لاشك ان المفكر الاسلامي الاستاذ ( حيدر الحدراوي ) برز كمفكر اسلامي متنور في اطروحاته وتحليلاته القيمة في اغنى الفكر الاسلامي في البحث والدراسة والتحليل , وتميز في غزارة نتاجاته الفكرية . ومنها عمله في البحث ( تأملات في القرآن الكريم ) في خمسة اجزاء لحد الآن . وبما يقدمه في ثقافة تنويرية هادفة ورصينة في تحليلاته الموضوعية . لذلك له محاولات تجريبية في فن السرد الحكائي . يقدمها في حكايات تراجيدية , تتحدث عن الوجع الواقع العراقي , في معاناتها متشظية في الوجع والقهر , . بين قهر ومعاناة في زمن النظام البعث الفاشي . وكذلك القهر والمعاناة في العهد الحديث , الذي جاء على انقاض العهد القديم , ولكن ظل العراق بين قهرين في زمنين ( القديم والجديد ) لا فرق بينهما في الانتهاك والظلم والقهر , وسلب القيمة الانسانية وكرامتها , في الظلم والحيف . لذلك يقدمها في اسلوب مشوق في السرد الحكائي , يحمل النقد والانتقاد والسخرية والتهكم . الى حد المهازل الساخرة . والمجموعة القصصية ( عراق مابين القهرين ) تبرز اشكال متنوعة من اشكال القهر الاجتماعي والسياسي , في حجم المعاناة بالفجيعة العراقية ومحنتها . في التراجيدية المأساوية , أو الى السريالية الساخرة في مهازلها. بينما العراقي يتجرع همومها وسمومها بالمعاناة القاسية وخاصة الشرائح الفقيرة , المظلومة والمسحوقة . لم تنصفها الازمنة عبر مراحل القهر والاستلاب , في الصراع الحياتي على لقمة العيش . في واقع مثقل بالزيف والانتحال والشيطنة . في واقع جاف ومتيبس, في مفارقاته السلبية , التي تؤثر سلبياً على سايكولوجية الانسان العراقي . كأنه يصارع قوى جبروتية متعددة الاشكال والاطراف . في وطن مسلوب بالظلم والطغيان , والمواطن محاصر ومخنوق بقيود لا فكاك منها . تجعله فريسة الضياع والاحباط والانكسار . هكذا تلتقط وترصد المجموعة القصصية مفردات الواقع الفعلي , في سردها الحكائي , بلغة بسيطة وواضحة , في الشحن الانساني المؤلم . في الرؤية والايحاء والمغزى الغزير والبليغ . نجد في نصوصها وحكاياتها , صورة العراق من كل جوانبه , بالمواقف الدرامية والحرجة , وبعضها الى الهزل الاسود . لذلك يجد كل عراقي ملامح من صورته . وخاصة من اكتوى بنار المعاناة . لذلك تربط المجموعة بين الحلم الضائع , وبين الحرية المسلوبة . متجسدة في ثنايا السرد الحكائي , بكل تداعيات وتجليات الواقع . وتضم المجموعة على 37 قصة موزعة على خارطة الوجع العراقي , نقتطف البعض منها في أيجاز شديد .
1 – قصة ( الباص ) : منصات رؤية النص في المغزى العميق والبليغ , تختصر الحالة العراقية برأس النظام المقبور ,حين انحرف عن جادة الصواب , مثل سائق الباص انحرف عن الطريق المبلط الى الطريق الصحراوي المليء بالحفر ومطبات والمتعرجات حتى توفي على مقود قيادة الباص . وبعدها نشبت نار العراك والتشاجر والتنازع حتى لعلع الرصاص واستخدام السلاح , من هو يملك احقية في مقود قيادة الباص بينما الركاب المستضعفين وقفوا في دور المتفرج . ولكنهم نظروا الى أبليس جالس على مقود قيادة الباص .
