المظاهرات والاعتصامات والاقتراب من العصيان المدني تعم البلاد. فالإضرابات تتسع لتشمل فئات اجتماعية جديدة وتنظم إليها مهناً جديدة، إضافة إلى شمولها الطلبة والمعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس الثانوية والمتوسطة والابتدائية. الإضرابات والمظاهرات والتجمعات والتعبير عن الرأي حقوق مشروعة يضمنها الدستور بالمادة 38 الواضحة والصريحة، وهي التي تسقط أية قوانين صادرة قبل ذاك تتضمن تحريماً للإضراب أو التظاهر أو الاعتصام أو العصيان المدني، بما فيها ما صدر في عهد المستبد بأمره والحاكم باسم الاحتلال الأمريكي بول بريمر الذي منع الإضرابات. ولكن حاكم العراق القراقوش الجديد أصدر أمراً أميرياً عبر الناطق الرسمي باسم وزيري التربية والتعليم العالي بأن إضراب المدارس وغيرها ومن يدعو لها يحاكم وفق المادة الثانية، 4 إرهاب! فما هو نص هذه الفقرة 4 من المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005؟ الفقرة تنص على “العمل بالعنف والتهديد على اثارة فتنة طائفية او حرب اهلية او اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين او حملهم على تسليح بعضهم بعضا وبالتحريض او التمويل.” فهل إضراب الطلبة والمعلمين وغيرهم السلمي يتماشى مع منطوق هذه الفقرة من قانون مكافحة الإرهاب؟ كلا وألف لا، بل يتماشى مع استخدام السلطة للعنف ضد المتظاهرين. فهل يا أبناء وبنات شعبنا، بعد كل هذا وذاك، يخطئ من يقول بان الشعب العراقي يعيش تحت حكم قراقوشي فاشوشي فاشل تتعارض أوامره مع نص الدستور العراقي الذي، كما يبدو، لم يطلع عليه ولم يعرف بأن هذا القانون التظاهرات والإضرابات أبطله الدستور منذ صدوره عام 2005! أليس من واجب المحاكم العراقية محاكمة قادة الدولة العراقية منذ عام 2003 حتى الآن على وفق المادة 4 إرهاب، بسبب ممارسة الدول إرهابها الشرس والقاتل ضد الشعب المطالب بحقوقه المشروعة.
ذكرني هذا القراقوش الجديد أبو ريش المهلوس بقراقوش قديم كان وزيراً في عهد صلاح الدين الأيوني بمصر، إنه أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين قراقوش (ت 597 هجرية). تميزت احكام وأوامر هذا الوزير بالظلم والجبروت والقسوة على الرعية وكان شديد التقلبات وفاشل في تطبيق أحكامه وأوامره. فحصد نتيجة سياساته كراهية الناس وأصبح اسمه التركي قراقوش، الذي يعني “النسر الأسود”، بمثابة شتيمة ضد كل حاكم ظالم وفاشل في حكمه وأحكامه. وكان في عهد صلاح الدين شخصية أخرى هو المؤرخ اسمه الأسعد ابن مماتي (1149-1211م) أصدر في حينه كتابا بعنوان “الفاشوش في حكم قراقوش” عبر فيه عن طبيعة وسلوكيات هذا الحاكم الفاشل والفاشوشي الذي يصدر أحكاماً وأوامر يعجز عن تنفيذها، ويعبر بذلك عن غباءٍ شديد في التعامل مع المجتمع. وقد اعتاد الشعب أن يطلق صفة قراقوش على كل حاكم ظالم وجبان وفاشل في حكمه. جاء في موقع المعرفة عن هذا الكتاب وعن شخصية الكتاب الآتي: “ينتمي كتاب الفاشوش في حكم قراقوش إلى أدب الفكاهة والسخرية والهجاء ويمثل بحق أسلوباً فنياً بارعاً في تصوير الغرابة والشذوذ وإحداث المفارقة. وهذا الكتاب الذي أضحك أجيالاً ولازال يضحكنا، كتبه صاحبه باللغة العامية المصرية، ووصل به إلى أعرض الجماهير حتى صار قراقوش في المخيلة الجماعية للشعب مثالاً لكل حاكم أخرق ينحرف عن طريق العقل والمنطق في سلوكه وتصرفاته”. (المصدر: معرفة، الأسعد بن المهذب بن مينا بن زكريا بن مماتي، أخذ المقطع بتاريخ 19/11/2019).
