الطبقة السياسية التي جأت الى الحكم في العراق بعد 2003 حاولت تصفية بعض القضايا التي تتعلق بالنزاع حول الاراضي بين الحكومة المركزية وإقليم كوردستان، فشرعوا مادة دستورية تحمل رقم (140) من الدستور العراقي لسنة 2005 الخاصة بالمناطق التي تسمى “االمتنازع عليها” وهي تتعلق بمصير محافظة كركوك وعدد من الاقضية والنواحي التابعة لمحافظة الموصل ومن ضمنها مناطق الايزيديين في شنكال وسهل نينوى، هذه المادة التي تحولت في السنوات اللاحقة بعد اصداره الى معضلة أكبر بدلآ من حلها، ورغم الادعاء ان هذه المادة الدستورية يمكن تطبيقها من خلال ألأليات القانونية التي رسمت لها من حيث التطبيع والاحصاء والاستفتاء، لكنها تحولت الى نقطة نزاع كبيرة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة المركزية ومرت القضية بتقلبات وتغيرات اصبحت جميعها مرتبطة بمدى قوة و ضعف طرفي الصراع، حيث كان من المقرر وحسب السقف الزمني الذي وضع لتحديد مصير تلك المناطق أن تنتهي هذه المشكلة بحلول نهاية سنة 2007 ولكن الذي حدث لم ينهي المشكلة فحسب بل زاد تعقيدآ اكثر واكثر.
لم يخطو الحكومات العراقية المتعاقبة التي تشكلت منذ سنة 2005 أية خطوة تذكر باتجاه تطبيق مادة 140 لا في مناطق محافظة كركوك الغنية بالنفط او بقية المناطق في نينوى، وبالمقابل حاولت القيادة الكردية اتخاذ أجراءات وممارسات من باب سياسة فرض الامر الواقع، فأهتمت نسبيا بهذه المناطق من ميزانيتها الخاصة عن طريق أنجاز بعض المشاريع الاقتصادية والخدمية الصغيرة (والتي لم تكن في مستوى طموح الاهالي) لكنها كثفت تواجدها العسكري والامني والحزبي، بحيث ورغم عائدية هذه المناطق رسميا الى السطلة المركزية لحين الانتهاء ن تبيق المادة (١٤٠)، الا ان السلطة الاولى كانت قد أصبحت خاضعة للقيادات الكردية في تلك المناطق كركوك وتوابعها أصبحت ضمن نفوذ الاتحاد الوطني الكوردستاني بينما المناطق الأخرى في محافظة نينوى لاسيما سنجار وسهل نينوى خاصة مناطق الايزيدية الذي هو محور موضوعنا، أصبحت خاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ومع تواجد عسكري ورسمي من الحكومة المركزية، فقد أستمر الاوضاع على ذلك المنوال حتى عام 2014 ، عند غزوة داعش وأحتلالها لعدد من المدن العراقية ومنها محافظة الموصل وأنسحاب كامل المنظومات العسكرية والأمنية التابعة لحكومة بغداد وتخلت عن تلك المناطق تحت أرهاب داعش، وكان هذا المتغير الاول الكبير الذي عصف بمصير مناطق مادة 140 من الدستور فأستغل القوات العسكرية الكردية الفراغ الامني والسياسي الذي حدث فجأءة في بعض تلك المناطق وفرض سيطرتها عليها من خلال شريط حدودي مع سلطة داعش التي امتدت من شنكال الى مناطق كركوك والاعلان عن أنتهاء النزاع حول مصير مناطق مادة 140 وتطبيق المادة وفق الامر الواقع والظروف الجديدة، وصرح رئيس أقليم كردستان أنذاك مسعود البرزاني، في 27 حزيران 2014 أن مادة 140 أنجزت وانتهت بدخول القوات البيشمركة الى كركوك وبقية المناطق، وكان هذا الامر متعلق بمصير مناطق الايزيديين أيضأ، فعززت ذالك من أرادة التوجه الايزيدي الذي كان يدعو الى تطبيق مادة 140 لصالح رجوع مناطقهم الى أحضان إقليم كوردستان وفي أعتقادي كانوا الاغلبية أنذاك .
