.
على أثر الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبيت الأبيض في الوقت الذي تتم التحقيقات ومساءلة الشهود في واشنطن بصدد الأزمة الأمريكية الناجمة عن علاقة الرئيس دونالد ترامب بالرئاسة الأوكرانية، يبدو أن الرئيس التركي الذي لم يهنم كما يظهر بما يحيط بصاحب البيت الأبيض من مشاكل، لم يحصل على ما كان ينشده من واشنطن، ألا وهو تلبية طلبه المتكرر بتصنيف (قسد) والحزب الذي وراءه، حزب الاتحاد الديموقراطي، كمنظمة إرهابية، على الرغم من أن (قسد) حارب لسنوات إلى جانب الجيش الأمريكي كقوات أرضية فعّالة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أشرس أعداء أمريكا والعالم الحر الديموقراطي، في حين أن جيش أردوغان كان يدعم مختلف المنظمات الإرهابية في المنطقة، بل على العكس مما تمناه السيد أردوغان من حليفه الأكبر في حلف النيتو، فإن الرئيس ترامب أكّد على العلاقة الجيدة لإدارته الأمريكية مع الكورد السوريين وأنه مستمر في تلك العلاقة التي تحوّلت عبر القتال إلى (أخوة في السلاح). والهجمات الشرسة للجيش التركي ومرتزقته مما يسمى بالجيش الوطني السوري على منطقة تل تمر في محافظة الحسكة إن دلّ على شيء فإنما يدل على استياء واضح وصريح لأردوغان من الموقف الأمريكي حيال الكورد في سوريا والعراق، الموقف الذي يبدو أنه لن يتغيّر فيما تبقى من عهد السيد ترامب، وبخاصة فإنه تعرّض ولا زال يتعرّض إلى نقدٍ واسع وفعال لسياسته السورية، على مختلف المستويات السياسية والثقافية في المجتمع الأمريكي لما اعتبره حتى مقربون منه ب” خيانة الحلفاء“، والمقصود بذلك “الكورد” في رأس قائمة الحلفاء على الأرض في سوريا.
هذا السيد أردوغان الذي يشبه عملاقاً وضع قدماً في موسكو والآخر في واشنطن، الذي يعتقد بأنه قادرٌ على اللعب بالعالم العربي بإسم الدين المشترك وباسرائيل بإسم المصالح المشتركة، يظن أن بإمكانه اللعب في ذات الوقت بالروس والأمريكان في العديد من الموضوعات والمسائل التي تعتبر “ذات أهمية بالغة” لدى الطرفين، وأهم الأمور هنا هو شراء السلاح الحديث من حلف النيتو الذي يسعى البعض لتجميد عضوية تركيا فيه، وشراء السلاح الحديث المعادي لسلاح النيتو من روسيا ولربما من الصين الشيوعية أيضاً، وهذا ما أوقعه في مطبة لن يخرج منها إلاّ بتنازلات عظيمة للطرفين المتنافسين المتعاكسين على الدوام، وهذا يعني عقد صفقات كبيرة بمئات المليارات من الدولار في مجال التسليح من هذا الطرف ومن ذاك، وهذا لن يكون مرحباً به من الشارع التركي الذي يسأل: في الوقت الذي لا يستطيع المواطن التركي شراء المواد الضرورية لعائلته يرمي السيد أردوغان بسلات المال فوق موسكو وواشنطن. ولاقناع الشعب التركي الغاضب بأهمية وضرورة شراء هذه الأسلحة المتطورة لابد من إيجاد أو استحداث “عدو“، وفي المنطقة ليس هناك من يهاجم أو سيهاجم تركيا بأسلحة منتجة حديثاً. فكان لابد لأردوغان من “توحيش الكورد” وذلك من باب تعظيم شأن “الإرهاب الكوردي!” والسعي لدى واشنطن وموسكو وطهران بأنه يحارب هذا الإرهاب، إلا أن واشنطن وموسكو وكذلك