7- في السنوات الأولى من الثورة السورية (نقولها ولأول مرة) عرض علينا نحن في المجلس الوطني الكردستاني-سوريا دعم عسكري ولوجستي لدخول المنطقة الكردية وبسند دولي، في الفترة التي كانت الـ ب ي د مستلمة المنطقة من السلطة بشكل كامل، وبعد نقاشات مطولة وحوارات تم التخلي عنها، لاعتبارات، منها: فضلنا أن نظل منظمة ذات منهجية سلمية في النضال، وبالتالي نستمر على رفض الصراع العسكري لحل ليس فقط القضية الكردية بل والسورية عامة، ومع إدارة المنطقة بشراكة وتفاهم بين جميع الأطراف الكردية، كما وبها تم إبعاد احتمالية حصول اقتتال كردي- كردي، فكما ذكرنا، كانت قوات الـ ب ي د متشكلة حينها، ووقفت في وجه تشكل قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي في كل من تربه سبيه وديريك، والخلاف على بعض الإشكاليات بيننا وبين الجهة الدولية طال لشهور، ومن ثم تغاضت عن عرضها، وتآذينا على آثرها. والسؤال هنا: لو حصل المجلس الوطني الكردي على مثل هذه الإمكانيات هل كانت ستقوم بالتدخل العسكري، ولربما الدخول في صراع عسكري، وهل الـ ب ي د كانت ستقبل بالقوة الكردية الأخرى، وهي حتى الآن ترفض مثيلها، ونحن ومنذ البداية رجحنا شراكة كلية الحركة في الإدارة ولذلك أصرينا على أن يضم مؤتمر بلجيكا جميع الأطراف الكردية، ومحاولة إقناع بعضنا بالتعامل على سوية تشكيل القوة العسكرية المشتركة، وتبينت عدم جدوى نداءاتنا، وبعد مسيرة دبلوماسية طويلة فضلنا الركون إلى مرحلة ما، وقد كتبت على هذه المنهجية إلى عام 2014م، نصحت مرارا، ونقدت حينها سياسية الـ ب ي د والإدارة الذاتية، وانحرافات الأنكسي، مبتعدا عن التهجم والتخوين، وتوقفت عن الكتابة على هذا النهج بعد قرار، وهنا السؤال لماذا الطرفين، الذين استأثرت بهم بعض القوى الإقليمية، لم يتمكنا من التفاهم والتعامل السياسي، ولم يتحركوا لإنقاذ الذات من التهم الساذجة بين بعضهم، والتي كثيرا ما روجت لها الأعداء، ولم يتمكنوا من طرح النقد المنطقي وعرض مفاهيم التصحيح، بدل الاعتقالات والاغتيالات وتصعيد التخوين ورفض الأخر؟
8- يثار كثيرا إشكالية حروب الإدارة الذاتية وقواتها (قسد) خارج المدن ذات الأغلبية الكردية، كالرقة وحتى باغوز، للقضاء على داعش، رغم الألم والأسى الذي لا يفارقنا مثل جميع أبناء الشعب الكردي على الألاف من أبناءنا الشهداء، والجرحى، وعائلاتهم المعانية الكوارث، فهل كان سيقف الطرف الكردي البديل عن الـ ب ي د عند حدود كردستان الديمغرافية والتي صرح البعض من قيادات الأنكسي أن المنطقة الكردية تنقسم إلى ثلاثة أقسام منفصلة عن بعضها، وأين هي هذه الخطوط الفاصلة؟ وأين تنتهي المنطقة الكردية، وجغرافية كردستان؟ وهل قوات داعش التي تكفر الكرد كانت ستقف مكتوفة الأيدي؛ وهي على مشارف المناطق المذكورة الخالية من الديمغرافية الكردية؟ وهل كان هناك ضمان على: عدم استمرارية الهجوم وتوسيع خلاياها النائمة؛ وضرب المدن الكردية كلما سنحت لها الفرصة؟ والسؤال هنا لماذا أمريكا وروسيا يعملان بشكل مستمر للقضاء على المنظمات التكفيرية؛ التي لم تعد لهم حاجة بها، رغم بعدهم الجغرافي بألاف الكيلومترات، ولماذا هي خطر عليهم ولن يكونوا خطرا على المناطق الكردية وهم على حدودها؟
9- ويظل موقع الإدارة الذاتية بين القوى الإقليمية والدولية من بين الأسئلة الأكثر إثارة، ومنها الحجج التي تقدمها تركيا لروسيا وأمريكا للتغاضي أو السماح لها باجتياح المنطقة الكردية، وهل كانت ستجد مبررات أخرى لو لم تكن الـ ب ي د هي المسيطرة، وهل تركيا كانت ستتغاضى عن إشكالية اللاجئين السوريين وكانت ستتخلى عن التدخل في شؤون المنطقة؟ لو كانت أحزاب المجلس الوطني الكردي يديرونها، أو حتى لو كانت بشراكة، أي لو كان قدم تم الاتفاق بين الأحزاب الكردية في مؤتمر قامشلو أو هولير؟
10- هل أمريكا كانت ستتعامل مع القوى الكردية المشتركة مع المعارضة المفروزة تحت صفة الإرهاب عندهم، وماذا كان يمكن أن نتوقع من الروس؟
11- وسأقف عند هذين السؤالين الأكثر إثارة وتداولا بين الأطراف الحزبية، فليضيف بعدهما القارئ ما يريد، هل فعلا الـ ب ي د أو قياداتها العميقة المختفية؛ غير كردية؛ وتعمل ضد الشعب الكردي؟ وهل تعامل الأنكسي مع الإتلاف وتواجد البعض من قياداتها في تركيا وسهولة مرور الأخرين عن طريق تركيا ومطاراتها تضعها في خانة الخيانة الوطنية؟
هذه الأسئلة وغيرها تطرح في معظم الحوارات والنقاشات السياسية، وتعرض كنقد لـ ب ي د من جهة وكدفاع عن الإدارة الذاتية من جهة أخرى، وذلك حسب منطق السائل.