ولكن الذي حدث كان اكبر من حسابات الكل فتوجه داعش نحو احتلال مناطق الايزيديين ضمن محافظة الموصل وحدث كما هو معروف، الفرمان الـ ٧٤ بعد غزو شنكال وبعشيقة وبحزاني وكانت نتيجتها القتل والدمار والخطف والاغتصاب والسبي وهتك الاعراض والتشرد والعيش تحت وطئة المخيمات والهجرة والمطالبة بالهجرة الجماعية، فكانت ابادة جماعية بكل معنى الكلمة وكأنة مشروع ظهور و أختفاء داعش قد أنجز خصوصأ للقضاء على الايزيديين، وكل ذالك حدث بعد الانسحاب الذي سمي بـ”التكتيكي” لكامل المنظومة الأمنية من قوات البيشمركة والاسايش والاستخبارات من شنكال دون مقاومة وترك الايزيديين ومصيرهم تحت رحمة أرهابيي داعش الذين فعلوا بالايزيديين أبشع الجرائم، وهكذا تعرض المجتمع الايزيدي بالكامل الى صدمة كبيرة جعلته يفقد الثقة بجميع الاطراف لأنهم وجدوا أنفسهم وحيدون فريسة سهلة للأرهابيين، فانتجت ذلك قناعة لدى هذا المجتمع بأنه ليس للأيزيدي غير الايزيدي من الناحية الانتماء الديني، لاسيما في الايام الاولى من الفرمان – ونقول هذا لأن رأيي البعض قد تغير في الوقت الحاضر- فبرز الى السطح التوجه الثاني في رأي الايزيديين أي الحكم الذاتي للأيزيديين تحت حماية دولية، وعقد في السنوات الاخيرة الماضية العديد من المؤتمرات و الندوات الدولية والمحلية للأيزيديين بالاضافة الى دور الناجيات الايزيديات اللواتي تحولن الى ناشطات مدنية على مستوى العالم وهم يطالبون بالتحقيق في الجرأئم التي أرتكبتها داعش بحق الايزيديين وأعتبار ما حدث لهم هي جينوسايد وبالتالي تعويض الايزيديين ماديا و معنويأ ومن ضمنها أسناد ادارة مناطق الايزيديين اليهم وجعل المسؤولين والاداريين منهم وليس من غيرهم، وهذا التوجه اصبح الاول بين الايزيديين الأن لاسيما في ظل الحكم الطائفي المحاصصاتي الذي انتجه الديمقراطية العراقية بعد 2003.
وبالرغم من أن قوات البيشمركة قد حررت مناطق الايزيديين في شنكال وبعشيقة وبحزاني في مراحل منفصلة خلال سنوات 2014 و2017 وعادت أليها ولكن ليس بنفس القوة ونفس الظروف التي سبقت أحتلالها من قبل داعش لاسيما بعد تشكيل قوات جديدة من الايزيديين تتبع ايديولوجيا مؤسس حزب العمال الكردستاني وتسمى قوات مقاومة شنكال ثم قوات أخرى باسم قوات حماية أيزيدخان وهكذا تغيرت شنكال من المعادلة السياسية فيها فلم يغير من التوجهات الايزيدية كثيرأ.
