فخامة الرئيس الكوردستاني
مسعود بارزاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
06 تشرين الثاني، 2019
من قلب يتفطّر ألماً وحزناً، أتوجه إلى فخامتكم باعتباركم “مرجعية” أمتنا الكوردية المستعبَدة الممزقة نتيجة معاهدات استعمارية. ولن أطيل عليكم لما على طاولتكم من ملفاتٍ عديدة وهامة.
منذ أن غزت القوات التركية منطقة جبل الكورد التي مركزها مدينة عفرين، في أقصى غرب كوردستان، والفصائل المتطرّفة والإرهابية التي جاءت معها كمرتزقة لم تدع ممارسة وحشية وانتهاكاً للحقوق وجرائم ضد الإنسانية إلاّ وقامت بها، ضاربة بالتآخي بين الشعوب والأخوة في الدين وحقوق الأقليات القومية والدينية عرض الحائط، ولم تنفك حتى اليوم وتحت أنظار الجيش التركي واستخبارات تركيا عن التقتيل والتعذيب حتى الموت والسلب والنهب وكل ما من شأنه إرغام شعبنا الكوردي على ترك أرضه وممتلكاته، ضمن إطار مشروعٍ تغيير ديموغرافي للمنطقة، يهدف إلى طرد المواطنين الكورد الذين كانوا بنسبة تزيد عن 95% من سكان المنطقة، وإسكان العرب والتركمان والأويغور المجلوبين من شمال الصين عوضاً عن سكانها الأصليين، بحيث انخفضت نسبة الكورد إلى أقل من 30% خلال أقل من عام واحد.
إن المقاومة المسلّحة لهذه السياسة العنصرية لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي قد دامت 58 يوماً، وذلك من قبل وحدات حماية الشعب فقط، لأن حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يقف وراء هذه الوحدات كان قد قضى بشكلٍ تعسفي على كل أشكال الحياة السياسية لمعارضيه الكورد، سواءً كأحزاب أو جمعيات، وبالتالي فقد استفردت هذه القوات “الأممية فكراً وتوجهاً” بالتنظيم العسكري ورفضت مشاركة أي قوة أخرى في الكفاح إلى جانبها ضد الاستبداد والاحتلال والتنظيمات الإرهابية، فأصبح شعبنا في عفرين منذ بدء الغزو معرّضاً إلى شتى أنواع الإرهاب والتهجير والقمع والحرمان. بل إن وجوده صار في خطر حقيقي، ونعتقد بأنكم على علمٍ بكل ما جرى ويجري لشعبكم الذي يحترمكم ويحبكم ويسير على خطاكم ولا يرفض طلباً لكم لإيمانه بأنكم خير من يمثّل طموحاته القومية العادلة.
أما القوى الدولية المتواجدة على الأرض السورية، وكذلك الحكومة في دمشق، وسائر الأحزاب الكوردية، فإنها لم تقم بواجبها الإنساني تجاه شعبنا في عفرين في محنته الخطيرة هذه. بل إن مأساة أهلنا في جبل الكورد لا تحظى باهتمام إنساني في العالم ويكاد “ملف عفرين” يُطوى ويوضع في أرشيف الحركة السياسية الكوردية، فهل لنا سواك يا سيادة الرئيس المفدّى؟
ما نأمله منكم، هو إثارة هذا الملف دون تأخير أو إهمال في لقاءاتكم وعلاقاتكم واتصالاتكم مع قوى وحكومات المنطقة، ومع المجتمع الدولي و نأمل وقوفكم بإصرار في خندق التصدي لمشروع التغيير الديموغرافي والجرائم التي ترتكب يومياً في منطقة عفرين، دون وجود أدنى مقاومة عسكرية أو مدنية للاحتلال التركي، وتكونوا المحامي الأكبر لشعبكم المطالب بخروج الجيش التركي والتنظيمات الإرهابية من عفرين، طالما الأتراك يؤكدون على أنهم أرغموا قوات الحماية الشعبية على الخروج منها، فلماذا دوام الاحتلال؟ ونرجو ألا تصدقوا أؤلئك الذين يقدمون لكم معلومات خاطئة وصورة غير صحيحة عما يجري في هذه المنطقة التي تتعرّض إلى ذات المصير الذي تعرّضت له “كوردستان الحمراء” في عهد الاتحاد السوفييتي وما يسمى ب“المناطق المتنازع عليها” في اقليم جنوب كوردستان، إبان عهد صدام حسين البائد.
فلماذا لايعطي الأمريكان والروس والحكومة السورية وتركيا أي اهتمامٍ لضم منطقة عفرين لما يسمى ب“المنطقة الآمنة” في شمال سوريا؟ ولماذا يتم الإهمال لكل ما يمت لعفرين بصلة، حتى في الشؤون الإنسانية، حتى أن الحديث عن عودة اللاجئين إلى مناطقهم يستثني موضوع أكثر من مائة ألف لاجىء عفريني من مخيم الشهباء إلى قراهم ومزارعهم، رغم قدوم الشتاء القارس، في حين أن الغرباء يسكنون في منازلهم ويدعون أقرباءهم ومعارفهم للسكنى في بيوت الكورد المهجرين، وهم يسخرون من الكوردي “الكافر!”… وأنتم أعلم منا بحياة المخيمات ومآسيها.
لي في مقامكم كمرجعية كوردستان الأولى، يافخامة الرئيس البارزاني، الأمل والثقة بأنكم ستدافعون عن شعبكم من كل النواحي في هذه المنطقة التي قلوب أهلها الكورد معكم، مثلما كانت في ظل القائد الراحل البارزاني الخالد.
مع فائق الاحترام والتقدير
جان كورد – ناشط وكاتب كوردستاني / ألمانيا الاتحادية