أليست كل هذه الأسئلة والاتهامات؛ وترويجها بشكل دائم وتصعيدها، نابعة من سذاجة؛ بل جهالتنا في كيفية أخذ العبر من تاريخنا؛ وطرق معالجة الحاضر؛ وغياب القدرة على تكوين العناصر الملائمة لبناء مستقبل ناجح، فأساليبنا المنسوخة عن بعضها وعلى مدى قرن وأكثر؛ تسهل للأعداء التلاعب بنا كيفما يشاؤون؟ والإشكالية هنا، هي أن معظمنا لغياب الإمكانيات الفكرية والسياسية في عرض النقد المنطقي؛ يسقطون في مستنقع الاتهامات، ولا يدركون كيف ولماذا تم رجحان الطرفين السياسيين المتضاربين على الساحة الكردية، وكيف تم الطعن في الثقل الوطني للحراك الكردي.
وفي الواقع أن أغلبية الشعب يرفضون حجج الجهتين، ويبحثون عن بديلهما، ولا يتم حتى الآن بشكل جدي البحث عن الحراك الكردي الذي بإمكانه إنقاذ الأمة، الحراك الذي لا تزال البيئة غير ملائمة لتبلورها، رغم أن المؤشرات بدأت تظهر، وكان بالإمكان الإسراع في تكوينها لو لم تستأثر الأطراف الحزبية المتصارعة بمصالحها الحزبية، ولو رجحت المصلحة الوطنية، وهذه من أحد أهم العناصر التي يجب ترسيخها في ثقافة شعبنا وفرضها على الحراك الكردي، لتمكنا من تغيير مسار الصراع لصالحنا.
على الأرجح هنا سيتم النقد والتهجم وعرض الحجج لتفضيل جهة على أخرى، وسيتم على سبيل المثال قول إن الطرف الكردي الأخر ومن بينهم المجلس الوطني الكردي لم تتلوث أياديهم بالدماء الكردية، والأخرون سيردون على الأقل لم يدرجوا في خانة الخيانة مع الأعداء، وهلم جرى، حيث الانتقادات التي أصبحت مشمئزة وأكثر من معروفة على الساحة السياسية والثقافية، ويستمد منها أعداؤنا مصادرهم في النعت بالكرد وقضيتهم.
أعداؤنا لا يختلفون على المبررات، وهي ليست بعائقة ولا بكبير إشكالية، من السهل إيجاد الحجة، عودوا إلى صفحات التاريخ:
فسلطاتهم خانونا ونحن من أسسنا لهم الخلافة.
وتعاهدوا علينا ونحن في المذاهب معهم.
قتلونا ونحن شيوخ دين.
غدروا بنا ونحن في تحالف معهم.
خانونا ونحن نحارب معهم.
قتلونا بغدر ونحن علمانيون ديمقراطيون.
وسيقتلوننا أي كانت نوعية مفاهيمنا، علينا أن نصحى، الحجج يبثها الأعداء بيننا لنزيد على قتلهم لنا قتلنا لبعضنا، إن لم يكن بالسلاح؛ فبالجدالات الساذجة؛ والخلافات الواهية؛ والصراعات المدمرة.
وسيظل السؤال متى سنستيقظ، وسيستيقظ حراكنا الكردي المأمول، والذي نرى ظهوره بشكل ما هنا وهناك، وهل لا يزال هناك أمل في الحركة الحاضرة وستملك الإمكانيات لتطوير ذاتها لتكون على مستوى حمل القضية، أم لا بد من بديلها؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
2/12/2019م