الشارع التركي يعلم أن “الكورد يطالبون بحقوق بسيطة يتمتّع بها كل شعبٍ على وجه الأرض” وأن الكورد لا يمتلكون أسلحة حديثة متطورة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن السيد أردوغان يسعى لبناء الأسوار والجدران والمستوطنات بين تركيا وسوريا، في الوقت الذي يهاجم اسرائيل بسبب الجدار الأمني في مناطق معيّنة من فلسطين، والسبب الأوّل في سعي أردوغان في هذا المجال هو إشباع شره بطانته الفاسدة من الأموال التي سيجنونها من جرّاء بناء مستوطنات تركوعربية–تركمانية في المناطق ذات الأغلبية السكانية الكوردية، مثلما استفادت شركات تركية مقرّبة من أردوغان من بناء المستوطنات الاسرائيلية واستحق عليها الأتراك نصب رأس معبودهم الطوراني مصطفى كمال في إحدى الساحات الاسرائيلية تقديراً للمساهمة التركية في بناء تلك المستوطنات، وبذلك يكون أردوغان قد ضرب عصفورين بحجرة: القضاء على الوجود الكوردي في شمال سوريا وإثراء الشريحة الفاسدة لعائلته وبطانته التي تلعب على أوتارٍ عديدة منها الظهور بمظهر الإسلاميين المدافعين عن الدين والشعوب الإسلامية المضطهدة. وفي الحقيقة، ما كان أردوغان لينجح في مساعيه الشريرة هذه دون وجود حاضن اجتماعي طوراني عنصري يساعده فيما يقوم به على مستوى الحكومة، وهذا الحاضن أعماه الحقد على الكورد أشد من كثيرين في المعارضة السورية (الديموقراطية – الإسلامية) وسرّاق الدجاج والأبقار، لدرجة أنه غير مستعد للإعتراف بجريمة مذابح الأرمن وبوجود الكورد كثاني مكوّن قومي في تركيا. وهذا ما سيؤدي بتركيا إلى الهاوية مستقبلاً لأن العالم في تغيّر مستمر ولن يقبل بهكذا عقلية مع الأيام.
وعليه، فإن مشروع التغيير الديموقراطي في الشمال السوري لن يتوقّف إلاّ بالضغط على أردوغان عالمياً وداخلياً، المشروع الذي بدأ بشكلٍ صارخٍ في منطقة جبل الكورد / عفرين في ظل تواجد الجيش التركي الذي يستخدم (الجاش) تحت يافطة إسلامية كاذبة وأخوة عربية – تركية لا وجود لها إلا في دائرة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية ذي الولاء للنيتو وللإخوان في الوقت ذاته، هؤلاء الذين دعموا صدام حسين أيضاً من قبل، ثم حاولوا التبرؤ منه حال سقوط عاصمته، وهذا المشروع ليس إلاّ محاولة إبادة
للشعب الكوردي والإبادة جريمة ضد الإنسانية حسب الشريعة السماوية والقوانين الأرضية. أما الضغط على أردوغان عالمياً فيقتضي التأسيس لخطاب كوردستاني موّحد وفعّال على الصعيد العالمي وذلك بشرح دقيق أمام كافة الأوساط السياسية والثقافية والفنية في العالم وعلى مستوى الحكومات والبعثات الدبلوماسية للشرور التي ستنجم عن مشروع التغيير السكاني في المناطق الكوردية في شمال سوريا، أما الضغط من الداخل، فيجب أن يبدأ بقوة وفعالية في منظمات المجتمع المدني الكوردستاني عامةً وفي شمال كوردستان خاصة، وعلى الكورد ألا ينسوا بعد كل ما صرّح به أردوغان ومحبّوه ومرتزقته السوريون من كره وحقد ومشروعٍ عنصري صريح تلك الحكمة التي تقول:
أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض.
جان كورد kurdaxi@live.com –