دعاء أبو سعدة
الشاعر “بدل رفو” يتنفس الشاعر كما يتنفس البلبل هواء الصباح ويرسل تغريداتة العذبة على سفوح التلال فتخضر الطبيعة بجمالها وترتدي ثوبها السندسي الأخضر الجميل، تحسبة يعزف موسيقى وموسيقاه المعبرة عن روح الوطن.
والوطن ينبض في دقات قلبة يبهر السامعين وتجعلهم يشتاقوا و يحنوا إلى أوطانهم، وإبداعه في تحويل عشقة في التجسيد الشعري لكتاباتة و ترجماتة.
القصيدة لدية تحمل نظريات ورؤى تحليلية مباشرة أو ضمنية ووسائل نفسية واعية، وتراه في الترحال الثقافي ملحقا بين جغرافيا الكون المتعددة بلغاتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها مرورا من الهند ومصر والمغرب وباريس وكورواتيا إلى بلاد أخر كثيرا كما سردها في كتابه العالم بعيون كوردية.
وبدل رفو هو كتاب مفتوح، إنسان عالمي مرهف الحس متواضع منفرد ومتفرد بنفسه يحمل في دواخلة هموم شعبة، كوردي الأصل نمساوي الجنسية من كردستان العراق نال العديد من الجوائز والتكريمات الدولية، ومنح المواطنة الشرفية من شفشاون المغرب 2018، وإليكم هذا الحوار الخاص.
من هو بدل رفو؟
إنسان عشق الأقوام والشعوب والأوطان والشعر والترجمة والترحال وكل هدفه أن يشيد جسرًا انسانيا مشيد من السلام واحترام الرأي الأخر والتعايش السلمي، ولد في بيئة فقيرة في كردستان العراق ودرس اللغات في بغداد ونشر نتاجه في الصحف والمجلات العربية والكردية وضمت قصائده إلى موسوعات باللغة الالمانية.. من الصعب أن يتحدث الإنسان عن نفسه!
في الترحال من بلد لأخر، رحلة قصيدة يبحث فيها عن شيئ ووجودنا رحلة على مدار العمر، فماذا اكتشفت في المغامرة والترحال وماهي المعاناة التي واجهتك!!
اكتشفت بوابة حية صوب أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لكون أدب الرحلات تستقى معلوماته من الحقائق والمشاهدات الحية وكذلك هي متعتي في الحياة في التعرف على الأقوام والشعوب وعاداتهم وتقاليدهم وكشف المجهول ومعرفة الحقيقة والاستمتاع بمشاهد التاريخ ومعالم الحضارات ومظاهر الحياة والمجتمع وما تحمله من خيال وطبيعة بين ثنايا بحار ووهاد وجبال، وقيل بأن في الرحلات 7 فوائد ولكني رأيتها كلها فوائد ونجاح المغامرة والرحلة تتوقف على مدى نجاح الكاتب المغامر أو الرحال في كتابته في أدب الرحلات وخاصةً على الناحية الوجدانية وماذا يخلفه الأديب الرحال على قراءه..!!
وتختلف المعاناة التي واجهتني من بلاد إلى أخرى مثلا، أنا أعيش وسط البسطاء ومعاناتي كانت نفسية بقدر ماهي أكبر من المادة أو اللغة أو أي شيء آخر فمثلًا، حين رأيت أكثر من نصف مليون شخص يرقدون في مقابر الغرافة في القاهرة مقابل مشيخة الأزهر وهم سعداء وهم يقولون (يابيه المهم مصر تكون بخير)، لم أرى شعبا في رحلاتي مثل الشعب المصري يعشق بلاده، وحين رأيت أطفال الهند وهم يركضون وراء لقمة العيش وذكرتني بطفولتي وأوجاعي وأشياء أخرى كثيرة..!!
