.
يبدو أن قاموس كثير من القوى السياسية، هي تلك الحلول التي تأتي على الموائد، وقد يكون للملاعق والصحون والبهارات والتوابل دور في تصفية الأمزجة السياسية، وربما يُقال للمحتوى الأكبر ماعون سياسي، والمحرك ملعقة سياسية وهكذا ولا يستثنى “الطشت” والدلو “السطل” ومطابخ القرار من المفردات السياسية، ولم تُخطيء إحدى الكتل السياسية بتفسيرها الشخصي، وطرحها مبدأ المائدة المستديرة لحل المشكلات السياسية، وتشكل الحكومة من هذه المائدة.
كما يبدو أن العمل السياسي والتوصيفات، حسب النوايا التي جعلت من العراق وليمة، يتقاسمها طيف سياسي أتى في غفلة من الزمن.
ذات يوم تم تعيين أحد المحافظين في مدينة الناصرية، وفي إحتفالية التنصيب، همس رجل كبير بأذنه وقال له: “لا تأكل سمك الناصرية”، فيما هذه المدينة مشهورة بسمكها المملح من نهر الفرات، الذي يمر بمملحة السماوة.
المحافظ لم يعي الكلام، وطاب له أكل السمك، وأصبح ينتقل من وليمة لآخرى، ومن سمكة لأكبر، وصارت الولائم تعج بالتجار والمقاولين وكبار رجال الأعمال، وبريد المحافظ يُوقع قبل أو بعد الوليمة، وتُوقع المعاملات المعقدة والعقود، ولا يتردد المحافظ من أيّ توقيع، سيما بعد أكل السمك كما معروف يكون معه البصل والطرشي واللبن والمشروبات الباردة والخبز الحار، ما يجعل الشخص يسرتخي وتنفخ بطنه ويشعر بالنعاس.
إن الموائد مشهورة عند العراقيين، منها كرماً وآخرى للبذخ والتفاخر ومنها ما أصبح لها أجواء خاصة وأماكن محددة، تخصص للصفقات وإجتماع كبار المسؤولين والمقاولين، وحتى المافيات يتقاسمون غنائمهم على الموائد، ويخطط للجريمة على موائد باذخة كنوع من الترف والإسراف وكما يقولون بالمثل العراقي” الرجال تاكل على كـَد أفعالها”، ويعتبرون كثرة الأكل منقبة، وهناك من ينتظر الولائم ويسمون” العظامة”.
الحوار في قضايا مصيرية لا يتم بالموائد والولائم، بل على طاولات الحوار المستديرة، ولكن إستدارة المائدة لا تمنع “عظاماً” من التجاوز على حق غيره، بل فرصة للوصول الى حقوق كل الأطراف.
التعبير الذي ساقته أحدى الكتل، كأنه مفهوم سياسي جديد يضاف لقاموس العظامة السياسية، وكأن العراق فريسة ووليمة كبيرة، يجلس على مائدتها طبقة سياسية يتحركون ويعرفون من أين تؤكل الكتف، وكالعظامة لهم فكر وثقافة وتجمعات ورصد للولائم، وإختيار المكان المناسب للجلوس بعد دراسة السيرة الذاتية للموجودين، للجلوس قرب المصابين بالضغط والسكر وتصلب الشراين، لأنهم يمتنعون عن أكل اللحوم والمواد الدسمة، وبهذا يكون بعض السياسيين عظامة على مائدة العراق دون حق، وسيدخل في مفهوم السياسة أدوات الأكل، كمفردات تتداول الولائم وما ينتج عنها بدل المفردات السياسية، لكن المشكلات تُحل على طاولة الحوار لا موائد الولائم والصفقات.