ان مرحلة ما بعد داعش في العراق فقد حمل معها أيضأ تغيرات وتقلبات حول مصير مناطق مادة 140 فبعد تحرير الموصل أخر معقل رئيسي لداعش من قبل الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي –ذات الأغلبية الشيعية– أستمر هذه القوات بالتوجه شمالآ نحو مناطق كانت خاضعة لسلطات إقليم كوردستان وهددت القوات الكردية بالخروج من كركوك وباقي مناطق 140 وتخندق الطرفان القوات الكردية و قوات العراقية أمام بعضهما بأنتظار تطورات الاوضاع لاسيما بعد ان قام حكومة الإقليم في 25 ايلول 2017 بأجراء أستفتاء من طرف واحد رغم معارضة عراقية وأقليمية ودولية الامر الذي منح فرصة كبيرة لحكومة المركز لتسيطر على مناطق التي سبق وان استعادتها قوات البيشمركة من داعش فأنتصرت الرغبة العراقية على طموحات الكورد ، بعد احداث 16 اكتوبر2017 وانسحاب قوات الاتحاد الوطني الكردستاني منها وتعرف عند بعض الأطراف الكوردية “بخيانة كركوك” بالمقابل يشببه البعض انها كخيانة شنكال، لتعود مناطق 140 الى الحكم المركزي والحشد الشعبي ولكن بخصوص مناطق الايزيديين من مادة 140 فالتغيرات مستمرة و نحن نسمع الاخبار في الاونة الاخيرة بأنسحاب الحشد الشعبي من شنكال لتعود الاوضاع الى المربع الاول بسبب الفراغ الامني الذي سيحدثه هذه الانسحاب.
أفضل الحلول.
أثبتت التظورات السياسية الحاصلة منذ 2005 والمتغيرات التي حصلت على مصير مناطق مادة 140 أن هذا المادة الدستورية قد ولد ميتأ وليس هناك رغبة في تطبيقه من جانب الحكومة المركزية وفق ألالية القانونية التي رسم له كما ان مصيره مرتبط بطبيعة الصراع بين المركز و الاقليم حول السيطرة على هذه المناطق، فكلما ضعفت الحكومة المركزية تزداد قوة حكومة الاقليم وتتوسع نفوذها في تلك المناطق وبعكسها وكما هو الحال في الوقت الحاضر فأن سيطرة المركز قد أحكمت على المناطق المذكورة بعد قضاءها على داعش وتقوية موقفها .
أذآ لابد أن ننتظر الى أين يتجه هذا الصراع في السنوات الأربع القادمة من عمر الحكومة العراقية بعد انتخابات ٢٠١٨، التي من المؤمل تشكيله خلال الأسابيع او الاشهر القادمة، فهناك مطالبات كبيرة من جانب الكرد بالعودة الى تلك المناطق أداريآ وعسكريأ مقابل مشاركتهم في التشكيلة الحكومية والايام القادمة سيكون سيد الموقف وقد تتوضيح الأمور الأكثر/ ولكن أين موقفنا كاايزيديين من هذا الصراع على مصيرنا كأقلية دينية في العراق وأغلبية في تلك المناطق ( أقصد شنكال و سهل نينوى) .
أعتقد أن الحديث عن حكم ذاتي للأيزيديين تحت حماية دولية أمر بعيد المنال وصعب جدآ في ظل هذه الظروف الدولية والاقليمية والصراع على المصالح ومناطق النفوذ بين القوى الكبرى في الشرق الاوسط، وكذلك تشتت كلمة الايزيديين وتفرقهم بين توجهات ورؤى مختلفة بل ومتضادة وأفتقارهم للمرجعية السياسية وضعف تاثير المرجعية الدينية في لالش وأستغلالهم من قبل الاحزاب الكردية الرئيسية كورقة أنتخابية وقت الحاجة فقط .
لذلك أفضل الحلول الواقعية هي ان تتطالب جميع الاطراف الايزيدية من الاحزاب ونواب الايزيديين والتشكيلات العسكرية في شنكال والمرجعية الدينية في لالش والشخصيات الثقافية والناشطين والناشطات وغيرهم مع أتفاق استراتيجي مع الاطراف المسيحية، من بغداد وأربيل بأستحداث محافظتين واحدة في شنكال واخرى في سهل نينوى وجعل الحكم فيهما ذاتيآ او ما يسمى بفيدرالية المحافظات وأختيار المسؤولين والاداريين من سكان المحافظة بانتخابات نزيهة دون تدخل الاحزاب الكردية او العربية العراقية فيها .