2 – قصة ( البحث عن تعيين ) اسرع احدهم من يحمل مؤهلات الكفاءة الى المدير , في شأن التعيين , استقبلوه المدير بكل ترحاب وحفاوة ووعده بالتعيين المؤكد , لكنه في زمن الحملات الانتخابية وهو مرشح في الانتخابات . وعند فوزه سيكون تعيينه بحكم المؤكد فعلاً , وطلب منه المساهمة في الترويج الدعائي له , في حمل البوسترات واللافتات وتوزيع البيانات وغيرها , فوافق وساهم بنشاط فعال , يخرج في الصباح ويرجع في اواخر النهار متعب ومرهق , بسبب الوعد بالتعيين . ونجح المدير بالفوز في الانتخابات , فذهب اليه فرحاً بأن التعيين اصبح بحكم المؤكد كما وعده , . ولكن المدير الفائز كان يوعده في كل شهر يقول له في الشهر المقبل , في كل مرة , حتى طالت المدة وجاءت الفترة الثانية من الحملة الانتخابية , وطلب منه ايضاً المساهمة في الدعاية الانتخابية , لكنه رفض بسخرية وتهكم وقال ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ).
3 – قصة ( الديك ) : قبل ان تتوفى أمه أوصته برعاية الدجاجات والديك . حتى يحصل على قوته اليومي , فرعى الدجاجات والديك وامتنع عن الذبح واكتفى في بيع البيضات , محافظاً على وعد أمه الراحلة . ولكن جاره اصبح مديراً بعد الانتخابات وبنى قصراً بجواره وسد الطريق مسيجاً بالكتل الكونكريتية , حتى كان يشكو صعوبة بالغة في الدخول والخروج من بيته , ولكن ديكه المشاغب تولى الامر بأخذ ثار صاحبه , فكان يتسلق السور العالي ويصيح باعلى صوته في الهزيع الليل الاخير , وخاصة يرجع المدير من سهراته في اخر الليل , فلم يعد يستطيع ان ينام من ازعاجات الديك المشاغب . فأستدعاه صحاب القصر الى مكتبه , وذهب اليه وجد حشود مزدحمة من الناس تنتظر معاملاتهم المكدسة في مكتب المدير . فحين دخل عليه واجهه بتعالي واستخفاف واحتقار , وطلب منه منع الديك من التسلق على السور وازعاجه في اخرالليل . ولكن الديك المشاغب لم يرضخ لصاحبه , فتسلق السور , فما كان من حراس القصر , إلا ان اطلقوا عليه النار واردوه قتيلاً , هذه حقيقة الذين يتولون المناصب يخرجون عن السلك والادب الانساني المتواضع , الى الوحشية والمعاملة الخشنة .
4 – قصة ( المعطف ) هاجر مع صديقه الى بلدان المهجر ولم يحمل معه سوى المعطف , الذي اهدته اليه بنت عمه . فحين تحسنت احواله في اوربا , ارد ان يتخلص من المعطف برميه في اي مكان , وباي وسيلة كانت , ولكن المعطف يعود اليه بعد كل محاولة , حتى عجز من كثرة محاولات التخلص من المعطف , ويعود اليه , وفي اخر محاولة فاشلة , وحين عاد اليه , تيقن ان جني في داخله , ففتش جيوبه , ووجد ورقة بداخله وحين فتحها وجدها مكتوبة هذه العبارة ( بلادي وان جارت عليَّ عزيزة ) يعني البلد الاصلي لا يمكن ان يمحى من الذاكرة . ولا يمكن الانفصال عنه , فيظل الشوق والحنين والاشتياق يداعب الوجدان والمشاعر .
5 – قصة ( زوريات أم عليوي ) أمرأة فقيرة تستيقظ باكراً كل صباح , وتذهب مكان بيع السمك ( العلوة ) فتشتري صغار السمك ( الزوري ) لانها لا تملك المال , وتفترش الرصيف وتبيعه من اجل تأمين رغيف الخبز الى ( عندي كومة من الايتام ) . ولكن موظف البلدية ( كريم ) يمنعها من البيع على الرصيف , وبعد توسلت بأنها تعيل ايتام , يتركها , وصدفة تمر دورية امريكية , ويرون السمك على الرصيف , ويصيح احد جنود الدورية : هذه جريمة crime . فهي ظنت بأن ( كريم ) ارسلهم فصاحت عليهم , فذهبوا , ولكن فجأة جاءت سيارة الشرطة , لتسجنها لانها تحتجز الرصيف , ولكن فجأة اخترقت سيارة مفخفخة , فتطايرت الاشلاء مع السمك , واصيبت ( أم عليوي ) بجروح بسيطة , يعني هذه حال المواطن في الترجيدية المأساوية , حتى لا يجد مكان لرزقه .
