طالبو لجوء أمام مركز الإيواء الوحيد في العاصمة السلوفينية. الصورة: دانا البوز
.
على طريق البلقان، يعبر المهاجرون غابات وجبال وصولا إلى سلوفينيا. تتجاوز رحلة العبور من البوسنة إلى سلوفينيا عشرة أيام، ليصل معظمهم في حالة إنهاك، يأخذون قسطا من الراحة في البلد الصغير قبل أن يتابعوا رحلتهم. ورغم أن الأرقام تشير إلى وجود 4 آلاف طالب لجوء في البلاد، إلا أن مراكز الاستقبال التي لا تستوعب سوى 400 شخص كحد أقصى ليست ممتلئة، “90% من طالبي اللجوء يرحلون بعد بضعة أيام فقط”، بحسب أحد المسؤولين في مركز الإيواء الوحيد في العاصمة.
سماء متلبدة بالغيوم وأمطار تتساقط دون توقف. بخفة وإصرار يحاول الشاب العشريني القادم من المغرب المشي بأسرع ما يمكن، لكن خفيه البلاستيكيين لا يساعده على الإسراع والمشي في الوحل، “باغتتني تلك الغيوم” يضحك قائلا لشاب يقف إلى جنبه “على كل حال اعتدنا على المشي تحت الأمطار وفي هذا الطقس الغائم”.
يدخل مراد وأمين إلى صالة صغيرة تتبع لجمعية “فيلانتروبيا” لمساعدة المهاجرين. يسكبان كأسين من الشاي لتدفئة نفسيهما “تمزق حذائي بعد أن عبرت الغابات الوعرة، أمضيت 12 يوما بين الجبال والوديان من البوسنة وصولا إلى سلوفينيا”.
مراد وأمين في مقر جمعية “فيلانتروبيا” في العاصمة السلوفينية. الصورة: دانا البوز
في بلد لا يتجاوز عدد سكانه مليوني نسمة وتغطي 60% من مساحته غابات شاسعة، يمر المهاجرون آملين بالوصول إلى دول أوروبا الغربية. مراكز استقبال طالبي اللجوء في سلوفينيا لا تتسع سوى لـ400 شخص كحد أقصى. في العاصمة ليوبليانا يقع المركز الأكبر، “فيتش”، الذي يستوعب 200 طالب لجوء كحد أقصى من عائلات وأطفال ورجال عازبين.
نجحت محاولات الشابين المغربيين دخول الأراضي السلوفينية منذ نحو عشرة أيام. يروي مراد قصته لمهاجرنيوز “بعد أن وصلت إلى أولى القرى الحدودية، توجهت مباشرة إلى العاصمة مشيا على الأقدام. ذلك أطال من رحلتي 24 ساعة إضافية، لكني كنت أفضّل الذهاب إلى مركز استقبال طالبي اللجوء بنفسي خوفا من أن تعيدني الشرطة إلى كرواتيا”.
نحن بلد عبور لا يبقى فيه المهاجرون سوى لبضعة أيام
كالكثير من المهاجرين المارين عبر سلوفينيا، لا يرغب مراد وأمين بالاستقرار هناك، فهما يريدان إكمال طريقهما إلى إسبانيا أو فرنسا. “أتينا إلى هنا لأخذ قسط من الراحة بعد أن حاولنا عبور الحدود أكثر من مرة. نشعر بالإنهاك لكننا سنكمل طريقنا”.
يخطط الشابان للبقاء في البلاد لبضعة أيام، علهما يجدان حذاء يعينهما على عبور الحدود الإيطالية السلوفينية.”لا داعي لنكران ذلك، نعم نحن بلد عبور لا يبقى فيه المهاجرون سوى لبضعة أيام أو أسابيع قبل إكمال طريقهم باتجاه ألمانيا أو النمسا أو إيطاليا.. الكثيرون لديهم عائلات وأقارب في أوروبا الغربية”، تقول تينا كوتار، إحدى المسؤولات في مركز استقبال طالبي اللجوء “فيتش” الذي يقع على أطراف ليوبليانا في منطقة صناعية يندر فيها وجود مارة أو متاجر ومطاعم.
مركز استقبال طالبي اللجوء “فيتش” في العاصمة السلوفينية. الصورة: دانا البوز
وبات المهاجرون المارون يقدمون طلبات لجوء في سلوفينيا خوفا من أن يتم إرجاعهم إلى كرواتيا. ويوضح محمد، المهاجر الجزائري الأربعيني، لمهاجر نيوز “عندما نطلب اللجوء هنا، نحصل على مكان في مركز الاستقبال، على الأقل نستطيع النوم تحت سقف يحمينا من البرد والتشرد في الغابات الموحشة. أفضل بكثير من الظروف السيئة التي اضطررنا تحملها في البوسنة لعدة أشهر”.
منذ بداية العام، سجلت السلطات حوالي 14 ألف محاولة عبور غير شرعية. وتم تسجيل حوالي 9 آلاف إعادة إلى كرواتيا. وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 4 آلاف طالب لجوء منذ بداية العام.
