من اليمن إلى ليبيا ينتشر مقاتلو محمد حمدان دقلو، الملقب بـ”حميدتي”، وتسبقهم سمعتهم بصفتهم مقاتلين مرهوبي الجانب، إذ إن تاريخ “قوات الدعم السريع” يُظهر أنها على استعداد دوماً لسفك الدماء.
في عام 2015، وافقت الحكومة السودانية على إرسال كتيبة من القوات النظامية، لمؤازرة قوات التحالف السعودي-الإماراتي في اليمن، لكن أبوظبي والرياض لم تكتفيا وطلبتا دعماً من تشكيلات “حميدتي” التي عُززت بمئات المقاتلين، ثم زاد من أعداد وحدة “قوات الدعم السريع” في اليمن، وأرسل مؤخراً تشكيلاً إلى ليبيا، للقتال إلى جانب الجنرال المارق خليفة حفتر، الذي تدعمه الإمارات.
مؤخراً تحدثت تقارير أممية عن الشأن الليبي، مبينةً أن السودان والفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” لم يلتزما العقوبات الأممية التي تقضي بحظر تقديم دعم عسكري لأطراف الصراع في ليبيا، وهو ما يضع تساؤلاً حول سبب استخدام الإمارات والسعودية قواتٍ سودانية للقتال بدلاً عنها خارج حدودها.
خرق حظر الأسلحة في ليبيا
تقرير لفريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا كشف، في 9 نوفمبر الجاري، عن خرق دول أعضاء في الأمم المتحدة منظومة حظر الأسلحة المفروضة على ليبيا، من بينها الإمارات والسودان وتركيا والأردن.
التقرير ذكر أن السودان والفريق محمد حمدان دقلو “لم يلتزما العقوبات الأممية التي تقضي بحظر تقديم دعم عسكري لأطراف الصراع في ليبيا”.
وأشار إلى أن ألف جندي سوداني من “قوات الدعم السريع” أُرسلوا إلى الشرق الليبي في يوليو 2019.
وبيَّن التقرير الأممي أن “حميدتي” أرسل القوة السودانية، لحماية بنغازي وتمكين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الهجوم على طرابلس، ونقَل عن عدد من المصادر قولها إن “قوات الدعم السريع” السودانية تمركزت لاحقاً بمنطقة الجفرة بجنوبي ليبيا.
تدفق المرتزقة السودانيين إلى ليبيا
نجحت مصر والسعودية والإمارات في الاحتفاظ بنفوذها في السودان، بالزج بأصحاب سلطة موالين لها في الخرطوم، ثم استغلال هذا النفوذ لإحداث تأثير في موازين القوى بليبيا، لدعم الجنرال الليبي خليفة حفتر في معاركه التي يخوضها ضد حكومة الوفاق.
وفي الرابع من أغسطس الماضي، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن نحو ألف من أفراد “قوات الدعم السريع” السودانية حطُّوا رحالهم، في الشهر ذاته شرقي ليبيا، للقتال إلى جانب حفتر.
وذكر الموقع أن أعداد تلك العناصر قد يرتفع إلى 4 آلاف فرد في الأشهر القليلة المقبلة، وأن مستندات خاصة بدولة الإمارات، التي تدعم حفتر، أظهرت صدور تعليمات بنقل المقاتلين السودانيين إلى ليبيا، عبر دولة إرتريا المجاورة.
وسرعان ما أكدت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، حينها، أن أغلب من سقط من قوات حفتر قتلى، من المرتزقة السودانيين الذين جُنِّدوا مؤخراً، كما أن بعض هؤلاء المرتزقة وقعوا أسرى، ويقبعون في سجون “الوفاق”، التي أبلغت المنظماتِ الدوليةَ بشأنهم، فجاءت لزيارتهم.
وثائق تؤكد!
وكان موقع “الجزيرة.نت” كشف، في شهر يوليو 2019، عن طلب أبوظبي الحصول على تصريح دبلوماسي لطائرتين من نوع (C130+G17)، تابعتين للقوات المسلحة الإماراتية،
للعبور والهبوط بمطار الجنينة غربي السودان.
وحددت رسالة السفارة الإماراتية في الخرطوم خط سير الرحلة المذكورة، من “عصب” في إرتريا إلى الجنينة بالسودان ذهاباً، ومن الجنينة إلى “عصب” في إرتريا عودة، وهو ما يعني أنَّ نقل العناصر المقاتلة سيكون من دارفور السودانية إلى “عصب” الإرترية.
وكشفت الوثائق أن “حميدتي” جنَّد خلال تلك الفترة -عبر وحدة خاصة من “قوات الدعم السريع”- نحو 450 شخصاً لحساب الجيش الإماراتي من القبائل العربية بدارفور، والتي لها تداخل مع دولتي تشاد والنيجر.
