لم تختلف خطبة المرجعية اليوم عن خطبها السابقة من حيث المضمون، ولا من حيث الشكل لحدود بعيدة. فخطابها لا يزال يدور في نفس الحلقة المفرغة، دون أن تتقدم ولو خطوة واحدة للأمام من باب رفع العتب على الأقل. فهي تحاول في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها البلاد مسك العصا من وسطها، مع ميل في أن تكون الى جانب السلطة وإن كان ذلك يجري بحذر هذه الأيام. فهي اليوم وقبل أن تتطرق الى نقاطها الخمس من خطبتها، بدت في واد وشعبنا في واد آخر. فالمرجعية أصّرت اليوم وبشكل غريب على تجاوز مطالب الجماهير، محاولة بشكل غير مباشر من فرض رأيها والذي يصبّ في صالح السلطة وبالتالي في صالح رعاتها من الدول الإقليمية، والتي طلبت بنفسها الأسبوع الماضي بعدم تدخلها بالشأن الداخلي للبلاد!!
على الرغم من أن التظاهرات التي عمّت بغداد والمدن الجنوبية بأكملها، والتي ترجمها المتظاهرون وخصوصا بعد إستشهاد المئات وجرح الآلاف منهم الى مطالبة بتغيير كامل للعملية السياسية من خلال شروط واضحة وهي، إستقالة الحكومة وكتابة دستور جديد وقانون أحزاب جديد ومفوضية إنتخابات جديدة وإجراء إنتخابات تحت إشراف دولي. الا أنّ المرجعية كما السلطة تريد إجراءات ترقيعية من خلال تجاوزها على مطالب الجماهير الملحة، لتقول ” تتواصل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في اكثر من مكان “!! لقد تجاوز شعبنا شعار الإصلاح مع أوّل قطرة دم سالت في شوارع مدننا، ولا خيار اليوم غير خيار التغيير الكامل لعملية سياسية دمّرت بلدنا وأذّلت شعبنا ونهبت ثرواته. فليعي من يريد الخير للعراق هذه الحقيقة، والا فأنّه وبالضرورة سيكون في الخندق المقابل لخندق العراق وشعبه، هذا الشعب الذي شعاره المركزي اليوم هو .. إرحلوا.
تقول المرجعية في النقطة الأولى من خطابها اليوم من ” إن أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للاستجابة لمطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفذ في مدة زمنية محددة .. الخ“ هنا تعمل المرجعية كعادتها في المنعطفات السياسية الحادّة الى رمي طوق نجاة لسلطة الفساد من جهة، وحقن جماهير شعبنا بحقنة مورفين جديدة من جهة ثانية. عن أية خارطة طريق تتحدث المرجعية، ولمَ لمْ تستجب السلطة لمطالب المواطنين طيلة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم، ومن هم الذين يتفقون على خارطة الطريق هذه؟ السلطة التي لا تثق بها الجماهير وتتظاهر ضدها، أم ساسة من كوكب آخر لا نعرفهم وتعرفهم المرجعية؟
في النقطة الثالثة أعلنت المرجعية من ” إن التظاهر السلمي حق لكل عراقي بالغ كامل، به يعبر عن رأيه ويطالب بحقه، فمن شاء شارك فيه ومن لم يشأ لم يشارك، وليس لأحد أن يلزم غيره بما يرتئيه .. الخ“ أن إضافة عبارة ” بالغ كامل” هي إعطاء رسالة بعدم مشاركة تلاميذ المدارس الإبتدائية والثانوية في التظاهرات. وهذه الرسالة في محلّها لطلبة الإبتدائية خصوصا ونحن شاهدنا طلبة منهم يخرجون الى الشوارع مع المتظاهرين، وما يشكله خروجهم من خطر عليهم من خلال إستخدام السلطة والميليشيات للرصاص الحي. الا أنّ المرجعية وقعت في مطب فقهي حول سنّ البلوغ، إذ أجاب السيد السيستاني في سؤال له عن علامات سن البلوغ عند الذكر والانثى من أنّ ” علامة البلوغ في الانثي اكمال تسع سنين هلالية ، وفي الذكر احد الامور الثلاثة : (١) نبات الشعر الخشن علي العانة ، وهي بين البطن والعورة. (٢) خروج المني . (٣) اكمال خمس عشرة سنة هلالية. ونبات الشعر الخشن في الخد وفي الشارب علامة للبلوغ ، واما نباته في الصدر وتحت الابط ، وكذا غلظة الصوت ونحوها فليست امارة عليه“. وهذا يعني حق الأنثى العراقية إبتداءا من الصف الثالث إبتدائي المشاركة في التظاهرات للمطالبة بحقوقها كونها عراقية بالغة!!