رغم هذا الرقم المرتفع من طالبي اللجوء والقدرة الاستيعابية المحدودة في مراكز الاستقبال، لا توجد مخيمات عشوائية، وجميع طالبي اللجوء يستطيعون إيجاد مكان بسهولة في مراكز الإيواء.
“لدينا عدد قليل جدا من الأشخاص في مركز الاستقبال. حاليا يوجد 185 شخصا فقط. في الواقع، حوالي 90% من طالبي اللجوء الذين يأتون إلى مركز الاستقبال يختفون بعد بضعة أيام، إما أن تنجح محاولاتهم بالعبور إلى النمسا أو إيطاليا، أو يتم ترحيلهم إلى خارج البلاد”.
وعلى عكس مراكز الإيواء التي غالبا ما تكون مكتظة ويعيش فيها المهاجرون ضمن ظروف سيئة، الأمر مختلف تماما في سلوفينيا. أروقة مركز استقبال العاصمة ليوبليانا فارغة تقريبا، ولا تزال توجد أماكن إضافية في الغرف. الساحة المخصصة لألعاب الأطفال خالية تماما، ولا يوجد سوى بضعة أطفال صغار يلهون في إحدى الصالات.
الساحة المخصصة لألعاب الأطفال في مركز “فيتش” في العاصمة لوبلانا. الصورة: دانا البوز
“المشكلة الأكبر التي تواجهنا هنا هي الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية. لدينا العديد من الأشخاص المصابين بصدمات نفسية، يطلبون المهدئات، لكننا لا نستطيع إعطاءهم ما يطلبون، وبالتالي قد تحصل بعض التوترات الناجمة عن ذلك”، بحسب ما أكد مارتن نديلكو، أحد المسؤولين عن برامج اندماج اللاجئين في مركز إيواء العاصمة.
وتتقاطع قصص الكثير من المهاجرين على طريق البلقان، فأغلبهم تعرضوا للعنف من الشرطة الكرواتية أو وقعوا ضحية استغلال مهربين وتاهوا في الغابات لأيام قبل أن يجدوا طريقهم. وبذلك يصلون إلى سلوفينيا في حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي على حد سواء.
ويخضع المهاجرون لفحص طبي عام عند وصولهم إلى مركز “فيتش”. بعض المهاجرين يشتكون من نقص الرعاية الصحية، ويقولون إن ذلك يقتصر على الحالات الطارئة، إلا أن الرجل الجزائري يبدو راضيا “عندما وصلت إلى ليوبليانا كان أصبع يدي أسودا بالكامل، لأني تعثرت أثناء عبوري الغابة ودخلت بيدي أشواك نباتات يبدو أنها كانت سامة، لكني عندما وصلت إلى هنا أجروا لي عملية واستخرجوا المادة، ومضى الأمر بخير”.
ويستطيع المهاجرون الحصول على معاينة أسبوعية مع طبيب نفساني، ويقدم كذلك المركز أنشطة ودورات لتعلم اللغة.
يمشي المهاجرون في غابات سلوفينيا الموحشة لتجنب الشرطة وعبور الحدود. الصورة: دانا البوز
معالجة طلب اللجوء تستغرق أعوام
وعلى بعد حوالي 15 دقيقة مشيا على الأقدام من مركز “فيتش”، يستطيع المهاجرون الذهاب لتمضية بعض الوقت في مقر جمعية “فيلانتروبيا”، حيث توجد بعض الأنشطة الرياضية والثقافية، “يستطيع المهاجرون المجيء إلى هنا لتمضية بعض الوقت والخروج من أجواء مركز الإيواء ولقاء أشخاص جدد. مؤخرا قمنا بتنظيم عشاء مشترك”، بحسب ما يقول مدير المركز بريموش، “نعلم صعوبة ومخاطر الطريق، لذلك نحاول إقناع الأشخاص بالبقاء هنا ربما يجدون فرصة لحياة كريمة”.
رغم أن الأرقام تثبت أن أغلب المهاجرين يرغبون بإكمال طريقهم وطلب اللجوء في دول أوروبا الغربية، إلا أنه في بعض الأحيان يقررون وضع حد لرحلتهم الشاقة، “قطعنا جبالا وأنهارا، أمضينا أسابيع وأشهر على الطريق، لذلك قررت أنا وعائلتي البقاء هنا”، تقول امرأة عراقية في العقد الرابع من عمرها وهي تحمل طفلتها التي لم تبلغ عامها الأول، “تركنا العراق بحثا عن بلد آمن. هذا كل ما نريده. سنبقى هنا لأننا منهكون لا نريد إكمال الطريق الخطر”.
ومضى على وجود العائلة العراقية أكثر من ثمانية أشهر في سلوفينيا، ولا يزالون بانتظار الحصول على قرار طلب لجوئهم، فالحصول على الرد الأول يستغرق حوالي عام. وفي حال الرفض والسير بإجراءات نقض القرار، قد يستغرق الأمر أعواما “ثلاثة أو أربعة”، بحسب ما أكد مارتن نديلكو لمهاجر نيوز.