وأفادت الوثائق بأن المعنيِّين تم اختيارهم وفق صفات وسِمات محددة، بحيث يكونون من أصحاب البشرة الفاتحة ويتحدثون العربية، حيث تم تجميع تلك العناصر داخل السودان.
مقاتلون في اليمن وضحايا كثر
في عام 2015، أرسلت الحكومة السودانية جنوداً من قواتها لمؤازرة تحالف السعودية والإمارات، لكن بعد بضعة أشهر، أبرمت الإمارات صفقة موازية مع “حميدتي” لإرسال قوة أكبر بكثير من مقاتلي “قوات الدعم السريع”، للقتال في جنوبي اليمن وعلى طول سهل تهامة الذي يضم مدينة الحُديدة، مسرح القتال العنيف الذي نشب خلال العام الماضي.
ووفَّر حميدتي أيضاً وحدات للمساعدة في حراسة الحدود السعودية مع اليمن، وكشف أمام حشد جماهيري في يونيو الماضي، أن عدد القوات باليمن يصل إلى ثلاثين ألف مقاتل، مشيراً إلى أنه سيسحب كثيراً من قواته، بالتزامن مع إعلان الإمارات سحب قواتها من هناك.
وتتحدث تقارير دولية مشيرة إلى أن قيادات في القوات السعودية والإماراتية باليمن قادوا المقاتلين السودانيين عن بُعد بشكلٍ شبهِ كامل، موجِّهين إياهم للهجوم أو التراجع، من خلال سماعات الراديو وأنظمة تحديد المواقع GPS المتوافرة لدى الضباط السودانيين المسؤولين عن الوحدات، وذلك كي يحصل هؤلاء القادة على مسافة آمنة تفصلهم عن خطوط القتال!
وكانت جماعة الحوثيين كشفت، في 3 نوفمبر الجاري، ما قالت إنها حصيلة الخسائر التي تكبَّدتها الوحدات العسكرية السودانية المقاتلة في اليمن منذ 2015 إلى 2019، وذكرت أن عدد القتلى بلغ 4253، إضافة إلى 3747 جريحاً.
رفع العزلة وهدف اقتصادي
ويرى الباحث السياسي السوداني محمد أبو الفتاح، أن الحكومة السودانية شاركت في القتال باليمن وليبيا، لإنهاء عزلتها السياسية الخانقة ورفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، من خلال السعودية، التي قال: إنها “أدت دوراً واضحاً في تحقيق هذا الهدف”.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أوضح أبو الفتاح أن السودان بمشاركته في حرب اليمن، كان هدفه المسارعة لإصلاح الخطأ الفادح والمكلِّف، بتأييد صدّام حسين في حرب الخليج الأولى (1990-1991)، والذي سبَّب جفوة خليجية وأدى إلى تجفيف صنابير المساعدات الخليجية، على مدى عقدين من الزمان.
وأوضح أن السودان يسعى إلى “فك الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد بالمساعدات المالية المباشرة التي يتلقاها نظير مشاركته”، مؤكداً أن بلاده تلقَّت أموالاً طائلة من السعودية والإمارات مقابل القتال نيابة عنهما.
وفيما يتعلق بالجانب الشخصي، أشار إلى أن الجنود السودانيين أو مقاتلي “حميدتي”، الذين يقاتلون في اليمن وليبيا “يتسلَّمون رواتبهم من دول تحالُف عاصفة الحزم، بمبالغ طائلة أكثر مما قد يحصّلونه في بلادهم”.
وأضاف: “كما أن حميدتي يتلقى أموالاً طائلة، وأصبح الآن من أبرز الشخصيات التي تملك أموالاً طائلة بالسودان أو خارجه، لذلك ليس غريباً أن تجد قواته في كل مكان بحسب ما يُدفع له، خصوصاً من أبوظبي والرياض”.
من هو حميدتي؟ وما قواته؟
محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، يقود “قوات الدعم السريع” في السودان، وقد تحوّل خلال سنوات قليلة، من قائد مليشياوي في دارفور بغربي السودان إلى أحد كبار الفاعلين في البلاد.
كان قائداً لمليشيا صغيرة بغربي البلاد في بداية نزاع دارفور، وتسلَّق سُلَّم السلطة في أثناء هذه الحرب العِرقية التي اندلعت في عام 2003، وترأس مجموعات من الجنجويد، وهي مليشيات سابقة من القبائل العربية، انتهجت سياسة الأرض المحروقة في إقليم دارفور ومتَّهمة بارتكاب عديد من التجاوزات.