أكتب من بعد حوارات وتبادل وجهات نظر مع العديد من الناشطين في ساحات الاحتجاج، في بغداد وبعض المدن العراقية، وكنت حريصا ان استمع لهم واسمعهم وجهة نظري. وانطلاقا من أن الانتفاضة هي ليس بغداد وحدها، وأن الانتفاضة ليس هذه الخيمة في ساحة التحرير، او تلك وحدها، وأنها ملك لكل الشعب، حتى أبناء العراق من يعيشون خارج الوطن لأسباب مختلفة، أسجل هنا وجهة نظري التي تحاورت حولها مع أصدقائي من المنتفضين.
نتفق بأنه واهم ـ وجدا ـ من يظن ان قوى الإسلام السياسي الطائفي، والمليشيات النذلة، وابواقهم العاهرة، داخل وخارج الوطن، يمكن ان يستسلموا بسهولة. الامر ليس حزورة، لأنه لا يتعلق بزوال سلطتهم وتحكمهم برزق وحياة الناس، بل لأن أي حكومات قادمة وفق رؤية الانتفاضة ستكون مجبرة لمساءلة شلة حرامية “المنطقة الغبراء” ومحاسبتهم عن نهب ثروات البلد وتخريبه.
وهكذا وجدنا، رجال الدولة العميقة، يناورون بمختلف الطرق، من اغتيال أبرز الناشطين، الى تنفيذ عمليات الأختطاف والاعتقال، لمحاولة نشر الخوف وبث الهوان في قلوب المنتفضين من ثوار تشرين. ومع اقتراب الانتفاضة من نهاية شهرها الثاني، بدأ سياسي الصدفة المراهنة على تعب المتظاهرين ومللهم، فبدأوا اشغالهم بمسلسل أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء، مع نشر الافتراءات والاكاذيب عن انسحابات من ساحات الاحتجاج، ومحاولة الظهور بروح الحرص على المدارس المغلقة والاعمال المتوقفة وأيضا افتعال أزمات ما تتعلق بأمن وحياة الناس وطبيعة الانتفاضة السلمية (جريمة ساحة الوثبة مثلا) لتحميل الانتفاضة المسؤولية! وربما نرى قريبا مناورات أخرى تنفذ بروح نذلة وبدون أي رادع أخلاقي.
من جانب اخر، ليس سرا، لازالت الانتفاضة وقواها المحركة ـ الثوار، ترواح في مكانها، دون ظهور خطاب موحد، يعكس تنسيق وتنظيم محسوس يمكن الارتقاء بالروح الثورية للانتفاضة، وتصعيد نشاطها السلمي، لأجل كسب جولة أخرى في الصراع لأجل التغيير الشامل. لازالت ساحة التحرير تعيش حالة “الخيم الثورية“، ولم يتعد الامر اجراء زيارات وحوارات واتفاقات لم تنتج عن أشياء ملموسة على صعيد إيجاد لجنة تنسيق موحدة شاملة.
نكرر هنا، بان دماء الشهداء، معاناة ألاف الجرحى، وجهد أبناء كل المدن المشتركين في الانتفاضة، هو مسؤولية برقبة وذمة العقلاء والناشطين من ثوار الانتفاضة. ونكرر بان الانتفاضة ملك لكل الشعب، وعليه، آن الأوان للعمل بروح الايثار، الاستماع للآخر، التحاور مع من يرغب، استشارة الأكاديميين والخبراء، والعمل الجاد لإيجاد ذراع تنظيمي ديمقراطي، مرن، يرتفع بجهد الانتفاضة ويستطيع ان يصل بها الى أهدافها في التغيير الشامل.
لم تكن دماء الشهداء من اجل تغيير رئيس وزراء فاشل لحكومة فاشلة، ولا لأجل إنجاز اعمال ترقيعية في قوانين نظام سياسي كان سببا في خراب العراق طيلة 16 عاما.
حان الأوان للعمل الجاد لاجل التغيير، والكرة في ملعبكم ايها الثوار، يا حاملين الامل. حانت ساعة العمل يا أبناء العراق البررة!
*البوستر للفنان فراس البصري