القاهرة أو مصر أم الدنيا وقلب الإنسانية.. هل لهذا القلب معانٍ لدى شاعرنا؟ وما كان يشغفك قبل ترحالك لمصر وما أستوقفك؟
مصر دونتها ضمن كتابي وفي رحلة طويلة وهي تستحق أن تكتب كتبا عنها، عشت في منطقة بالقرب من السيدة زينب وبما هي قلب العروبة والإنسانية فهذا القلب مضمخ بحب مصر ومن هذا الحب ينطلق الحب باشعاعاته إلى عشاق مصر والضيوف فقد كانت مصر وماتزال منارة الثقافة والإنسانية والفنون والعمارة وتعلمنا اللهجة المصرية من المسلسلات المصرية!
استوقفتني أشياء كثيرة منها مصر القديمة ومصر الجديدة والتناقض الكبير بينهما، استوقفني حفاظ مصر على المدينة القديمة في القاهرة عكس الكثير من البلدان العربية وأخص بالذكر خان الخليلي والمتاحف، بساطة الإنسان المصري يمنحك الأمان في تلك البلاد التي ذكرت في القران.
هل أعجبك المطبخ المصري؟
حين نزلت القاهرة وأنا متلهف لوجبات الكشري وخلال الأسبوع كنت اتناول الكشري يوميا لحين أن أصبت بالدوخة وفقر الدم وبعدها غيرت الوجبات ولكن للتاريخ أقولها لم أكل الزبادي بحياتي بشهية مثلما أكلته في مصر وكنت اتردد على المطاعم الشعبية في السيدة زينب.! واليوم افتقد المطبخ المصري
ماذا يضم متحفك الصغير من مقتنيات في كردستان؟
بين ثنايا متحفي تاريخ حضارات ورحلة بين ثقافات الشعوب من أسيا الوسطى إلى مصر ومن المكسيك إلى المغرب وإلى أوربا وخلال زياراتي اجلب التحف من تلك البلاد فهناك تحف وهدايا من شخصيات مثل هدية من نجل تشي غيفارا ومن الأدباء والفنانين في العالم، والمتحف يحكي حكاية رحال لمدة ربع قرن بين ثنايا العالم!!
كيف تصدر كردستان السياحة إلى الخارج؟
في كردستان هناك الطبيعة الساحرة القاهرة والتي كما ذكرت ربما أجمل من طبيعة أوربا ولكن المشكلة تكمن بعدم وجود قيادات سياحية تدير دفة السياحة في الوطن، البلاد التي عاشت قرونا قبل الميلاد ومازالت آثارها شاهدة بحاجة إلى أن تصدر سياحيا بالإضافة إلى الطبيعة!!
الترجمة من الألمانية إلى العربية متهمة بأنها قليلة لماذا برايك؟ وهل استفدت من الشعر النمساوي؟
صدقت بأنها قليلة والسبب لا يرجع إلى دور المترجمين بل يرجع إلى عدم ودود دور نشر تقوم بطبع أعمال المترجمين بالإضافة إلى الشعر النمساوي غير منتشر في البلدان العربية وسبق أن أصدرت عدة كتب حول الشعر النمساوي باللغتين العربية والكردية واستفدت منه في صقل شعري والإبحار في عالم شعراء النمسا!
ما هو معيار اختيار الكاتب بدل رفو للنصوص الشعرية النص أم الشاعر وهل يمكن ان تترجم لشاعر مبتدأ؟
ابداع المترجم يتوقف على مدى تشبثه ومعرفته بثقافة شعبين وعادات وتقاليدهما ولا تتوقف فقط على اللغتين وحين اختار النص لا يهمني أن كان الشاعر عملاقًا أو مبتدا بقدر أن كنت أقدر أن أضيف شيئا جديدًا على اضافاتي في حقل الترجمة!
