أخيرا، حسم الامر أعضاء المجلس الحزبي، للحزب الاجتماعي الديمقراطي في فنلندا، وحصلت سانا مارين (34 عامًا) على 32 صوتًا، مقابل 29 صوتًا لمنافسها، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب، وبهذا تكون أصغر رئيس وزراء في تاريخ فنلندا. جاء الأمر، إثر تنحي رئيس الوزراء السابق أنتي ريني عن موقعه، إثر ازمة إضرابات عمال البريد، احتجاجا على محاولة انهاء عقود عمل 700 عامل وموظف، إضافة الى اتباع إجراءات في تخفيض الرواتب وزيادة ساعات العمل دون تعويض مما اثار غضب النقابة، ثم ما رافقها من سلسلة إضرابات التضامنية معهم، والتي نفذها عمال النقل، فكانت سببا في شل حركة المواصلات من والى خارج فنلندا، ولتكبد الحكومة خسائر كبيرة غير متوقعه. خلال معالجته الازمة حاول رئيس الوزراء التهرب من معرفته المسبقة بنوايا وإجراءات شركة البريد، وحاول تحميل وزيرة البلديات المسؤولية، لكن استقالتها ككبش فداء لم تعالج وتحل الازمة، فمن جهة كانت المفاوضات الصعبة بين شركات البريد والنقابات تسير ببطء لإيجاد حلول مقبولة من الطرفين، ومعها بدأت تتصاعد الأصوات المنتقدة لرئيس الوزراء، الذي هو في الوقت نفسه زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي ، وطريقة تعامله مع الازمة والتشكيك في اداءه، وبدا للبعض انه وقع في شرك ما بناه بنفسه، فهو القيادي النقابي المخضرم، إذ كان مساهما في إيجاد أسلوب التضامن النقابي، بإعلان اضرابات مرادفة تضامنية، ليمنح النقابات قوة ولا يجعلها تكون منفردة في الساحة.
بعد فوزه في الانتخابات الربيع الماضي، قاد انتي ريني تشكيلة حكومية في تحالف ضم حزبين من قوى اليسار، هما حزب الخضر وحزب اتحاد اليسار، إضافة الى حزب الوسط وحزب الشعب السويدي، مع برنامج حكومي حمل الكثير من الوعود للفنلنديين، إثر ما عانوه من حكومة أحزاب اليمين السابقة التي قادها حزب الوسط، ومارست سياسة تقشف اضرت كثيرا بذوي الدخل المحدود. لاحظ المراقبين ان حزب الوسط، رغم وجوده في تشكيلة حكومة أنتي ريني، الا انه شارك بقوة في انتقاد أداء رئيس الوزراء، إذ وجدها فرصة ليثبت أنه وان خسر في الانتخابات لصالح الحزب الاجتماعي الديمقراطي ، لكنه لا يزال رقما قويا في الساحة السياسية. وأضاف متابعين بانه اجراء انتقامي من قبل حزب الوسط موجه الى الاجتماعي الديمقراطي ، الذي كان كذا مرة سببا في تنحي وخسارة زعماء الوسط اثر أزمات مماثلة ، فاعلن حزب الوسط عن عدم رضاه وثقته بأداء رئيس الوزراء، واصطف الى جانب المعارضة، لمسائلة رئيس الوزراء في البرلمان وهذا بالتأكيد كان سيقود الى جلسات التصويت على سحب الثقة من الحكومة، وهنا وللخلاص من الذهاب الى انتخابات مبكرة، قد تكون نتائجها لغير صالح قوى اليسار، بحكم إشارات الاستطلاعات عن تقدم قوى اليمين المتطرف، لجأ الاجتماعي الديمقراطي ، الذي يملك دستوريا حق تشكيل الحكومة، الى المناورة، وإزاحة زعيمه عن رئاسة الوزراء، مع بقاءه في زعامة الحزب، والاعلان عن نيته انتخاب رئيس وزراء جديد من داخل الحزب. قبل رئيس الجمهورية استقالة رئيس الوزراء، مع انتظار اختيار البديل من داخل الاجتماعي الديمقراطي . جرت الأمور سريعا، وفق شفافية العمل الديمقراطي في فنلندا ، فتم تكليف انتي ريني باعتباره زعيم الحزب بقيادة المفاوضات لتشكيل الحكومة البديلة، والتي بعد مفاوضات قصيرة، اعلن انه لم يحدث تغيير كبير فيها، اذا بقت نفس تشكيلة التحالف، مع إمكانية تغيير بعض الوزراء، وأيضا مع الموافقة على البرنامج الحكومي الذي سبق وقدمه انتي رينيه بنفسه، التغيير الاساس كان الاتيان برئيسة وزراء جديدة، امرأة شابة وجميلة، تحمل ماجستير في الدراسات الإدارية، وكانت وزيرة النقل والاتصالات ،وقادمة من عائلة عمالية، ومعروفة بمواقفها المعارضة لانضمام فنلندا الى حلف الناتو ، إضافة الى دعمها برامج الحفاظ على البيئة، وفي حملتها الانتخابية داخل حزبها ، للفوز بمنصب رئيس الوزراء ، أرسلت رسالة قصيرة لأعضاء حزبها تقول فيها : “تعيش فنلندا وضعا استثنائيا، علينا التركيز ومواصلة عملنا في بناء مجتمع أكثر عدالة وأكثر مساواة“.