بعد شهرين من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في الساحة العراقية، وسقوط مئات القتلى والجرحى بين المتظاهرين العزل، أعلن رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، عزمه تقديم استقالته للبرلمان، محققاً أول مطالب العراقيين.
وأقدم عبد المهدي على خطوة الاستقالة بعد تعنت كبير من قبله ورفضه الاستجابة لمطالب المتظاهرين الذين رفعوا شعارات تطالب بإسقاط حكومته، إلى جانب إزاحة جميع أركان النظام والطبقة والرموز السياسية، ومحاربة الفساد المستشري في البلاد.
ووصف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، استقالة عبد المهدي بأنها أولى ثمار الثورة وليست آخرها، في حين طالب المحتجون باعتقال كل من تسبب بمقتل المتظاهرين في الشوارع.
الاستقالة جاءت بعد خطاب شديد اللهجة من المرجع الشيعي علي السيستاني؛ بسبب استخدام القوة المميتة ضد المحتجين، وتحذيره من دوامة عنف أخرى في البلاد.
وألمح السيستاني إلى إقالة الحكومة من خلال مطالبته بضرورة أن يعيد مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة “النظر في خياراته بهذا الشأن، ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق، والإسراع في إقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب”.
المحلل السياسي والمختص بشؤون العراق والشرق الأوسط، نظير الكندوري، يرى أن استقالة عبد المهدي لن تكون نهاية لانتفاضة العراقيين، إذ سيكون لها تأثير كبير وبالغ على العملية السياسية، خاصة أن اختياره قبل توليه الحكومة جاء بعد مخاض عسير.
ويقول “الكندوري” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “المرجع الشيعي السيستاني أشار إلى ضرورة استقالة عبد المهدي، لذلك كان هناك قبول لخطوته؛ إذ لم تكن هناك ردود أفعال قوية من الكتل السياسية المختلفة، وذلك يدلل على وجود اتفاقية قد أبرمت في الساعات الأخيرة لتحضير بديل عنه، وسوف يكون جاهزاً حين الطلب”.
ولن تكون عملية اختيار شخص آخر لتولي رئاسة الحكومة العراقية بعد استقالة عبد المهدي سهلة، وفق حديث الكندوري؛ إذ يجب وجود موافقة إيرانية على الشخصية المرشحة، إضافة إلى الكتل السياسية الأخرى في العراق.
ويستدرك بالقول: “هناك خطة إيرانية معدة للبديل عن عبد المهدي، ولكن الولايات المتحدة لن تقف صامتة، فهي تعد خطة لتغيير الحكم السياسي في العراق بما يتوافق مع توجهاتها ويضمن إبعاد القبضة الإيرانية عن الحكم”.
وعن الشخصيات التي تريدها الولايات المتحدة لتولي رئاسة الحكومة العراقية بعد استقالة عبد المهدي، يرى المحلل السياسي العراقي أن حيدر العبادي، وهو رئيس الوزراء العراقي السابق، أقرب الشخصيات لواشنطن وأكثرها ولاءً لها، لذا ستسعى الإدارة الأمريكية إلى إعادة تنصيبه في رئاسة الوزراء.
وحول الخطوة المقبلة بعد استقالة عبد المهدي يتوقع المحلل السياسي أن يزداد زخم الشارع العراقي من خلال طرح مطالب أخرى، وزيادة سقف بعضها، على اعتبار أن كفة النظام بدأت تتهاوى عبر التنازلات.
ووفق الكندوري، سيطالب المتظاهرون في الشوارع بمحاكمة من سفك دماء أبناء العراق خلال شهرين من التظاهرات.
ترحيب شيعي
وبعد لحظات من استقالة عبد المهدي، رحب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بالخطوة معتبراً أنها أولى ثمار الثورة ويجب اختيار البديل عبر استفتاء شعبي؛ لكنه شدد على أن استقالته “لا تعني نهاية الفساد”.
وقدم الصدر في بيانه مقترحات؛ أولها “أن يكون ترشيح رئيس الوزراء من خلال استفتاء شعبي على خمسة مرشحين، وتوضع صناديق الاستفتاء الشعبي في ساحات الاحتجاجات”.
ودعا إلى “العمل على تأسيس مجلس مكافحة الفساد يضم نخبة من القضاة الأكفاء وممن يتحلون بالنزاهة والشجاعة لمحاسبة من أفسد ومن سيفسد”.