ماهي بداياتك على درب الأدب ومتى كانت أول تجربة شعرية؟
أول قصيدة شعرية نشرتها عام 1977 في الموصل العراقية وفي جريدة الحدباء وبعدها انتقلت إلى بغداد للدراسة الجامعية وهناك نشرت في صحافة العاصمة شعرا ومقالات وترجمات وبعد أن اتجهت صوب المهجر عام 1991 صارت الدنيا والعالم عالم النشر والترجمات والقصائد!
ماهي دور الأم في حياتك وما قصة القصيدة التي اهديتها لأمك؟
لأول مرة احسست بأني وحيد في هذه الدنيا عام 2018 حين ودعت والدتي الحياة وكنت بجنبها وكانت بركاتها تلاحقني في الغربة الازلية وأني سعيد لأني كتبت قصيدتي سيدة التراب قبل وفاتها وكانت اهداء لها في كتاب رقصة الشعر من الأدب الكردي في المهجر!.
جزء من قصيدة اُمي.. سيدة التراب شعر: بدل رفو
لروائع الأزمنة .. وحضارات الدنيا
لأغاني الكرد والزمن الجميل
لذرات تراب داستها أقدام اُمي
أنهار عسل وخمرة ورقص من جنات موعودة
براكين ملتهبة في عشق النار
لبلاد تركت ورائي.. نجمة سماءً أرضاً
لأوجاع وأمانٍ وصلواتٍ تسافر معي عبر سنوات الحنين
والاغتراب لأماكن الشوق والغربة أنهار
أرضي وبلادي المقدسة إنّها اُمي
أرضي وسمائي وعمري
ما هي مفردات شعرك؟
الشعر في عرفي هو الإحساس بحذافيره، الإحساس بالإنسان والوطن والأرض والشعر هو الانتماء أيضا، إذن الإحساس والانتماء للحبيبة الأم والأرض والإنسان في إطار وجداني إنساني ومن دون أن ينفصلا، ولهذا مفردات شعري هي أغنية إنسان للسلام ومفرداتها التوق نحو عالم خال من الكراهية والتعصب والقتل!
هل سبق لك أن ندمت على اختيارك هذا في الاغتراب؟
بالعكس أنا سعيد في غربتي بحيث غدت الغربة وطنا ازليا لي وكل بلاد الله أرضي ووطني.. أي بلاد تحفظ لي كرامتي وانسانيتي هناك وطني لأن الشاعر والأديب الإنساني وطنه الإنسانية ولا تستغرب لو اخبرتك بأني أحب أن أقيم بصورة دائمية في الشاون..!
ما هي الثمار الذي قطفتها في رحلاتك واغترابك؟
ثمار غربتي كانت أكثر من 18 كتابا وشيدت جسرًا ثقافيًا مابين النمسا والشرق وكوردستان، ودولة النمسا تعضد كتبي بصورة مستمرة حول الأدب النمساوي وفي الغربة كرمت في دول كثيرة وتمكنت أن انقل لهم قضية الكورد والأدب النمساوي بصورة صادقة واقمت الكثير من السيمينارات من كازاخستان لغاية المكسيك ومن المغرب لغاية مصر ونتيجة اغترابي حاولت أن أسافر بالقاريء من خلال سفرياتي.. كتبت حول اقار ومعابد ومتاحف ودور عبادة وعادات وتقاليد شعوب وصفا جميلا ووقفت حول افكار وتقاليد وسائل عيش الشعوب والاقتراب من افكارهم ..كتبت الكثير ونشرت الكثير في القسم الأول من العالم بعيون كردية.
وجميل في الرحلات أن تبحث عن نفسك وشعبك وبلادك وكلما أبتعدت أكثر احببت بلادك اكثر كما قالها (شارل ديغول) كتبت اليوم تدوينة كلما كثر شعراء المقاومة كثرت الحروب.
