إن مصطلح “الأيديولوجيا= Ideology” الذي يبدأ بالهمزة فوق الألف أو تحتها، وينتهي بالألف الممدودة أو بالتاء التأنيث. كما تعرف عزيزي القارئ، أنه كبقية المصطلحات العلمية والسياسية والاقتصادية والطبية الخ، مِن ابتكارات العقل الغربي الـ(كافر). حقيقة لا أريد أن أخوض في معنى الكلمة واشتقاقات هذه المفردة المستوردة، لأن هناك كثيرون قبلنا جزؤوا الكلمة وفسروا مضمونها بكل الاتجاهات الفكرية والعقدية القديمة والمعاصرة كتلك التي تنظر إلى الأرض كمصدر للحياة أو التي تنظر إلى السماء كمُنشئ للكون بكل ظواهره وغوامضه؟. فقط الذي أريد أن أقوله في هذه الجزئية هو عن انبثاق هذه الكلمة الهندوأوروبية الساحرة، المركبة، الممتزجة من كلمتي “أيديا“و“لوجيا” كما تشاهده عزيزي القارئ أعلاه بصورة أصح وأدق في الرسم الإنجليزي. للعلم، إن امتزاج الكلمات عملية لغوية إبداعية سائدة في كل اللغات الهندوأوروبية التي تقف في مقدمتها في هذا الحقل اللغة الكوردية العريقة. قبل الدخول في صلب الموضوع، كي لا يقال أني أطلق العنان لقلمي يسطر الكلم كيفما يشاء، أقول أن العيب والخلل ليس كلها في الأيديولوجية اليسارية، بل أن جزء كبير من هذه الأخطاء يقع على عاتق السياسي الكوردي الذي لا يستطيع أن يوفق بين النظرية والتطبيق ويطوعها خدمة لمصالح شعبه لا أن يصبح هو مطية للنظرية بالمجان، فلينظر إلى ما حوله ويستلهم منه الدروس والعبر. بالقرب منه يوجد شخص اسمه رجب أنه إسلامي.. وأنه الشخص الأول في الكيان التركي لكنه واضح لكل ذي عينين أنه يستغل العقيدة من أجل السطوة السياسية ومن أجل مصالح بلده ومصلحته الشخصية والحزبية. وهكذا تفعل القيادات الشيعية في كل من إيران والعراق أعني الذين يتبنون الأيديولوجية الإمامية، وقبل هؤلاء فعلت روسيا التي تبنت الماركسية بغاية سياسية ذات الشيء لأنها كانت تنظر إلى ما وراء الأيديولوجية فعليه بعد نهاية الاتحاد السوفيتي صارت الوريثة الشرعية له واستحوذت على كل ممتلكاته. إلا الكوردي، إذا اعتنق أي أيديولوجيا ينسى شعبه ووطنه ويصبح مطية لتلك الأيديولوجية أن كانت وضعية أو غيرها.
الأيديولوجية السياسية:
المشكلة السياسية التي كنا ولا زلنا نعاني منها في عموم كوردستان، أن السياسي الكوردي المؤدلج يفقد بوصلة عقله التي يوجهه نحو الاتجاه الصحيح ويغدو إنساناً مؤطراً بزوايا حادة، فلذا لا يستطيع أن يتجاوز على خط الحدود التي وضعته له الأيديولوجية التي يعتنقها، فبحكم هذا الأمر الواقع عليه، يفضل انتمائه الفكري المستورد مِن مجتمعات غريبة في كل شيء عن شعبه على انتمائه القومي الكوردي والوطني الكوردستاني، وفي أحسن الحالات يشطر ذاته إلى نصفين وعندها يصبح مزدوج الولاء، لكن حتى في هذه الحالة الشاذة إذا وقع صراعاً بين متبنين ذلك الفكر.. وواقع الشعب الكوردي الأصيل، بلا أدنى شك سيهجر صفوف شعبه ووطنه وسيصطف مع أصحاب تلك المدرسة التي يعتنق فكرهم أو سيصطف مع تلك الجهة التي تعادي شعبه، لكنه يلتقي معها في رافد عقائدي واحد؟، ولنا في هذا المضمار شواهد عدة حصلت فعلاً كذاك الكوردي الذي ارتمى بأحضان الغريب وحمل السلاح ضد الحركة التحررية الكوردية وخلد اسمه في لائحة الخيانة السوداء. عزيزي القارئ، أكيد وبلا ريب انتشر هذا الداء السياسي بين أبناء المجتمع الكوردي بشكل واسع جداً. دعني أقص عليك قصة وقع أمامي، قبل ثلاثة عقود في بلاد المهجر كنت في زيارة إلى مدينة ما إلى صديق لي شاءت الصدف أن تواجد شخص كوردي (فيلي) لكنه يساري؟ فسأله صاحب الدار الذي كنت عنده: لما لا تذهب اليوم إلى الجمعية الكوردية. رد عليه صاحبنا الكوردي الفيلي: لا، لا أعتقد أن أذهب إلى هذه الجمعية بعد اليوم. سأله مضيفي: لماذا. قال: إن هؤلاء قوميين. أي أنهم كورد وكوردستانيون وجمعيتهم اسمها الجمعية الكوردية رغم هذا الاسم الصريح والواضح يريد منهم الأخ الكوردي اليساري الذي يتبنى قولاً لماركس: “ليس للعمال بلد” أن يتبرؤوا من انتمائهم القومي والوطني ويتبنوا فكره الوضعي المستورد؟؟!! يظهر أنه لم يقع تحت نظره بعض أقوال (لينين) عن الحقوق القومية الذي يقول فيه: إن حرية الاتحاد تظل مجرد ادعاء باطل دون حرية الانفصال – فأن هذه الأحزاب تخون الاشتراكية. أو قوله الآخر: المقصود بحرية الأمم في تقرير مصيرها هو انفصالها كدول عن مجموعات قومية أخرى، هو بالطبع تكوينها دولاً قومية مستقلة. عزيزي القارئ، انظر إلى الكوردي الذي لا يفهم مضمون الأيديولوجية كيف انسلخ عن أمته الكوردية وتحول إلى عدو لذاته الكوردية ونسي المحتل الغاشم الذي يستخدم كل أنواع القهر والاستبداد ضدها. حقاً أن الأيديولوجية تحدد السلوك السياسي والاجتماعي، وتكون مدمرة إذا لم يفهمها جيداً معتنقه. حتى على مستوى الأحزاب القومية الكوردية، هناك مَن حاول أن يزايد على حزب عقدي ما وأسس على غراره تنظيماً يتبنى فكر ذات الحزب غير الكوردي المنافس له، إلا أنه كما يقول المثل: أصبح مثل غراب البين ضيع المشيتين، لم يعد لا تنظيماً قومياً ولا تنظيماً يسارياً وفي النهاية حل نفسه داخل تنظيم أوسع انتشاراً بين الجماهير إلا أن جماهيرية هذا التنظيم أيضاً في هبوط دائم، لأنه هو الآخر يزعم أنه يتبنى فكراً تقدمياً مصدره الدول الغربية، لكنه تبين فيما بعد أنه مجرد يافطة يحمله في واجهته لاستغفال الشارع الكوردي وفي الداخل ما هو إلا عبارة عن مشيخة ليس إلا. طبعاً يدخل في خانة هؤلاء العلمانيون المؤدلجون بعضاً من الجالية النسطورية واليعقوبية التي يحتضنهم إقليم كوردستان. عزيزي القارئ، بعد تحرير الإقليم من براثن النظام العراقي المجرم وتأسيس حكومة إقليم كوردستان قربهم الإقليم من مركز القرار وشاركهم مثل بقية الأقليات الأخرى التي تعيش في كنف الشعب الكوردي في اتخاذ القرار السياسي، لكن هذه الأقليات.. بدل أن تشكر الكورد على هذا التعامل الحضاري معهم تجدهم جاحدين وناكري الجميل إلى أبعد الحدود. لقد شاهدت قبل فترة وجيزة تظاهرت لعدة عشرات منهم أمام برلمان كوردستان يطالبون ببعض الأمور وفي هذه المظاهرة.. رفعوا أعلاماً عدة كانت عبارة عن قطعة من الخام الأبيض ورسموا عليها أشياءاً ملونة غير معروفة ولم أجد بينهم من رفع علم الإقليم الذي يعيشون فيه والذي آواهم ومد لهم يد العون والمساعدة في أحلك الظروف التي عاشوها؟؟!! وهكذا تحت قبة البرلمان، حين عزف نشيد “ئەرەقیب” وقام الجميع إجلالاً له لكن المدعو “روميو هكاري” الذي يلقب نفسه باسم مقاطعة كوردية في شمال كوردستان كان صلفاً بلا حدود ولم يتحرك من مقعده ويقف على قدميه احتراماً للنشيد القومي والوطني الكوردي، أنه بهذا التصرف الصبياني غير المسؤول جرح مشاعر ملايين الكورد!.
