بين الحين والأخر نسمع بعض الدعوات، التي تدعو للوحدة الكردية، هذا بحد ذاته أمر إيجابي. لكن قلما نسمع من أصحاب هذه الدعوات، ما هي الوحدة التي يدعون إليها؟ هل هي وحدة الشعب الكردي بأسره أم وحدة كل جزء على حده؟ ولمن يتم توجيه تلك الدعوات؟
قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضع المتشعب والمعقد، علينا أن نطرح سؤالآ بسيطآ وبديهيآ، ومن ثم الإجابة عليه ليسهل علينا فهم الموضوع بشكل أفضل. السؤال هو: هل يمكن توحيد الأمة الكردية في
ظل تقسيمها بين أربع دول ممكنآ؟ الجواب بكل أسف لا. وهذه الحقيقة يدركها كل من لديه مستوى معين من الوعي السياسي والفكري.
إذآ عن ماذا يدور الحديث؟ حسب رأي، كل تلك الدعوات تدور حول وحدة الكرد في كل جزء من أجزاء كردستان، مضافآ إليه التنسيق بين القوى السياسية الكردستانية الرئيسية، وهن عمليآ أربعة أحزاب هما: حزب العمال الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بشقيه العراقي والإيراني والإتحاد الوطني الكردستاني.
سبب فشل القيادات الكردية في توحيد صفوفها في كل جزء من أجزاء كردستان حتى الأن، يعود لعاملين أساسيين هما:
العامل ذاتي: حيث أن قيادة كل حزب من هذه الأحزاب أعطت لنفسها الشرعية للتحدث بإسم الشعب الكردي، وخونت الأطرف الأخرى وإتهمها بالعمالة للسلطات المحتلة لكردستان. وتاجرت هذه القيادات بقضية الشعب الكردي خدمة لمصالحها الشخصية أولآ وثانيآ العائلية والحزبية بدرجة ثالثة. ولهذا بسبب تقوقعت هذه الأحزاب على نفسها، ودخلت في صراع مع بعضها البعض ونسيت العدو الرئيسي.
وفي بعض الحالات وصل الأمر إلى الإقتتال الكردي– الكردي كما شاهدنا ذلك في جنوب كردستان. وفي غرب كردستان كان كل يوم يفرخ حزب جديد حتى وصل عدد الأحزاب إلى أعداد فلكية، وكل تواجدها كانت لا تخرج عن مدينة القامشلي وما حولها من قرى، وفي الوقت الذي كان الحزب الشيوعي السوري يسيطر سيطرة شبه كاملة على المناطق الكردية، ولم يكن حينذاك قد نشأ بعد حزب العمال الكردستاني بقيادة اوجلان.
العامل الخارجي وهو ذو شقين:
الشق الأول:
هو تمكن أجهزة الأمن في الدول المحتلة لكردستان، من إختراق الأحزاب الكردية وخصوصآ في غرب كردستان وشمالها. حيث تمكنت أجهزت المخابرات من تفتيت تلك الأحزاب من الداخل، وإفراغها من مضمونها، وشراء زمم بعض القيادات بالمال، وإلهائها بعضها البعض. وحتى وصل الأمر في بعض الأحيان كانت أجهزت المخابرات تستخدم تلك الأحزاب للسيطرة على الشارع الكردي. ولذلك فشلت هذه في توحيد صفوفها أو التنسيق والتعاون فيما بينها.
الشق الثاني:
هو تدخل دولة كتركيا وإيران وسوريا في شؤون الأحزاب الكردية في الأجزاء الأخرى، والغضط عليها كما حدث في جنوب كردستان ومنعوها بالقوة ومن خلال الرشوة المالية، من توحيد صفوفها والتنسيق فيما بينها. وهذين الأمرين مستمرين حتى الأن وأكبر دليل على موقف جماعة المكنسة (الأنكسة) المؤيد للعدوان التركي على غرب كردستان، وإحتلالها لمدينة عفرين، الباب، سريه كانية، وغريه سبي مؤخرآ.
