صورة ( ١ )
كنا قد ضننا بأن أغصاننا قد تساقطت وأصبحت هشيماً ، وإعتقدنا بأنه لا أمل لنا أو لأحفادنا بعد أن جف ضرع السماء والأرض ، لكنها وأخيراً أمطرت وأمطرت حتى أزهرت من تحت التراب .
صورة ( ٢ )
كثرت تسميات الملثمين وتعددت إنتماءاتهم حتى أصبح لكل منهم حكومة ووطن يدافعون عنه ويستميتون ، ولكل منهم جيش لا يعرف له وطناً غير الذي قيل له ، وحينما بحثنا عن الوطن الحقيقي الذي كان إسمه العراق وعن الجيش الباسل الذي أخاف الأعداء والأصدقاء وجدناه قد أصبح لثاماً وكمامة ، مسدسات كاتمة وقنابل غاز تستخدم في الظلام فقط ، وحينما بحثنا في خريطة العالم وجدنا الوطن في أسفل الخارطة تشُم منه رائحة الهشيم ، وحينما نُسأل من أين أنتم نتلعثم ثم نجيب من بلد الحروب والميليشيات ، وحينها يهزون رؤوسهم ويقولون إنه بلد النفط ، فنجيب لا إنه بلد المجاعات والبطالة . إقترحوا علينا أن نطلع على التاريخ وأن نتعلم منه شيئاً ، قلنا لهم لا فائدة فنحن من صنع الماضي لكننا لا نجيد صناعة المستقبل .
صورة ( ٣ )
دعونا الله أن تمطر مطراً كاسحاً يجرف مزابل العراق ومن جعل أطفاله يقتاتون عليها ، وإنتظرنا طويلاً ، وذات يوم نزل أول الغيث وكان قطراً ثم إنهمر بغزارة وكأني أرى العراق غير العراق ، فقلت لنفسي هل إنتفض أسد بابل ، وهل إرتجت الملوية وعادت إلى الحياة منارة الحدباء ، وعاد أيضاً إلى الحياة كل من سقط في دجلة والفرات اللذان صبرا طويلاً حتى إرتفعت قتلاه إلى السطح ثم أعادها الله إلى الحياة ، وإتفق النهران على أن يتحدا ويبتلعا كل ظالم ، فقد طال إحتمالهما . وحين بكى النهران حتى أصبحت دموعهما موجاً هادراً حين سمعا صوت أطفال وصبية لم يجف الحليب في أفواههم ، وكانت صرختهم ألا تباً للظالمين وسحقاً لهم .
هم لم يحتاجوا إلى طبول الحرب ولا شعارات الأحزاب ولا إتفاقيات في الظلام ، ولا مليارات التسليح العسكري الفاسد ، بل كل ما إحتاجوه هو نداء الإرض والتراب لكي يضعوا أرواحهم على أكفهم وكانت بيضاء غير مدنسة أشبه بغمام العراق وحمائمه التي وقفت فوق كل جامع وكنيسة وفوق كل مزرعة أحرقها المتخمون لكي ينتفعوا ، وكل مصنع أغلقه الفاسدون لكي يصبحوا ساسة وتجار وسطاء . إنما أراده هؤلاء الساسة هو ثروات الأرض ، وما أراده شبابنا العظيم هو الأرض ذاتها . على هؤلاء للوطن ديون وقد حان وقت سدادها ودفع ضريبة الدم الذي أراقوه ، وضريبة أنهم لم يستطيعوا أن يحبوا وطنهم يوماً كما أحبه الشهداء .