من أغرب وأكثر المطارات مثيرا للفضول هو مطار اسطنبول حيث يلتقي الشرق فيه بالغرب بل ويذوب بعضهما في الآخر، وتجتمع فيه كل أنواع من البشر من الابيض والأسود والأصفر، كل له طريقة في التعامل مع المدنية، وفي الحقيقة فقمة اللامدنية يمكن أن نشهدها في هذا المطار حيث يتصرف الجميع بغرابة، هذه الغرابة العادية التي يعتقد كل شخص فيها بأنه طبيعي…
هنا حبيبان غربيان يقبلان بعضهما بشغف أمام العامة دون أن يأبه أي منهما للناس أما السيدة التي تجلس الى جانبي تعبر عن امتعاضها لما تراه أمام عيناها فتدمدم بصوت خافت ” أستغفر الله، ألا يستطيعان الإنتظار والوصول الى البيت كي يقوما ما يقوما به الآن ” وفي الحقيقة فالسيدة ترميهم بنظرات ثاقبة وأتساءل في بعض الأحيان إن كانت هي الأخرى تتمتع بالمشهد كالآخرين..وها هو شخص آسيوي يقوم بحلاقة ذقنه بماكنة حلاقة أمام الجميع بدون أن يحرج نفسه للذهاب الى المراحيض ليحلق ذقنه الأصفرأمام عدم رضا الآخرين وهزهم لرؤوسهم لعدم موافقتهم لما يروه..وهنالك تركيين يتكلمان بصوت عال كما لو أنه لايوجد أحد سواهما في المطار ..
الكل يعبر عن عدم راحته كون كل شعب له صورة نمطية تميزه عن الآخرين وفي نفس الوقت فكل شعب يعتقد أنه على صواب كون الكل يحلل المدنية ويفهم معنى الحرية من وجهة نظره..فهنا لانتكلم عن الأخلاق التي تختلف من مجتمع الى آخر بل عن كيفية التصرف ضمن حدود الآداب أو ضمن حدود المدنية المعرفة من قبل المجتمع نفسه…وفي كل الأحوال فالجميع يتعايش مع بعضه بل ويتواجد في نفس المحيط، فأنا أحس أن هذا المطار كما المحيط الذي يتواجد فيه أنواع مختلفة من الأسماك تسبح في جميع الإتجاهات دون أن تصطدم مع بعضها البعض..فالكل يسافر الى جهة معينة والكل ليس هنا الا في محطة صغيرة تريه العجيب والغريب.فهنالك فتيات شبه عاريات يأتين ويذهبن بكل حرية وإنسجام مع قدود سوداء لا يظهر منها الا عيون رائعة الجمال…فالتضارب والتناقض غريب في هذا المطار…
أرتايت أن أذهب الى مطعم صغير قبل أن أبدا رحلتي الى الشرق، كان هنالك زوجان يبدو أنهما من دول الخليج العربي، كانت الزوجة ترتدي النقاب متشحة بالسواد من رأسها الى اخمص قدميها، ارتأت أن تمنح ظهرها للملأ وتضع زوجها في الواجهة، قدم الطعام الى الطاولة، كنت فضولية جدا في معرفة بل و رؤيتها كيف ستأكل أمام الناس فقد كنت جالسة في الطاولة المجاورة..وكانت تلتفت يمينا ويسارا كي ترى من ينظر اليها عندما تأكل من تحت النقاب..كان التوتر واضحا في عينيها السوداوين…لحظتها شعرت بالشفقة عليها بل وراودني شعور كما الإضطهاد..ووضعت نفسي في مكانها…هل تناول الطعام الذي هو أبسط شيء نقوم به يجلب كل هذه الحيرة والقلق من عيون الاخرين…شعرت بالأسى…بالحزن…وبدأ رأسي الصغير يتذمر رغم محاولتي إسكاته..ولكنه كان يحتج فينة ويعترض فينة اخرى رغم إنني ناشدته الهدوء وشرحت له أن كل شخص حر في كل ما يعتقد ويؤمن ولكنه بات هائجا وفي النهاية تعيسا وفضل السكوت…
في خضم كل ما أشاهده في المطار واحلله واحاول أن أجد له تفسيرا وجدت نفسي أتفاعل مع كتاب ” الجنس الآخر” للفيلسوفة الفرنسية سيمون دو بوفوار، كتاب بدأت بقراءته في فرنسا وجلبته معي في سفري فلطاما أحببت اسلوب هذه الكاتبة وليس ضرورة مشاطرة آرائها…فالكتاب يتحدث عن المرأة ولماذ نطلق عليها “الآخر” أو “الجنس الثاني”…من نساء يتم تعريفهن بأنهن ” حيوانات ولكنها لاتعيش في حظيرة او اسطبل” الى نساء لهن دور القادة ويلعبن دورا مهما في مراكز إتخاذ القراربفضل الحركات النسوية التي ظهرت في القرن الماضي..قد لا اتفق مع الفيلسوفة في التطرف في التعامل مع قضية المرأة من خلال الحركات النسوية..وفي نفس الوقت لا أتفق مع تهميش دور المرأة وجعلها سجينة ثوب اسود.. فالحقيقة عندما أفكر بالأمر أجد أنني لاأنتمي الى كلتا الحالتين المتطرفتين، والغريب أنني لا أعيش ضمن إطار مربع الزوايا …لذا فأنا لا انتمي الى الحركة النسوية التي تدعو اليها دو بوفوار وفي نفس الوقت فأنا لست القانعة المقتنعة بكل ما يفرضة أي مذهب او دين علي…هنا أشعر بطعم الحرية وأتذوقها بروحي بعيدة عن كل زنزانات الايديولوجيات العتيقة والحديثة….