في النقطة الرابعة تقول المرجعية ” إن هناك اطرافا وجهات داخلية وخارجية كان لها في العقود الماضية دور بارز فيما اصاب العراق من أذى بالغ وتعرض له العراقيون من قمع وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجية الجارية لتحقيق بعض اهدافها، فينبغي للمشاركين في الاحتجاجات وغيرهم أن يكونوا على حذر كبير من استغلال هذه الاطراف والجهات لأي ثغرة يمكن من خلالها اختراق جمعهم وتغيير مسار الحركة الاصلاحية“. لا شك أن هناك قوى داخلية وإقليمية وأجنبية تحاول ركوب الموجة، ولا شك أيضا من وجود قوى تريد تغيير مسار الحراك الجماهيري لصالحها. لكن علينا أن نسمّي هذه القوى اليوم بمسمّياتها، ومن خلال تسميتها نستطيع معرفة أسباب ركوبها الموجة. المعني هنا هم البعثيون والسعوديون تحديدا وليس القطريين، كون القطريين اليوم أصدقاء إيران وصديق صديقي صديقي، ونحن لا نشك برأي السيد السيستاني هذا بل نجزم من أنّ عدم محاولة البعثيين والسعوديين من ركوب الموجة يدل على غباء منهم، وبالتالي فأنّهم يعملون جاهدين للسيطرة ولو على جزء من هذا الحراك الجماهيري. لكن السؤال هنا هو، هل شعبنا الذي خرج بالملايين اليوم لينتفض ضد سلطة الإسلام السياسي وبهذا العنفوان، سيركن الى سلطة البعث صاحب المقابر الجماعية من جديد!!؟؟
والأمر الآخر هو تركيز السيد السيستاني على ” القمع والتنكيل” دون إشارته الى آفة الفساد والتي قال بنفسه مرّة من أنّ الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب. وهنا على السيد السيستاني تسمية الفاسدين وراعيهم أي إيران، التي تعزز ميزانيتها وميزانية حزب الله والنظام البعثي السوري وفق ما ذكرته النائب ماجدة التميمي من ميزانية فقراء شعبنا. أمّا ما جاء في النقطتين الثانية والخامسة فهو لا يخرج عن كلام إنشائي حفظناه كما كان يحفظ الأطفال جزء عم في الكتاتيب.
السيد السيستاني أنت اليوم أمام مسؤولية تأريخية أمام الله والشعب، فمن حرّكت مريدك لإنتخابهم ولا زلت ترمي لهم طوق النجاة ما هم الا فاسدون لا يمكن إصلاحهم وإن إدّعوا الإصلاح، وهؤلاء من قال فيهم القرآن الكريم ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ”، فأنأى بنفسك والمرجعية عنهم. السيّد السيستاني إبتعدوا عن التدخل بالشأن السياسي إحتراما للدين وقيمه، فوالله هناك من يرى نتيجة سوء سلطة الأحزاب الإسلامية وثراء طبقة المعممّين على حساب فقراء شعبنا، من أنّ الإسلام كما قال النبي محمّد سيعود غريبا، وسيكون مصلحيه هم الناس بعد أن أساء رجال الدين له … فرفقا بالدين من أجل الدين نفسه والله الله بأهل العراق.
زكي رضا
الدنمارك
8/11/2019