لم تنطلق الانتفاضة ليقدم رئيس الوزراء البائس عادل عبد المهدي استقالته المتأخرة جداً وبعد سقوط مئات الضحايا وألاف الجرحى والمعوقين الأبرياء فحسب، بل من أجل كنس العملية السياسية الفاسدة برمتها، لكنس قوى النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد والقميء كلها، لطرد كل الذين تدخلوا في الشؤون الداخلية للعراق منذ العام 2003/2004 حتى الوقت الحاضر من دول الجوار، لاسيما تلك التي تمتلك جيشاً من الجواسيس والحرس الثوري والبسيج وفيلق القدس والميليشيات الطائفية، التي تأسس بعضها في إيران والكثير منها في العراق، واعتقال ومحاكمة كل الذين ساهموا بقتل أبناء الشعب في مظاهراته المقدامة أو اعتقال واختطاف وتعذيب المتظاهرين والمتظاهرات. لم يتفجر غضب الشعب المقهور والمنهوب ليقول عادل عبد المهدي أنه سيقدم استقالته لمجلس نواب طائفي محاصصي مسؤول عن كل ما حصل في العراق حتى الآن ومسؤول عن المماطلة وتأخير إقالة الحكومة وعن سقوط الضحايا الغالية في مدن العراق المختلفة، بل انتفض ليتخلص من هذا المجلس الطائفي المحاصصي بأغلب أعضاءه الذين وصلوا للمجلس عبر بيع وشراء المقاعد النيابية، ومنهم رئيس المجلس الحلبوسي، وكذلك التخلص من قانون الانتخابات الأسوأ في تاريخ العراق الحديث، وقانون مفوضية الانتخابات المستقلة السيء الصيت والبنية المشوهة والشريرة للمفوضية ذاتها، التي ساهمت بكل قوة وخلال الدورات السابقة في تزييف الانتخابات والنتائج لصالح الأحزاب السياسية الطائفية الحاكمة.
إن المشاركات والمشاركين في الانتفاضة والتي امتد أوراها إلى إقليم كردستان ليساهموا أيضاً في تأييد الانتفاضة الشعبية، يسعون بكل حيوية واستمرارية وصرامة إلى إجراء تغيير شامل في الواقع العراقي الراهن، إلى تغيير في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، إلى إقامة دولة ديمقراطية حديثة يكون الشعب فيها صاحب السلطة وراعيها والماسك بزمامها من خلال مندوبيه الحقيقيين الذين يصلون إلى مجلس النواب بصدق وأمانة ونزاهة وليس بالمال المتحقق عبر السحت الحرام، دولة، بسلطاتها الثلاث، تحترم استقلالها وسيادتها وقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقضائي، تحترم إرادة الشعب وحقوقه وحرياته وتحمي كرامته التي لا يجوز المساس بها قطعاً.
لم يسقط هؤلاء الشهداء الأبرار لكي يختار مجلس النواب الطائفي المشوه قرقوزاً جديداً يحكم العراق بأوامر صادر عن علي خامنئي وقاسم سليماني وسفير إيران في بغداد، وعلى أيدي مجموعة من العراقيين من ذوي الانتماء والولاء لإيران أولاً وأخيراً كالفياض والخزعلي والعامري وأبو مهدي المهندس ومن يماثلهم في الفكر والفعل والسلوك الشائن، بل لكي يكون عراقياً وطنياً صادقاً في ولاءه للشعب والوطن وقادراً على إدارة حكومة مؤقتة تقود البلاد إلى شاطئ الأمن والسلام لتمارس التهيئة الجدية لانتخابات جديدة في ظل قانون انتخابي جديد ومفوضية مستقلة جديدة وتحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والمحلية غير المرتبطة بالأحزاب السياسية القائمة.
إن الحكومة الجديدة يفترض فيها منع كل الذين شاركوا في عضوية مجلس النواب في دوراته السابقة وكل الوزراء في الحكومات السابقة وكل قادة الأحزاب التي قادت العملية السياسية من خوض الانتخابات العامة بسبب ما تسببت به من مآسي وكوارث وفواجع في البلاد وما سال من دم ودموع خلال السنوات الـ 16 المنصرمة. كما عليها إنهاء وجود الميليشيات الطائفية المسلحة وجعل السلاح بيد الدولة لا غير.
إن الحكومة الجديدة يفترض فيها أن تقدم لائحة اتهامات واضحة، شفافة وصريحة ضد كل الذين تسببوا في كل ما حصل للعراق خلال السنوات الـ 16 الفائتة، لاسيما اجتياح الموصل ونينوى والنهب المنظم لموارد البلاد المالية وثرواته الطبيعية ومن كان مسؤولاً عن سقوط الضحايا والجرحى في الانتفاضة الجارية.
لن يترك المتظاهرون البواسل والمتظاهرات الباسلات ساحات العراق وشوارعه وجسوره قبل أن يتحقق ما انطلقت من أجله انتفاضة الشبيبة والشعب المقدامة، فلا بد من تغيير ميزان القوى لصالح الانتفاضة بحيث يُجبروا قادة هذا النظام السافل على إقرار ما يريده الشعب وليس ما يريده الفاسدون الذين حكموا العراق بالحديد والنار.
تحية وألف تحية للثوار البواسل والثائرات الباسلات، تحية للجرحى والمعوقين الذين نرجو لهم الشفاء العاجل. لنقف دقائق حداد على أرواح الشهداء الأبرار، وهم مشاعل وهاجة في سماء العراق تنادينا وتطالبنا بالسير على الطريق والأهداف التي استشهدوا من أجلها حتى النصر المبين.