الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeاراءتاريخ الأديان : حاجي علو

تاريخ الأديان : حاجي علو

في محاضرة رائعة للدكتور خزعل الماجدي تحت عنوان تاريخ الأديان قدم فيها إستعراضاً شاملاً للأديان في التاريخ منذ نشوئها وحتى اليوم , أكثر ما أعجبني فيها هو قوله بأن الدين لم يتوقف ولم ولن يُختتم طالما الإنسان حي يتطور, لكن كان لنا رأيٌ مختلف في مواضع أخرى خاصة ما يتعلق بتاريخنا وديننا نحن الئيزديين, سنوجز أهمها فيما يلي .
1 ـ في مسألة المنشأ الديني ربطه الأستاذ بالسحر بل قدّم السحر على الدين وهذا رأيه لكننا لم نتفق معه فيه , الواضح أن الدين هو حاجة العقل المفكر إلى المعرفة ربما نشأ السحر بعد تطور التفكير الديني بأشواط , فالدين لم يُنشئه الإنسان المتطور, بل قد نشأ منذ نشوء العقل عند المادة الحية أي منذ ظهور الحيوانات البدائية أيّاً كان مقدار عقلها فبمجرّد تشمُّس الحيوان في المناطق الباردة مثل جبال كوردستان وتعريض نفسه للشمس الدافئة صباحاً, يُعتبر تفكيراً دينياً وفهماً عقلياً لأهمية الشمس وهذا هو المنشأ الديني الأول, وقد بدأ بالشمس وليس بغيرها وفي زمن لا نتكهنه, فالبيانات العلمية التي توصَّل إليها العلماء في تحديد عمر الكوكب ونشوء الحياة, غير دقيقة ولا يُمكن تصديقها بشكلٍ من الأشكال .
الجدية تبدأ بظهور الإنسان المنتصب فلابد أن يكون تفكيره قد تقدّم بخطى كبيرة يُمكن أن نسميها الطفرة الثانية في التفكير والتطور الديني ولم يكن قد خرج عن دائرة الشمس الوحيدة فكان الدين توحيدياً بالفطرة وبالضرورة فلم يكن هناك غيرها . كما يُمكن أن يكون إكتشاف النار وإضرامه في كهف شانيدر كوردستان قبل حوالي 40000 سنة طفرة ثالثة في التطور الديني وتوسع أفق التفكير البشري وهنا يُمكن أن تكون عبادة النار قد دخلت على خط الدين لأن النار كالشمس لا تزال مقدسة لدى شعوب هذه المنطقة , وربما يكون بعد هذه المرحلة قد بدأ تصور السحر أيضاً فتداخل مع الدين . وفي بداية الثورة الزراعية في كوردستان أيضاً قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد كانت الطفرة الدينية الرابعة الحقيقية , هنا بدأت مرحلة التفكير الديني الحقيقي وتعدد الآلهة لتزاحم الشمس الوحيدة ونهاية الدين التوحيدي الفطري . بعدها زحفت الزراعة إلى جنوب العراق وتقدمت الحضارة بأشواط في الجنوب فكانت الطفرة الدينية الخامسة بظهور المعابد ورجال الدين ومنهم الملوك والزعماء وتنوعت الآلهة وأصبحت تمثل الشعوب ولا يزال الدين عندنا يُشكل الجانب الأهم من الهوية الشخصية, وكل نواحي الحياة للدين فيها الدور الأكبر, وازدهر السحر أيضاً في هذه الحقبة وكان البحث عن الخلود وتفاسير عن الحياة ما بعد الموت . أما الطفرة السادسة فقد بدأت بظهور الأنبياء وإستغلال الآلهة والدين في السياسة لبسط سلطتهم وقد إنتهت هذة المرحلة بالشمع الأحمر في القرن السابع الميلادي, لكن حاجة العقل المفكر للمعرفة لا تتوقف فلن يتوقف الدين ولن تتوقف التغيرات الدينية .
ولهذا أقول أن السحر هو إبن الدين وليس العكس فالسحر تصوّر بينما الدين تفكير وبحث منشأُه حاجة العقل المفكر إلى المعرفة . بالتفكير في الطبيعة والخلق نشأَ الدين , والتفكير في الدين نشأَ اللاهوت والتفكير في اللاهوت نشأت الفلسفة والتفكير في الفلسفة نشأَت الرياضيات ومن الرياضيات نشأت بقية العلوم المادية وبعدها الأدبية فمصدر علوم وحضارة الإنسان كلها هي الدين ولا يُمكن أن يركد أو يتوقف أو يُلغى, إنما تتغيير طرق الإيمان به وممارساته كما عرضناها أعلاه .
