في السنوات الماضية کانت الهوية الوطنية الواحدة لإقلیم كوردستان جداراً صلباً ومنيعاً لصد جميع المحاولات الإرهابية البشعة لتنظیم داعش الإرهابي وقوی شوفينية خارجية أخری، و ستظل هکذا.
إن تلك المحاولات والهجمات الشرسة أرادت النيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع الكوردستاني وعملت بکل مالدیها من قوة من أجل هدم إستقرارە وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية، لکنە وبفضل القيادة الحکيمة وإصرار شعب الإقلیم الصامد لم تنجح کل تلك المحاولات البائسة كسر أو قهر هذا التماسك المجتمعي القوي.
أما أسباب اللاإستقرار السياسي في العراق فهي عديدة، منها تاريخية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، قانونية، ودولية. وتلك الأسباب خلقت إضطرابات سياسية عنيفة إنتهت بالقمع الوحشي وانعدام السلم الاجتماعي والمدني وتعدد الولاءات والقيم والمرجعيات الوطنية وكثرة الصراعات والتناقضات. التطورات الأخیرة في العراق تثبت لنا وبکل وضوح بأن التاریخفي الشرق الأوسط یعید نفسه وللمرة الألف.
هناك قوی تعادي التأقلم مع العالم المتحضر وتریدالعیش في الماضي، أي تريد الإستمرار في سیاسةالسلب و النهب والأنفال والتعریب والترهیب، لكي تتوقف عجلة التنمية والحياة المدنية وتغیب الشرعية ويموت الأمل. عراق اليوم بأشد الحاجة لدولة عصرية مؤهلة، دون غيرها، لضبط حدود الحريات والحقوق وتوازن المصالح في مناخ يتسم بالأمن الجماعي والاستقرار السياسي.
نحن الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرین، وشعب الإقلیم يعرف جیداً بأن عولمة الهوية الوطنیة لا تحدث دون إمتلاك للمعرفة أو لمفاعيل علمية.
أما الشأن العام فهو اليوم لم يعد حكراً علی منظومة خاصة أو نخبة سياسية، بل هو مجال تداولي يمكن لكل فاعل اجتماعي المساهمة في تشكيله و توسيعه أو الدفاع عنه وذلك عبر الإنخراط في المناقشات العمومية أو بتسليط الضوء علی قضايا الساعة أو تقديم مبادرات خلاقة لحل المشكلات وتدبر الأزمات.
الهوية القوية والفعّالة ليست ما يملكه المرء أو يُعطی له ، وإنها ليست كياناً ما ورائياً ، وإنما هي ثمرة الجهد والمراس والإشتغال علی المعطی الوجودي ، بكل أبعاده ، من أجل تحويله الی أعمال وإنجازات ، فهي إنبناء وتشكيل بقدر ما هي صناعة و تحويل.
شعب الإقلیم يريد العيش بسلام ليس مع الشعب العراقي فحسب، بل مع جميع شعوب المنطقة والعالم و يهدف الى بناء علاقات حسن الجوار المبنية علي مباديء الإحترام المتبادل والمنافع المشتركة.
بالتأكيد هناك الكثير من القواسم المشتركة مع اكثرية الدول في العالم، وهو يريد أن يكون مع العراق عضواً فعالاً ومفيداً للمجتمع الدولي. يحترم حقوق الإنسان والأقليات والأديان والمذاهب ويرغب في مد يد الصداقة وبناء جسور الثقة و التعاون المشترك. شعب الإقلیميتمنی للعراق الإستقرار و لايرغب أن تبحر سفينته بإتجاه اللاإستقرار السياسي في العراق.
إن الحکومات التي أتت بعد سقوط نظام الطاغي صدام عام 2003 الی الحکم قوضت فكرة المواطنة وألغمت المٶسسات الديمقراطية بإفراغها من مضمونها و تحویلها الی نظام طائفي أو الی جهاز ميليشياوي مهيمن، مارس التفاوت والإقصاء بعد أن آمن بأن التنمية لا تعني سوی النهب والسلب والفساد وأن حرية التعبير يجب أن تحجب وتضلل وتقمع بآليات مدروسة ومنظمة.
وکانت النتيجة خروج الملايين من أهالي وسط وجنوب العراق الشرفاء الی الشوارع لإعلان العصيان المدني بهدف تغيير النظام المتهم بالفساد والفشل.
اليوم يريد الشعب المتظاهر والمنتفض في العراق أن يشتغل علی ذاته ليبتكر إنسانيته من جديد، من خلال التمرس بأخلاقية الحقيقة وصناعة الحدث وتجاوز المشروطية وممارسة الإنفتاح الحضاري والتعايش الفكري.
لقد كان شعب كوردستان في الماضي ضحية منطق أحادي تبسيطي مغلق. أما السلطة الحاكمة في بغداد فقد مارست في السابق بسياساتها الفاشية ضده أشدأنواع الإرهاب، ولاننسی أبداً بأنها قامت علانية بتهجيرهم وتعريبهم وإبادتهم جماعياً.
لذا نؤكد هنا بأن الهوية الوطنية الكوردستانية الواحدةوالمتشكلة من اللغة والتراث التاريخي للمجتمع الكوردستاني ومن القيم الحاكمة له، بالإضافة الی رٶیته وأهدافه المستقبلية المستندة الی القيم الإنسانية العالمية، كالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة، التي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وتصون الحريات الخاصة والعامة وتضمن الأمن والاستقرار المجتمعي سوف تحمي إقلیم كوردستان من اللاإستقرار السياسي في العراق.
الدکتور سامان سوراني