الأيديولوجية الدينية:
إن حديثنا في هذه الجزئية لا يكون عن الدين كعقيدة يعتنقها الإنسان ويؤدي طقوسها بحرية تامة وبدون وساطة بينه وبين خالقه. إنما نقصد هنا التنظيمات الإسلامية التي لا تختلف في هيكلتها عن أي تنظيم سياسي آخر غير إسلامي، حيث لديه أمين عام للتنظيم، ومكتب سياسي، وكوادر تنظيمية الخ. بلا أدنى شك، أن الخالق لا يحتاج إلى من يدعو إليه بهذه الألقاب والتوصيفات والتصنيفات السياسية. أضف أن هذه التنظيمات الإسلامية لديها امتدادات وانتماءات.. خارج حدود كوردستان شرقاً وغرباً. لا شك هي الأخرى صنو أولئك العلمانيين المشار إليهم أعلاه، الذين يفضلون الغريب الذي يعتنق نفس عقيدتهم الوضعية على أبناء جلدتهم وأن كان ذلك الغريب محتلاً لوطنهم ويضطهد شعبه؟؟!!. لقد رفضوا حينه تعيين كوردي أصيل قائممقاماً لمدينة (حلبجة) لأنه ينتمي للديانه الكاكائية الـ(يارسانية)!! لكن، لو جيء بشخص غريب من أقاصي الأرض ويعتنق مذهبهم عندها يهللوا له ويرفعوه فوق رؤوسهم. للأسف بهذه الطريقة غير الإنسانية يريدوا أن يقودوا الإقليم ويجعلوا شطحاتهم المضللة منهجاً للحياة اليومية للمواطنين الكورد؟!. إن هؤلاء الإسلاميين كما أولئك المار ذكرهم من العلمانيين المؤدلجين وغيرهم في هذا المضمار لا يقدسون تربة الوطن التي يعيشون عليها، لقد شاهدناهم في كوردستان، كيف أنهم لم يقوموا على قدميهم لأداء النشيد القومي الكوردي ” ئەی رەقیب” بذريعة أن فيه كلمات تعد شركا، لكنهم يقومون على قدميهم في طهران احتراماً وتقديراً للنشيد الوطني الإيراني الذي يقول: بَهْمَن صار إيماننا” وبَهْمَن هذا اسم لملاك في الدين الزرادشتي الذي سبق الإسلام بـ 1400 عام والمسيحية بـ 700عام الخ. وهكذا إذا تواجدوا في إيران إبان حلول عيد “نَوروز” يحتفلون به مع نظرائهم الإيرانيين، لكنهم يمتنعون عن الاحتفال به مع شعبهم الكوردي – هذا إذا اعتبروا الكورد من أبناء جلدتهم– لأن كل واحد من هؤلاء.. يبحث ليل نهار في بواطن كتب التاريخ لعله يجد كلمة من هنا أو هناك يتناسب مع اسمه جده أو لقبه حتى يزعم أنه عربي الأصل. مثال أحدهم وهو الشيخ “علي قرە داغي” لقد شاهدته بأم عيني وسمعته بأذني في قناة الجزيرة التابعة لدويلة قطر زعم أنه عربي، وأنه من أولئك الأعراب الذين غزو كوردستان في صدر الإسلام، لكنه حين يزور كوردستان ينقلب 360 درجة يرتدي الزي الكوردي ويتكلم باللغة الكوردية!!. هؤلاء هم الإسلاميون في كوردستان، مظهرهم الخارجي كوردي، قشورهم كوردية، لكن في دواخلهم انتماءات أخرى لا تمت إلى الكورد وكوردستان بصلة.
“الثقة لا تحول دون المحاسبة” (لينين)
09 12 2019