هذه المجموعة تتميز في براعتها في الغوص في قاع المجتمع . وكشف سلبياته وعلله الاجتماعية . لذلك ان المجموعة هي نسيج متناسق ومترابط بين واقعية الاحداث الجارية , وتنسيق بالمخيلة الخيال الفني , الذي يمتلك المهارة الاحترافية في صنعة القص , والسرد الحكائي , بلغة مشوقة وجذابة , تشد القارئ في رهافتها الديناميكية . وهي تتناول مفردات وثيمات الواقع المعاشي بتجربته الفعلية . لتشكف اشكال المعاناة والقهر الاجتماعي , لواقع فقد بوصلته , وخرج عن جادة الصواب , الى الظلم والحرمان والحيف , وهي نتيجة منطقية وطبيعية , تتسم بها السلطة الشمولية المتسلطة على رقاب الناس . في غياب الامن والاستقرار الحياتي . نحو الانفلات الامور عن السيطرة , وتصبح السلطة عاجزة في معالجة السلبيات والعلل التي خلقتها بنفسها , بل انها شريكة فعالة فيها . لانها غير جديرة في المسؤولية والحكم , وتضع ثقل هزائمها واحباطاتها على عاتق الشعب المسكين . والمجموعة القصصية , تملك اسلوبية متمكنة في توظيف نهج الواقعية الانتقادية . واختارت اسلوب النقد الساخر والمتهكم من ثيمات ومفردات الواقع ومجريات أحداثه . وتوظيف متمكن في اظهار الواقع يعيش التراجيدية الكوميدية للاحداث السردية , وخاصة للبطل السارد , الذي هو شريك في تسجيل الحكايات من اعمامه اللصوص وغيرها من النصوص القصصية برع في تقمص دوره في السرد الحكائي . ويأخذنا في دهشة مشوقة لحكايات اللصوص , مغامراتهم ومجازفاتهم ومقالبهم . لاشك ان حكايات اللصوص مادة دسمة في الادب الروائي العربي والاجنبي . بكل اشكالها المشوقة . حتى برزت روايات مشهورة في الادب الروائي للصوص , ان صحت التسمية . والمجموعة القصصية ( اعمامي اللصوص ) للاستاذ الروائي المبدع فيصل عبدالحسن , الى جانب تناول مواضيع حيوية هامة أخرى , في الطرح والتحليل والرؤية . مثل العلل الاجتماعية في الظلم والحرمان والحيف , ومسألة الحصار والحرب والفقر والجوع , والحياة الخاوية , التي تحاول ان تصنع لنفسها شيء مهم , حتى تتسلى بها على معاناتها وقهرها الاجتماعي , وكذلك تكشف الافرازات السلبية . نتيجة الواقع المنفلت من عقاله عن جادة الصواب . وخاصة ان يكون الناس طعماً للسرقة والنهب والسلب . في مجتمع فاسد , بسلطة فاسدة .لتضعنا امام تدهور المنظومة الاخلاقية في قيم المجتمع . نجد هناك من يحاول ان يتجلد على بمعاناته الشديدة , ان يحافظ على عفته وكبريائه , محافظا على قيمته الانسانية بأبى وعزة النفس . رغم الفقر والجوع في قسوته الشديدة . نجد المبدع الاديب , يمتلك لغة مكثفة ومركزة في اسلوبها السردي المشوق . في كشف ادق تفاصيل العلل والسلبيات . كما يعرج على مسألة القتل والحروب العبثية , التي تخلق أزمة حياتية ووجودية . والمجموعة القصصية احتوت على ثلاثة أجزاء . وهي :
1 – الجزء الاول . ضمت القصص القصيرة التالية : العين . الجثة . أعمامي من البخلاء . أعمامي السبعة . اعمامي المقلدون . أعمامي اللصوص .
× قصة ( العين ) :
بعدما ضعفت ووهنت قبضة الحكومة المركزية , في الاطراف والمدن الصغيرة البعيدة عن المركز . اخذت تظهر مليشيا الحزب الحاكم بتغيير عدسة عينها لمراقبة وترصد الناس في الايقاع بهم بشتى التهم . اخذت هذه المرة , بتشكيل مجموعات في القيام بالنهب والسلب , كعصابات قطاع الطرق , تنهب وتسلب المسافيرين على الطرق . في ايقاف السيارات والقيام بسلب ما يمتلكون من اموال وحلي وحقائب , حتى مواد الطعام في سد جوعهم على سفرهم . اي ان نهج الحزب الحاكم تحول من السياسة الى اللصوصية .