2 ـ في معرض عبادة الشمس قال الدكتور أن إخناتون المصري هو أول مُوحد, وأعظم عبادة للشمس ظهرت اولاً في مصر ولم يتفوّه بحرف عن علاقة زرادشت والدين الزرادشتي بالشمس ونحن لا نتفق معه في هذا أبداً, بالنسبة للشمس, ليس هناك مخلوق قد تجاهلها بمقدارٍ أو بآخر فهي أم الطبيعة ومصدر النور والإبصار والدفء والحياة لجميع المخلوقات فالجميع قد عرفوا أهميّتها وفي كل مكان , لكن عبادتها كإلهٍ أوحد شيءٌ آخر, الهكسوس وهم أقوام شرقية على الارجح آريون كورد أو فرس هم الذين أدخلوا عبادة الشمس كإله أعظم إلى مصر قبل إخناتون بأربعة قرون والمؤرخون يُؤكدون على تطور عبادة الشمس في مصر بعد دخول الهكسوس وطردهم في القرن السادس عشر ق م, ومباشرةً بعد موت إخناتون نبذ خلفه عبادة الشمس فالطبيعة هي الغالبة وتفرض على المخلوق نمطاً من الحياة والتفكير في البيئة المعينة فبلاد مصر حارة ولا يناسبها تعظيم الشمس, تماماً مثل جنوب العراق والجزيرة العربية فكلها ألهت الشمس بدرجاتٍ دنيا إلاّ حمورابي الذي كان شعبه كيشياً عابد شمس في أغلبه فهو الوحيد من القوم السامي الذي عظم مردوخ إله الشمس أكثر من غيره ومردوخ أيضاً كلمة كوردية تعني الكريم الواهب ( مرد – مردوك)
3 ـ في كلامه عن زرادشت, حقيقةً كان كلامه مأساويّاً حتى دفعنا إلى التعليق مضطرين, زرادشت كان إنساناً طبيعياً جداً لم يختلف عن الإنسان في العصر الحجري القديم أي قبل تعدد الآلهة, إلاّ بذكائه الخارق ويحمل كماً هائلاً من الحكمة التي توارثها الإنسان العاقل لعشرات السنين , خاصةً في زمن تعدد الآلهة وكثرتها وتصادماتها, فقرر إلغاءها كلها إلاّ الشمس, لكن رسوخ الآلهة المتعددة في ذهن المجتمع لم يكن من السهل ضربها دفعةً واحدة , فسماها بالأرواح المقدسة الخالدة أي حافظ على مكانتها في إيمان المجتمع وأبقى على الشمس (*) وحدها كإلهٍ أوحد تعاونها جموع الأرواح المقدسة الخالدة التي سماها أمين زكي ( إزيد يزت يزيد) تجمع في كلمة (يزدان) المعروفة اليوم بأنه الله لكن الحقيقة هو جمع للآلهة المتعددة كلها عدا هورامزدا/ الشمس, إلاّ أنَّ الدكتور الماجدي أشار إليها بأن زرادشت هو أول من إبتدع إسم الملائكة المعروفة الآن كآلهة أدنى من أهورامزدا, وهذا خطأٌ كبير ولا علاقة بملائكة الساميين بآلهة زرادشت المُعاونة لأهورامزدا/ الشمس هذه أسماء آلهة لاهوتية (خيالية) إيرانية قديمة كانت مسؤولة عن تدبير الكون , ملائكة الساميين أسماء بشر آراميون رواد تأسيس الدولة اليهودية عاشوا وماتوا , وفي فترة نضوج الافكار الدينية بعد موسى وحتى تدوين التوراة الأول في حوالي 650 ق م, وبعدها ما تسمّى بالقصص التوراتية أو الإسرائيليات تحولت هذه الاسماء إلى ملائكة في حضرة الله مثل عزرائيل هو إسرائيل إبن الله (يعقوب) يتصرف ويقتل دون حساب وجبرائيل جبار الله داؤود بن يسي قاتل جبار الفلسطينيين جوليات وميخائيل شبيه الله ربما آدم أو موسى أو عيسى وشلوموئيل سلام الله ( أمين) محورة من سليمان الملك وشمنائيل يعني إسم الله وهو محور من صموئيل مرشد بني إسرائيل ومبرَّك شاؤول الملك الاول في 1000 ق م , …… كلها إسماء آرامية لا علاقة لزرادشت بها أقرّها الإسلام الذي كان ضد دين زرادشت بكل عنف وقسوة , وقد دخلت الدين الئيزدي مع سيف الإسلام بعد ستمئة عام تحت الحكم الإسلامي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يبدو أن زرادشت لم يعترف بوجود إله لاهوتي غيبي إنما إعتبر الشمس نفسها هي الإله الأعظم ف(أهورامزدا) هو إسم الشمس باللغة الكوردية وليس إسم إله, الإله بالفارسية إزيد وبالكوردية خودان (( هور +مز+دا))تعني الشمس واهبة الحق )) بالكوردية الهورامية والشبكية , ولا تدل أي معنى لإله, وعكسه أهريمن هو أيضاً ليس إلأهاً إنما غياب الشمس وهو الظلام الذي أكد عليه زرادشت , هكذا توصّلنا إلى ان زرادشت لم يُؤمن بشيء خيالي لاهوتي لا يراه أو يتحسسه, الشمس هي الله وهي التي تهب الحق والعدل وكل شيء حسن ومن الظلام كل شيء رديء, وليست هناك حلبة ملاكمة إنما تعاقب الليل والنهار على مدى الدهر

hasanall@outlook.de

حاجي علو
6 كانون أول 2019

RELATED ARTICLES

1 COMMENT

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular