح صفحة جديدة في تاريخ العراق، صفحة جديدة في علاقات التآخي والتضامن والاستجابة لحقوق القوميات في العراق.