× قصة ( الجثة ) :
بعدما وقفت الحرب وهدأت الصورايخ وغارات الطائرات . في ضرب مواقع حيوية لسلطة البعث في العراق . . اصبحت المعدات الحربية . مواد مستهلكة ( خردة ) تباع في المزاد العلني , وصادف سوء حظ احد المقاولين المشترين من المزاد . اشترى سيارة محترقة من مخلفات الحرب المعطوبة . ولكن المفاجأة انه وجد داخل السيارة المحترقة . جثة طيار امريكي متفحمة , بما يستدل عليه من الزي العسكري . وبقايا اللحم المتفسخ والمتفحم , بجمجمة بيضاء ونتف من بقايا الشعر الاشقر . اما هذه المفاجأة السيئة وقع في حيرة من أمره ( ابو جابر ) . ماذا يفعل بالجثة , هل يدفنها سراً بدون ان يعرف أحداً شيئاً عنها , أم يخبر السلطات الحكومية ؟ . وازاء هذه الورطة استشار شقيقه الصغير في الامر , واستقر الرأي في اخبار السلطات المحلية بالامر بوجود جثة متفحمة . ولكن بعد تبليغ السلطات , انقلب الامر ضدهم , وصخب الاعلام الداخلي والخارجي وحتى الامريكي . في الاتهامهم بتعذيب الاسير الامريكي حتى الموت وحرق جثته . وانشغال القضاء الدولي والاعلام بالقصاص من المجرمين الارهابين القتلة , وحتى اعلام النظام عزف على هذه المعزوفة . وترك الناس آثار فداحة الخسائر من الحرب المدمرة , وانشغل بهذه الجريمة الوحشية , ووجد طريقة لتملص من تبعيات الحرب المدمرة .
× قصة ( أعمامي السبعة ) :
يتحدث السارد كمدون حوادث اللصوصية التي يقوم بها اعمامه اللصوص . بأن يدون حكاية كل واحد من هؤلاء الاعمام السبع في جلساتهم في السمر في ليالي الشتاء . تكشف احترافهم مهنة اللصوصية على اصحاب المواشي ( المعدان ) . جندوا في الحرب الايرانية والامريكية وغيرها . وكانت النتائج كالاتي . أول الاعمام . أستطاع ان يأسر جنرال أيراني , وكوفئ كبطل بسيارة جديدة ومهر لزواجه . والثاني جلب ثلاثة أسرى جنود أمريكان ضلوا الطريق , فحاز على وسام الشجاعة . والثالث احترق او تهشم نصف وجهه من شظية مدفع . والرابع سرق آلة ضوئية تطبع الاوراق النقدية من الكويت , فراح يطبع الاوراق النقدية المزورة . والخامس فقد ذراعه في الحرب , وارتكن الى تربية الدجاج . والسادس جمع ثروة طائلة من جيوب المقتولين في الحرب . أما السابع فقد رضي بغنيمة الحرب , بمجندة امريكية اتخذها للمتعة الجنسية حتى انجبت له طفلاً . وطالبته بالنفقة للطفل في المحاكم الامريكية , واتخذها حجة في تحقيق حلمه بالسفر الى امريكا .
× قصة ( أعمامي اللصوص ) :
يأخذنا المبدع الروائي الى المتعة المشوقة بالسخرية المضحكة في طرائفها , في الشيطنة في مهارة الحرامي او اللص بذكاء خارق , ولكنها تنتهي الى التراجيدية الكوميدية . لنأخذ واحدة من حكاياتهم على لسان لسارد المدون حكاياتهم . كيف تتم عمليات السطو والنهب . وكيف يتم التسلل الى البيوت . وذكر أحد هذه الطرائف من الحكايات التي تكون مادة مسلية في ليالي الشتاء وعلى منقلة النار والشاي في اجتماع عائلي . يدون بأن أحد اعمامه تسلل الى احد البيوت لسرقة الفرس , فأختفى بين الاغطية والوسائد . وحين جاء وقت العشاء لزوج والزوجة , استغل الظلمة ليشاركهم الاكل , ولكن الزوج شعر به , فمسك يده . فما كان من اللص , إلا ان امسك يد الزوجة , وهي بدورها صاحت بالزوج غاضبة ( دعني آكل , لماذا مسكت يدي ؟ فترك المعيدي يد عمي , وقد ظن أنه قابض على يد أمرأته ) ص59 . ولكن بعدما نام صاحب الدار ( المعيدي ) تسلل الى الاسطبل لسرقة الحصان , في نفس الوقت كانت الزوجة في احضان احد العبيد لمضاجعتها . وحين شعر الزوج صاحب البيت بالسرقة . أستل سيفه , لكنه وجد أمرأته عارية يضاجعها احد عبيده في وضع مخزي , أستل سيفه وهشم رأس عبده , فهربت الزوجة عارية بالخوف والهلع , في حين استطاع اللص ان يهرب مع الفرس . وصاح به غاضباً ( لا بارك الله فيك!! لم يفعل بنا لص ما فعلته !! فضحتني في عشيرتي وقتلت عبدي , وطلقت زوجتي , وسرقت فرسي , وأكلت عشائي ) ص60 .
