صلاح بابان
مرّ أكثر من عام على بدء الدورة الخامسة لبرلمان اقليم كردستان، بدت فيها المؤسسة التشريعية شبه غائبة عن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفق آراء كثير من الصحفيين والنشطاء كونه لم يقم بواجبه حتى مقارنةً مع الدورات السابقة مع وجود جملة قوانين معطلة منذ فترة طويلة كان من المفترض ان يصوّت عليها المجلس او يناقشها عاجلا مثل قانون الاصلاح في رواتب وامتيازات الدرجات الخاصة.
وسط الانتقادات الحادة التي توجه له حتى من قبل سياسيين ينتمون لأحزاب ممثلة في البرلمان سواء ما تعلق بعدم التحرك لتحسين الوضع المعاشي واقرار الاصلاحات في القوانين او ما تعلق بالموقف السياسي من الهجوم التركي على المناطق الكردية في شمال شرق سوريا، يرى البعض أن عدم قدرت البرلمان على اداء مهامه يعود الى تركيبة الحكم في الاقليم والى التشكيلة التوافقية لحكومة الاقليم الجديدة التي لم تترك مجالا للعمل المعارض، ما أدى الى جعل الخمول سمة الدورة الحالية لبرلمان اقليم كردستان.
وعقد برلمان الاقليم جلسته الافتتاحية للدورة البرلمانية الخامسة بحضور كافة الأعضاء المنتخبين في 6/11/2018 ومن كافة المكونات التي شاركت في الانتخابات النيابية.
ويتألف برلمان اقليم كردستان من 111 مقعداً، ويشارك في دورته الحالية 16 كياناً سياسياً تمثل تقريبا جميع الأحزاب والحركات الكردية اضافةً الى ممثلين عن المكونات كالتركمان والمسيحيين والأرمن.
ويأتي الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد بـ(45 مقعداً) ومن ثم الاتحاد الوطني الكوردستاني بـ(21 مقعداً) وتليه حركة التغيير بـ(12 مقعداً).
ويتفق معظم الصحفيين والنشطاء والمراقبين للشأن السياسي ان برلمان اقليم كردستان في السنة الأولى من عمر الدورة الخامسة لم يكن بالمستوى المطلوب، خاصة انه بدأ عمله بالعديد من المخالفات القانونية والدستورية فضلاً عن عدم قيامه بمهامه الرقابي بالشكل الصحيح مع وجود كم هائل متراكم من القوانين التي كان من المفترض ان يصوّت عليها أو أن يجري لها قراءات على الأقل.
يقول شيار حمدي، وهو ناشط مدني، ان رئاسة البرلمان الحالية رئاسة ضعيفة فهي من الصف الثاني للقيادات الحزبية وليس من الصف الاول الذي يتخذ القرارات او يصنعها، كما ان النواب عموما هم من الصف الرابع او الخامس من حيث الهيكل القيادي في احزابهم، وهذا ما يجعل تأثيرهم محدودا.. لم يعد القادة في الاحزاب يترشحون للبرلمان كونه بلا تأثير في الاقليم”.
ويضيف “للأسف البرلمان بدورته الحالية ومع غياب المعارضة ربما هو اضعف برلمان يعرفه الاقليم منذ 1992، فالنواب مثل موظفين يتلقون التعليمات، وهم حتى يعجزون عن عقد اجتماعات مؤثرة وليس اتخاذ قرارات او اصدار قوانين فاعلة”.
ويتابع “تصور هم قبل فترة اجتمعوا بعد اسابيع من الهجوم التركي على المناطق الكردية في شمال شرق سوريا وبعد ان اجتمعت برلمانات الدول العظمى والاتحاد الاوربي ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية وانشغل العالم كله بالملف، وفي النهاية اصدروا بيانا ضد مجهول فقد خلى من اي اسم لتركيا”.
أداء ومواقف ضعيفة
وتعتبر الدورة الحالية للبرلمان مقارنةً مع الدورات السابقة التي كانت هي ايضا محل نقد، أقل أداءً من ناحية سنّ القوانين أو التصويت عليها أو اجراء قراءات لها على الأقل، بحسب الصحفي الكردي أكرم فرج الذي قال في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان”: ان “البرلمان فشل خلال الأشهر الثلاثة الماضية في التصويت أو اصدار أي قانون جديد”.