كما اقترح أن “يختار رئيس الوزراء الجديد كابينته بشكل بعيد كل البعد عن الأحزاب والتكتلات والمليشيات، وبعيداً عن المحاصصات الطائفية والحزبية والقومية والفئوية وما شاكلها، فضلاً عن تفعيل دور القضاء، والابتعاد عن مهاترات البرلمان الذي لا يقل بعض أعضائه فساداً عن الحكومة”.
في ذات السياق دعت كتلة “سائرون” المدعومة من زعيم التيار الصدري، رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، إلى عقد جلسة طارئة، السبت، للتصويت على قبول استقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي.
رفض شعبي
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي رأى العراقيون وكتاب سياسيون عرب استقالة عبد المهدي غير كافية، وطالبوا بضرورة الاستجابة لباقي مطالب المتظاهرين الموجودين في الشوارع منذ شهرين كاملين.
الكاتب السياسي ياسر الزعاترة، يصف استقالة عبد المهدي بعد موقف السيستاني بـ”الفضيحة السياسية؛ لأنه يعكس وضعاً بائساً في العراق يعلو فيه صوت رجل شبه غائب على أصوات الساسة والجماهير”.
ويقول الزعاترة في تغريدة له عبر حسابه في موقع “تويتر”: إن “الوجه الآخر للصورة يتمثل في الهزيمة التي منيت بها إيران التي رفضت استقالته، في حين أدرك السيستاني أن عليه اتخاذ موقف آخر يحفظ له مكانته”.
استقالة عادل عبد المهدي بعد موقف السيستاني فضيحة سياسية لأنه يعكس وضعا بائسا في العراق؛ يعلو فيه صوت رجل شبه غائب على أصوات الساسة والجماهير.
لكن الوجه الآخر للصورة يتمثل في الهزيمة التي منيت بها إيران التي رفضت استقالته، فيما أدرك السيستاني أن عليه اتخاذ موقف آخر يحفظ له مكانته.— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) November 29, 2019
الناشط عادل الكعبي رفض خلال منشور عبر حسابه في موقع “فيسبوك” استقالة عبد المهدي، معتبراً أنه ليس المشكلة، ولكن استقالة الحكومة هي من أبرز مطالب المتظاهرين.
وطالب الكعبي بإصلاح النظام السياسي في بلاده، وخاصة القانون الانتخابي؛ لأن الحكومة هي نتاج لفساد النظام البرلماني.
كلنا نعرف ان عبد المهدي لم يكن هو المشكله
ولكن نعم استقالة الحكومة لنعتبرها انجاز للمظاهرات
ولكن لا ننسى ان الحكومة نتاج لمقدمه فاسده . التخلص من هذه المقدمة لا تكون بـ ( الشلع القلع ) كما يقال لاننا دولة او نريد ان نكون دولة ولدينا نظام برلماني فأصلاح هذا النظام نستطيع الحصول من داخل النظام
القانون الانتخابي هو الهدف
الناشط العراقي المنتظر الغرباوي وصف استقالة عبد المهدي بأنها “نقطة في بحر من مطالب الشعب العراقي”.
ودعا الغرباوي في تغريدة له عبر حسابه في موقع “تويتر” مجلس النواب العراقي لتشريع قانون انتخابات مبكرة، وأن يكون رئيس الوزراء المرشح لشغل المنصب يحمل جنسية عراقية فقط لا مزدوج الجنسية، إضافة إلى ضرورة أن يكون هناك إشراف أممي على الانتخابات.
https://twitter.com/muntazirArabaw/status/1200445073625944064
يشار إلى أن حصيلة قتلى الاحتجاجات، منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر الماضي قد تجاوزت الـ400 قتيل، وفق مصادر عراقية مطلعة.
ويشهد العراق، منذ بداية أكتوبر الماضي، مظاهرات شعبية واسعة النطاق في بغداد والعديد من المدن الأخرى؛ احتجاجاً على انتشار الفساد وتردي الخدمات العامة وغلاء المعيشة. كما يطالب المحتجون بتغيير شامل في نظام الحكم للخلاص من المحاصصة الطائفية وتأسيس حكومة تكنوقراط على أساس الكفاءة.