2 – الجزء الثاني :
تتحدث النصوص القصصية عن محنة الحصار العراقي القاسي , بسنواته العجاف والمؤلمة في معاناة الناس , ودفعهم الى فاقة الفقر والجوع , وشحة وجفاف معالم الحياة المعيشية اليابسة تماماً . ويضم هذا الجزء القصص التالية :
1 – الكلبة التي صارات نمراً . 2 – المضحكة . 3 – في ظهيرة قائضة .
× قصة ( في ظهيرة قائظة ) :
تتحدث عن قصف الطائرات الامريكية . وهي تدق بصواريخها العاصمة . وكانت هذه الطائرات تقف في سماء احدى المدن الصغيرة وتقذف بحممها الصاروخية للعاصمة . فما كان من الحزب الحاكم ان يحول هزيمته في الحرب , لانه لم يستطع ان يدافع عن العاصمة , بهذا الانهزام والضعف والعجز , يتملص من تبعية الهزيمة النكرى , في اتهام هذه المدينة الصغيرة التي تقف الطائرات في سمائها , بالخيانة والتواطئ والعمالة , لانها سمحت للطائرات ان تقف بسمائها في قصف العاصمة . لذلك يجب حذفها من السجل المدني . وعدم التعامل معها والمطالبة بالقبضة على الجاسوس او الجواسيس المتورطين . ولكن احد الشطار الذين لا تفوتهم الفرص السانحة . اتصل بالرئيس ليخبره بخيانة مدينته . لذلك اعتبر بطلاً قومياً ووطنياً وكرم بنصب تمثال يؤرخ مأثرته الوطنية الكبيرة , بهذه المسخرة التهريجية , التي تدعو الى السخرية والضحك , وهي تدل على خواء الحزب الحاكم .
3 – الجزء الثالث :
يضم القصص التالية . اللفافة العظيمة . لغة العيون الخائنة . وعاء الضغط . دنيا أخرى .
× قصة ( اللفافة العظيمة ) :
امام اشتداد وطئة الفقر والجوع وشح الحياة في معاناة الفاقة والعوز . كان يضطر لسد جوعه اليومي , أن يبيع اثاث وحاجياته المنزلية , حتى ليأكل ليبعد شبح الجوع المؤلم , ولكنه انتهى من بيع كل شيء , ولم يعد يملك اي شيء يبيعه , مقابل وجبة بسيطة من الطعام , وظل على هذه الحاة المزرية يقرقر الجوع في معدته ثلاثة أيام . طرقت أمرأة متسولة , تعيش على عطايا الناس البسيطة لتطعم اولادها الايتام , وتدفع عنهم شبح الجوع , في جمع ما تحصل عليه من مواد غذائية من الناس , طلبت منه مساعدته بما يملك القليل من الخبز الى اطفالها اليتامى , سمح لها بالدخول , وعرفت حالته المزرية , واخرجت لفة الطعام , وطلبت منه مشاركتها في الاكل , رفض بحجة بأنه منذ قليل أكل وجبة طعامه . رغم ان الجوع يقرقر في بطنه . وطلب منها ان تعطيها الى اطفالها الجياع , واخرجت كعكة وطلبت منه ايضاً ان يتناول شيئاً منها , لكنه رفض بأن اطفالها اولى بأكلها , لكنها خرجت وتركت الكعكة في مكانها .وهو يتضور من الجوع المؤلم , لكنه كان يتحاشى ان يمد يده الى الكعكة ربما عادت واخذتها الى اطفالها , وظل على هذا الحال البائس والمرير في الاصرار في الممانعة في اخذ قطعة من الكعكة , وظل يبكي وينوح على الحياة المزرية . التي تدفع الناس الى التسول . ان معاني الدالة والبليغة , بأن القيمة الانسانية تحافظ عل الاباء والعزة والكرمة , حتى في الظروف القاهرة والمؤلمة .
× الكتاب : أعمامي اللصوص ( قصص )
× الكاتب : فيصل عبدالحسن
× الطبعة : عام 2019
× الناشر : وكالة الصحافة العراقية ( ناشرون ) الجيزة / جمهورية مصر العربية
× صفحات الكتاب : 143 صفحة
جمعة عبدالله