ويضيف فرج وهو يحمل شهادة ماجستير في الآداب قسم اللغة الانكليزية، ان البرلمان فشل في متابعة ملفات الاتفاقيات المتعلقة ببيع النفط والغاز بالاقليم: “كيف يمكن لأعلى سلطة تشريعية في الاقليم ان تكون جاهلة وبعيدة كل البعد عن ملف بهذا الحجم يتعلق بقوت المواطنين ومصير الاقليم ومستقبل اجياله”، مؤكداً ان البرلمان “سيواجه صعوبات كثيرة وسيدخل في عجزٍ حاد اذا استمر على جموده هذا أمام الملفات المهمة والقضايا التي تخص المواطنين”.
ويؤيد فرج الرأي السابق بشان عجز البرلمان عن اتخاذ موقف تجاه ما يتعرض له الكرد في سوريا، مبينا ان “احدى أهم النقاط التي لم يكن برلمان الاقليم موفقاً فيها هو موقفه السلبي من الأحداث التي شهدتها مناطق غربي كردستان (شمال شرق سوريا) والهجوم التركي عليها”، مضيفاً انه كان من المفترض ان يكون للبرلمان “موقفاً حازماً ازاء هذه الهجمات يثبت وطنيته ووقوفه مع الشعب الكردي في غربي كردستان”، لافتاً الى ان “هذا الموقف جعل البرلمان في موقف لايحسد عليه”.
انشغال بالمشاكل السياسية
وانشغل البرلمان خلال السنة الأولى من عمره في الدورة الحالية، بحسب الصحفي الكردي “بالمشاكل السياسية بين الكتل وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التصويت على القرارات التي تتم بأغلبية دون مشاركة كافة الأطراف السياسية المشاركة في البرلمان وهذا ما يعكس الصورة الحقيقية لطبيعة المشاكل السياسية الموجودة داخل قبة البرلمان”.
إلا ان عضو البرلمان الكردي هاوري ملا ستار، يرى بأنه ليس من المنطق ان “نحكم على أداء البرلمان وفعالياته القانونية من خلال سنةٍ واحدة”، مؤكداً في حديثٍ خاص لـ”صباح كوردستان” ان “سنة واحدة ليست كافية لتقييم البرلمان أبداً، وانما يحتاج الأمر لفترة أطول”.
ويرى النائب الكردي ان البرلمان “واجه مشاكل كثيرة مع بدء تشكيله وممارسة عمله بسبب الصراعات السياسية الموجودة في الاقليم وهذا ما أخّر تشكيله لفترة طويلة”، مضيفاً انه “وسط التراكمات والمشاكل السياسية استطاع البرلمان ان يجتاز عقبات كبيرة خلال سنةٍ واحدة وصوّت على العديد من القوانين المهمة”.
وأشار الى ان “اللجان الرقابية الدائمية استطاعت ان تثبت جدارتها من خلال متابعة الملفات والقضايا التي تخص المواطنين وحياتهم وسط الصراعات السياسية الموجودة في الاقليم”، مضيفاً ان النقطة الايجابية للبرلمان خلال السنة الأولى من عمره انه “استطاع ان يجمع جميع الأطراف السياسية تحت قبّة واحدة”.
سلبيات تغيير رئاسة البرلمان
وتعقيباً على بطء البرلمان في مناقشة مشاريع القوانين، يقول النائب هاوري ان “التغيير الذي طرأ على رئاسة البرلمان انعكس سلباً على مناقشة بعض المشاريع القانونية اضافةً الى مشاكل أخرى”، مبيناً ان “الفترة المقبلة للبرلمان ستكون أكثر نشاطاً من الفترات الأخرى وسيتم التصويت على العديد من القوانين لاسيما فيما يخص المناطق الواقعة خارج الاقليم ضمن المادة 140”.
من جانبه نشر معهد”به ي” المعني بشؤون التربية والتنمية في اقليم كردستان تقريراً موسعاً عن أداء السنة الأولى للدورة الخامسة لبرلمان اقليم كردستان، مسلطاً الضوء على أبرز النقاط السلبية التي رافقت المجلس خلال المدة المذكورة.