ما دور الشعر اليوم بالنسبة للإنسانية؟
الشعر احساس وتعبير صادق عن المواقف الإنسانية ورسالة سامية تنقل من الشاعر للناس.. على الشاعر ان يكون مرآة صادقة لأوجاع ومعاناة شعبه وأهله، فمثلا حين نرى عدم وجود عدالة اجتماعية وظلم يسود المجتمع وقتها يظهر شاعر وتصبح أدواته فرشاة تنظف بدلات وسراويل المسئولين ويتغني بقاماتهم فهولاء مكانتهم مزابل التاريخ .. وبهذا على الشاعر أن يكتب للجميع لطالب المدرسة والطاعنات في السن والشابات وأن يكون لسان الجميع وصديقهم ويستقي ابداع معاناته منهم.. على الشاعر أن يكون ضد الحرب ومع السلام والتعايش فسلاح الشعر أقوى من كل الأسلحة الفتاكة.. لا يبق في الأخر إلا الشاعر الحقيقي..!!
تحلم بوطن مستقر وآمن ما هي صورة الوطن التي تحملها في قلبك؟
صورة الوطن التي احلم بها هي مدينة شفشاون أن أقيم فيها بصورة دائمة في خريف العمر.
هل تعرفت على مدينة شفشاون المغربية بشكل كاف؟
التاريخ يقدم لنا مادة دسمة ومشوقة للتجوال في ربوع المدن والأوطان، شفشاون واحدة من هذه المدن التاريخية وتعد بدورها كتلة اسرار وتحتاج الوقت الكثير لمعرفتها بصورة كبيرة ومعرفة المدن مهما كانت الفترة طويلة تظل معرفتها غير كافية والجميل أن نلهث وراء ما نبغيه، في كل زاوية وزقاق حكاية وفي كل مقبرة وبين قبر وقبر حكايات من تاريخ المدينة وفن العمارة الجميل وحكايات المجانين والذين اعدهم فلاسفة في شفشاون والمتسولين التي تختلف حكاياتهم عن مجانين الدنيا والمطاعم الشعبية وبساطة الناس.
والأجمل الكم الهائل من النشاطات الأدبية والثقافات ومحافظة المدينة على العادات والتقاليد وأيام رمضان بين اسوار المدينة القديمة والصناعات التقليدية، والأجمل سوق الفلاحين الأسبوعي وحكايات الفلاحين والطاعنين في العمر ولكل بوابة قصة من سفر الحياة واحياءها العتيقة .. شعب يحب الجمال ويبغي أن تظل مدينة قطعة معلقة باهداب السماء.
وتعرفت على شفشاون وعلى انسانه وروحه الطيبة والبحث عن مكامن اسرار المدينة مستمر وأنا أرى المدينة بأعيني وليس باعين غنسان شاوني.. شفشاون بالنسبة لي هي حكاية الطفلة في الموصل القديمة ومن مواضيع الأديب الرحال هي تلك الذكريات الطفولية لذلك الصوت البعيد والصورة الأولى للمدرسة والأزقة والاطفال وهي تظل خالدة في خيال الكاتب الرحال حية ويبحث خلال رحلاته مايعيد عبر الزمان والمكان مايعيد البعض من طيبة الناس والمكان.
وأن بحثي وجوهرتي المفقودة ظهرت بأنها شفشاون وهنا امتزج التاريخ القديم مع تاريخ حديث لشفشاون وكلاهما انصهرا في بودقة واحدة لتفرز حبي الكبير لهذه المدينة!! المدن القديمة لها حكايات تمتزج مع تاريخ مبدعيها الذين يدونون مذكراتهم وابداعاتهم كي تظل المدينة خالدة! ربما احتاج الكثير بعد لأعرف شفشاون أكثر فقد سنحت لي الفرصة لحضور اعراسهم ومجالس عزائهم وأصدقاء أوفياء ومن كل الطبقات والشرائح، خارج أسوار المدينة تكمن حياة أخرى وعلى جبالها حيث يعد المكان مصيفا سياحياً للقادمين من بلدان بعيدة وفي مخيم سياحي( ازيلان) ويعد بدوره جسرًا ثقافيا وتجمعا بين السواح والحديث حول المدينة.