* خروج على الماضي بطاقة خلابة واحتضان مستقبل بطاقة اكبر.
* خاشع مستسلم وهو وجه آخر للتمرد في سبيل الحرية والإنسانية.
* الشعر عند الدوسكي ليس نشوة بل هو حاجة .
بقلم الأستاذة هندة العكرمي – تونس
يمر العالم اليوم بأدق مراحله التاريخية لما يعانيه الإنسان في هذا القرن الحادي والعشرين من تحديات عديدة ومتنوعة ،مجاعات وأمراض وحروب ومنافسة شرسة ،وحب للسيطرة وللاستغلال وعنف وإقصاء وتهجير وعدم اعتراف بالآخر . وفي هذا السياق يأتي هذا التقديم الموجز حول الأستاذ الشاعر عصمت شاهين دوسكي احد مشاهير الألفية الثالثة أدبا ونقدا وشعرا .ذلك إن هذه الفترة ولدت العديد من الشعراء والأدباء ،حيث إن الإنسان اليوم في أمس الحاجة إلى مزاوجة عقلية إيمانية لمواجهة كل التحديات ولم يجد ضالته أستاذنا إلا فيما جادت به قريحته حيث لروحه وعقله وقلبه وإيمانه تكاملا استطاع أن يحقق من خلالهم الرسالة المرجوة فيساعد على بناء سفينة خلاص الإنسانية المحتاجة للتضامن والتعايش في كنف السلم والاحترام المتبادل.
( عالمنا شيرين
رهن الضباب
رهن الدخان وزيف العنفوان ) .
فكانت له طاقة تغيير مذهلة لمن قبله وأصبحت مؤلفات عصمت شاهين دوسكي معيارا جديدا للإبداع والتجاوز ..للخروج على الماضي بطاقة خلابة واحتضان مستقبل بطاقة اكبر ،في ضوءها استطاع التخطي بفنون أدبه وقصائده. فتلتمس أقوى بداياته الجريئة في قصائد حول المرأة المتأرجحة بين التأزم والغزل فكانت له بذلك نزعة ذاتية متخذا من الشعر وسيلة لإيصال هواجسه وآلامه وطموحاته إلى العالم الخارجي. فله من الشعر ما عبر عن تجاوز الإنسانية والسلطة ، ومنه ما عبر عن القلق والثورة على السائد .وبالرغم من انه متأرجح المشاعر يرى العالم تارة متسعا متنوع الأحداث، يتحدث معه ،ويحتلم فيه ،
( آسف جدا
للحروب والدمار والخراب
للتشريد والتهجير
في وطن الأطياب ) .
فولد لديه هذا الشعور انطلاقة الحرية والتعبير عن الذات ولا سيما صيحة التمرد على السائد والمناداة بوقفة جديدة وقيم جديدة وأخلاق جديدة نحس فيها خوالج نفسه وعواطفه.وهذا بلا شك ضربا من الحرية الأزمة فعلا.
لهذا أعتبر عصمت شاهين الدوسكي من شعراء الحساسية المفرطة لأنه متمرد بقدر ما هو أليف .تراه خاشع مستسلم وهو وجه آخر للتمرد في سبيل الحرية والإنسانية .
وقد مثل هذا الجدل الداخلي في أشعار الدوسكي صيحة الفزع ضد الظلم في العالم وغايته أثبات الوجود الضائع والعيش بامتلاء والكفاح ضد الجهل .
( ماذا تبيع يا ولدي
الجبابرة باعوا كل شيء
حتى العشق باعوه بلا ماعون ) .
فيقرن أصالة الشعور بالدفاع بأصالة العمل الدؤوب فعرف بسليقة الشعر الذي لا يخضع إلا للانفعال الداخلي وسليقة الشجاعة المتأصلة بذاته فلا تأبه للنتائج مهما كانت وخيمة.
كل هذا دفع بالدوسكي إلى اكتشاف جنس أدبي يعكس صورة المجتمع بكل تناقضاته وخلافاته .
فالشعر عند الدوسكي ليس نشوة بل هو حاجة .انه ليس قلبا ملتهبا ونفس مسحورة بل هو فم ظمآن ويدا فارغة مبسوطة.هو ابتسامة الطفل ودمعة الثكلى.هو تورد وجنة العذراء وتجعد وجه الشيخ هو جمال البقاء وبقاء الجمال شعره ، دوسكي حيوي .فيه قوة مبدعة ،قوة مندفعة نحو تحدي العراقيل .وكل كتاباته الأدبية منها أو الشعرية تؤكد أن الشعر سيبقى حاجة ملحة من حاجات الإنسان الروحية .لأنه وحده يجسم أحلامه عن الجمال والعدل والحق والخير. وبه يرسم الحياة التي تعشقها روحه ولا تراها عيناه ولا تسمعها أذناه بين أقدار العالم ودأبه اليومي وهمومه الصغيرة.
( أنا الشهادة ، أنا الهوية ، أنا
فهل تبحث لي عن عمل
أم أحمل وطني وأرحل ..؟ )
لهذا كله نجد كتاباته تعج بالمناجاة بصيغ تعبيرية تكشف إحساسه بالضيق من العالم ودنيا الناس التي ملأتها المطامع والأحقاد .فكانت كلماته مشحونة بطاقة شعرية خارقة لم تمنع جمال العبارة من أ داء جليل المواقف الرافضة الثائرة التي عبر من خلالها أديبنا عصمت شاهين الدوسكي عن توقه إلى عالم بديل عن الموجود المرفوض المفروض.
( أرعى قلبك كلما قَلَب
مهما عابوا
ومسوا قوافي عشقي
أقول لهم : أنا إليها أنتسب ) .
فتعمد إلى تجربة إبداعية حقه بروح وأسلوب راقيين اعتبرهما علامة تحول وتغيير جذريين لا في المفهوم الأدبي فحسب بل الأكثر أهمية فيما سمحت لنفسي بتسميته سابقا «الحساسية الأدبية أو الشعرية » في مجتمع كاتبنا عصمت شاهين االدوسكي
وهذا بالتدقيق ما جعل جملة من المفكرين الأدباء يتناولون أدب الأستاذ الدوسكي بالشرح والتحليل ولا سيما الأستاذ احمد لفته
صاحب كتاب ” القلم وبناء فكر الإنسان – رؤية أدبية عن قصائد عصمت شاهين دوسكي ” حيث حاول بواسطته أن يكون ثابتا على قداسة ما يكتبه الدوسكي وحاول من خلاله أن يرتفع عن أغراض الكتابة البديهية والشؤون العابرة وكل لون من ألوان الحياة الباهتة.ليرفع النقاب عن عواطف النفس الإنسانية تصويرا وتعبيرا لنستشف بالأخير إن أديبنا قوة خلاقة مبدعة وشعلة من روحه تضيء سماء شعبه ليرى الحرية كما يتمناها شاعرنا في عصامياته الحرة .
******************************
كناب : القلم وبناء فكر الإنسان
رؤية أدبية عن قصائد الشاعر عصم
المؤلف : الأديب والإعلامي – أحمد لفتة علي
تصميم الغلاف : نزار البزاز
سنة الطبع : 2019 م – دهوك
رقم الإيداع من مكتبة البدرخانيين العامة – 2218