6 – قصة ( شلش والكهرباء ) معاناة المواطن في الانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر طوال اليوم مع قيظ الصيف الساخن وهبوب العواصف الترابية , يتجمعوا في غرفة ضيقة , وكلما تدب الحرارة في التيار الكهربائي , يصيح ( شلش ) بصلواته ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) وطوال اليوم يردد هذه اللازمة . فعجز عن الشكاوي التي لا تجد أذناً صاغية , فيعود الى البيت يلوكه القهر والحسرة من الارهاق الذي لا يحتمل . من انقطاع التيار الكهربائي والعوصف الترابية في عز الصيف الملتهب . حتى قضى نحبه .
7 – قصة ( صخي ابو الفلافل ) رجل مسن فقير , ليس لديه مورد مالي سوى كشك صغير على تقاطع الطريق العام , يبيع به لفائف الفلافل وبعض الحلويات والمشروبات , حتى يعيل عائلته الفقيرة . فكانت حركة السيارات والباصات ايام الحرب العراقية الايرانية مزدحمة , يتم نقل الجرحى أو الذين ذاهبين الى جبهات القتال , فكانوا أزلام البعث في لباسهم الزيتوني يمرون عليه بشكل متواصل , يأخذون لفائف الفلافل ولا يدفعون ثمنها . بحجة المجهود الحربي , وفي يوم من الايام جاءوا أزلام البعث كعادتهم بأخذون لفائف الفلافل , وكان معهم اسير مقيد اليدين فعطف عليه وناوله لفة فلافل , جزع ( شلش ) بأنه يخسر من لفائف الفلافل مجاناً وتجرأ وطالبهم بالثمن , فقال له احد البعثيين , ان يذهب الى محاسب الشعبة ويأخذ الثمن , فذهب ولكنه ظل يدور داخل البناية يفتش عن المحاسب حتى انهكه التعب والارهاق , حتى وجده , فتقرر منحه عشرة ألآف دينار ’ ولكن المحااسب قطع خمسة الاف دينار رشوة . وكان كلما يتقدم يطالبونه بالف دينار , فلم يبق سوى اسماله التي يرتديها , فخاف ان يأخذونها ويطردونه عارياً فأنهزم بريشه , ولكن بعد سقوط البعث تنفس الصعداء بمجيء الفرج . وفي يوم من الايام ترجل ذلك الاسير الذي عطف عليه بلفة فلافل . كان في موكب طويل وعريض وحماية مدججة بالسلاح . فأمرهم بأزالة الكشك بدعوى بأن صاحبه كان متعاون مع البعثيين .
8 – قصة ( مكبرات الصوت ) معاناة المواطن اصبحت اخطبوطية متعددة الاطراف وليس لها نهاية , وهي اشبه بالمغامرات المرهقة والمتعبة , فمن السعي الى الحصول على قناني الغاز لطبخ , الى توفير الوقود ( بنزين ) الى المولدات الكهربائية , بسبب انقطاعات التيار الكهربائي عدة مرات في اليوم , الى تخزين الماء في حالة الانقطاع . يعني يرجع المواطن في اخر النهار منهوك القوى بالتعب المرهق , وحين يروم الراحة . تطن في أذنيه مكبرات الصوت باصواتها المزعجة . كأن المواطن مسلوب الارادة والحرية خارج البيت وداخل البيت .
× الكتاب : عراق مابين القهرين / قصص
× تأليف : حيدر الحدراوي
× الطبعة الاولى : عام 2014
× عدد الصفحات : 219 صفحة
جمعة عبدالله