في هذا العهد الجديد، في الجمهورية الطائفية الخامسة الفاسدة ظهر أكثر من قراقوش واحد، فقد انجبت الأحزاب الإسلامية السياسية، شيعية كانت أم سنية، مئات من الحكام القراقوشيين الذين حكموا العراق منذ نيف و16 عاماً كانت مليئة بالخراب والدمار والموت والجوع والحرمان ونهب خيرات البلد وإصدار الكثير من مقترحات قوانين قراقوشية، مثل قانون الأحوال الشخصية الجعفري أو قانون الانتخابات المعمول به حالياً أو قانون تشكيل المفوضية المستقلة للانتخابات … أو قانون الأحزاب … إلخ. وترأس هؤلاء القراقوشيون رئاسة الدولة ورئاسة وغالبية أعضاء مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء وغالبية الوزراء. وإذا كان البعض منهم ذكياً فقد وظف ذكاؤه للتخريب والفساد والإفساد بشراء الذمم والضمائر، كما هو حصل منذ العام 2005 حتى الآن في السلطات الثلاث. أما رئيس الوزراء الحالي والقائد العام للقوات المسلحة فينطبق عليه عنوان كتاب “الفاشوش في حكم القراقوش”. فهذا الرجل لا يتسم بالغباء الشديد وبالتقلبات الفكرية والسياسية الكثيرة والانتهازية الكارثية وحب المال فحسب، بل وبروح عدوانية ودم بارد ازاء من يقتل من المتظاهرين على وفق القرارات الصادرة عنه وازدراء للمجتمع. فهذا القراقوش الجديد أقسم على تشكيل حكومة كفاءات غير محاصصية وسينفذ إصلاحات يطالب بها الشعب منذ سنوات كثيرة وأنه سيكافح الفساد في البلاد ويقدم الفاسدين الكبار إلى المحاكم، وأنه سيقيم علاقات متوازنة مع دول الجوار وبقية دول العالم. ولكن ماذا حصل؟ ظهر ليس في كونه حاكماً فاشلاً فحسب، بل وتعمقت في فترة حكمه القصيرة المحاصصة الطائفية وكل سيئات من سبقه من حكام الأحزاب الإسلامية السياسية وفاق على بعضهم في إصدار الأوامر باستخدام العنف والرصاص الحي وقنابل الغاز القاتل وقنابل الصوت مما أدى إلى استشهاد المئات من المواطنين المتظاهرين وإلى جرح وتعويق أكثر من 16 ألف عراقي، وهو لا يزال مصراً على البقاء في الحكم كحاكم قراقوشي فاشوشي وفاشل. لق وجد خازوق الحكم نافعاً له. وأسوأ تلك السياسات اشتداد تبعية العراق لإيران ووليها الفقيه الدكتاتور وممثله الشخصي الجنرال قاسم سليماني، كما تفاقم دور الميليشيات الطائفية المسلحة المؤتمرة بأمر قاسم سليماني ومن جاء معه أو من العراقيين الخاضعين لقراراته. كما اتسع الفساد وتراجعت الخدمات العامة وتعطلت عملية التنمية كلية وأوقف استخدام الانترنيت لتجنب استمرار الاتصالات بين المتظاهرين، وهي جريمة بشعة يعاقب عليها القانون الدولي والدستور العراقي.
لقد صبر الشعب طويلا على ظلم النظام الطائفي والمحاصصي والفاسد والتابع. ولكن ضاق صدر الشبيبة حين تفاقم نهب الخيرات واتسعت ضائقة الناس وعمت البطالة بنسب عالية بين شبيبة العراق، فانفجرت الانتفاضة الشبابية بزخم لا مثيل له في العراق منذ عقود. فما كان من هذا الحاكم الفاسد القراقوشي غير استخدام إرهاب الدولة في مواجهة المنتفضين، وكان يظهر من على شاشة التلفزة، وهو يبتسم أو يضحك ويهدد بأجهزته القمعية الرسمية. غير الرسمية لتقتل بدم بارد المتظاهرين. كما ظهر هو وبقية الطغمة القراقوشية بالرؤساء الأربعة أو مع الأحزاب الحاكمة وهم يضحكون ساخرين من الشعب ومظاهراته ويقررون رفض مطالب الشعب الأساسية بإسقاط الحكم الطائفي القراقوشي الفاسد. يا عادل عبد المهدي، يا قراقوش العراق الجديد، تذكر دوماً بأن الشعب يمهل ولا يهمل، وعليك عدم نسيان ما حل بالحكام من أمثالك في هذا العراق، تذكر اسم الحجاج بن يوسف الثقفي وعبيد الله ين زياد بن أبيه وصدام حسين وغيرهم ممن وجدوا مكانهم المناسب في مزبلة التاريخ.