ويقول تقرير المعهد الذي ترجمته “صباح كوردستان”، ان “البرلمان مؤسسة رقابية وتنفذ القانون إلا أنه للأسف المؤسسات التابعة للبرلمان لا تقوم بواجبها بالشكل المطلوب وخصوصاً (هيئة حقوق الانسان، هيئة النزاهة، ديوان الرقابة)”.
ومن النقاط “السلبية” التي سجلها المعهد في تقريره السنوي انه “استناداً الى المادة (121) من النظام الداخلي حددت التعليمات الخاصة بتعيين مستشارين للبرلمان، إلا أن البرلمان له عدد كبير من المستشارين، وخارج الأطر القانونية قام البرلمان بالتعاقد مع سبعة مستشارين بعيداً عن الاجراءات القانونية”.
وبحسب تقرير المعهد، فان الدورة الحالية للبرلمان شهدت اصدار قانونين فقط، وهذا ما لم يكن بالمستوى المطلوب مقارنةً مع عمر الدورة مع وجود لائحة من القوانين المهمة التي تنتظر الاقرار والتعديل، كما أصدرت الدورة الحالية أقل عدداً من القراءات للقوانين والبالغة أربع قراءات فقط.
عجز ومخالفات للقوانين
وأشار الى انه “استناداً الى المادة (118) من النظام الداخلي، فان البرلمان يكون له حراس ويكونون تحت أمرة رئيس البرلمان، إلا أن هذه المادة لم تنفذ وفق ما يفرضه القانون، وكما كان في السابق فان حراس البرلمان كانوا تحت أمرة الحكومة ولم يكن لهم أية علاقة برئيس البرلمان وليست له أية سلطة عليهم، وهذا ما يمهد الطريق لأي طرف يريد الهجوم على البرلمان أو البرلمانيين كما حصل في الماضي”.
وتابع: انه “استناداً الى الفقرة (3) من المادة (51) من النظام الداخلي، يكون يومي الثلاثاء والأربعاء من كل اسبوع خاصين بجلسات البرلمان، إلا أنه باستنثاء جلستي الافتتاح التي عقدت في 6/11/2018 و18/2/2019، والاعلان عن جلستين اخرتين، البرلمان لم يعقد في الدورة الحالية سوى (14) جلسة، في حين كان يفترض ان يعقد على الاقل (40) جلسة، وهذا ما يعتبر مخالف للقانون”.
وبحسب الفقرة (2) من المادة (30) من النظام الداخلي، التي تنص على ان تعقد اللجان جلستين على الأقل كل شهر، إلا أنه في الدورة الحالية التي تم تمديدها لأربعة أشهر و15 يوماً، كان من المفترض أن تعقد كل لجنة الأقل تسعة اجتماعاً، إلا أنها كانت مقصّرة جداً في هذا الأمر.
وببحسب المادة (41) من النظام الداخلي، تقوم اللجان الدائمة في البرلمان بالمتابعة وفقاً لاختصاصاتها وتقوم بالزيارات الميدانية وفق القوانين، إلا أنه ما لوحظ خلال الدورة الحالية، ان اللجان الدائمة لم تسجل إلا نسبة قليلة من المتابعات في مجال اختصاصها مع وجود مخالفات عدة في تنفيذ القوانين.
ويؤكد التقرير ان “رئيس البرلمان وقع في بعض الأخطاء القانونية والسياسية والبروتوكولية، وخالف النظام الداخلي للبرلمان والعادات المعمول بها في المجلس، منها ما يتعلق بكونها صاحبة أعلى سلطة في الاقليم وما يتعلق بمخالفةً البروتوكول، فقامت مثلا للتعبير عن المؤاساة في مقتل عضو في المخابرات التركية (ميت) في مطعم “هوقباز” بزيارة القنصلية التركية في أربيل”.
ويتابع “ما عدا مخالفةً العادات والقانون والنظام الداخلي، قامت هيئة رئاسة البرلمان بزيارة رئاسة الحكومة في وقتٍ كان من المفترض ان تدعو رئاسة الحكومة لزيارتها أو يجتمع الطرفان على الاقل داخل مبنى البرلمان، لكن ما حصل كان مخالف للقانون والنظام الداخلي”.