من هنا يمكنني القول، بأن كل مَن إدعى أو يدعي بأن حزب العمال الكردستاني، هو مَن يعرقل توحيد الصف الكردي لا يقول الحقيقة، وبكلام أخر هو كاذب ومخادع من العيار الثقيل. هذه المعضلة يعاني منها القادة الكرد منذ مئات السنين، ودليلآ على الإنقسام الكردي في جنوب كردستان حتى قبل ظهور حزب العمال، وهذا ينطبق أيضآ على غرب كردستان وشمالها. وكلنا يتذكر كلام الشاعر والفيلسوف واللغوي الكردي الكبير أحمد خاني، رمز الثقافة الكردية في هذا الصدد.
أنا هنا لا أبرئ حزب العمال من مسؤوليته عن عدم إنجاز هذه الوحدة، بعد نشوئه وإنتشاره الواسع في كل كردستان والمهجر، وإحتلاله المركز الأول بين الأحزاب الكردية من حيث الجماهيرية وقوة التأثير والنفوذ، بفضل نضالاته وكريزمة زعيمه عبدالله اوجلان المسجون ظلمآ وعدوانآ من قبل الأتراك.
مع ظهور حزب العمال “الكردستاني” تعقدت المسألة أكثر وأكثر، وخاصة بعد تحوله إلى حزب رئيسي على الساحة الكردستانية. وأخطأ حزب العمال عندما حربآ إعلامية ضد جميع القوى السياسية الكردية،
التي سبقته في النضال السياسي وحتى الكفاح المسلح، وقام بتخوينهم جميعآ، لأنهم لا يدعون إلى إقامة دولة كردستان الموحدة، وإتهم بعض هذه الأحزاب بالرجعية والعمالة للغرب الإمبريالي، والأن بنفسه يجلس في أحضان العم سام، والأنكى من هذا يرفض قيام دولة كردية!!..
سياسة الحزب في البداية كانت يسارية متطرفة، وهذا خلق له أعداء كثر على الساحة الكردستانية، وأخذ الجميع يتوجسون منه وخاصة جماعة البرزاني، لأنه لا يوجد شيئ إسمه الحزب الديمقراطي، حسب رأي بعد خروج القيادات المتنورة منه عام 1966 بقيادة جلال الطالباني وإبراهيم أحمد وتشكيلهم الإتحاد الوطني الكردستاني عام 1975، وسيطرة عائلة البرزاني على الحزب سيطرة كاملة.
وجدت عائلة البرزاني في حزب العمال بقيادة اوجلان وسياسته اليسارية الرديكالية، خطرآ جديآ على مصالحها العائلية، والإمارة التي يسعون لإقامتها على حساب دماء الشعب الكردي. إرتمت هذه العائلة أكثر فأكثر في أحضان الدولة التركية العدو التاريخي للكرد، التي تربطهم بها علاقة تاريخية تعود لمئات السنين وهي ذات طابعين: طابع ديني وهو إنتمائهم للطريقة النقشبندية المتخلفة والمتزمة للغاية، وثانيآ ذات طابع مصلحي، حيث تركيا ومن قبلها الدولة العثمانية كانت تدعم المشيخة البرزانية في وجه الطريقة القادرية، التي تتمثل بشيوخ الععائلة الطالبانية والتي تميل إلى إيران أكثر منها الى تركيا. ولهذا خاض البرزاني عدة حروب ضد حزب العمال بالتعاون الوثيق مع المحتلين الأتراك وبطلب رسمي منهم.
لقد جرت محاولات عدة لعقد مؤتمر وطني كردستاني جامع، بهدف إنشاء هيئة سياسية تمثل جميع الكرد في المحافل الدولية، على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أخرها قبل عدة سنوات، ولكنها فشلت بسبب رغبة مسعود البرزاني الجامحة بوضع يده على المؤتمر وترؤوس تلك الهيئة العتيدة بمفرده، وهذا ما رفضه حزب العمال الكردستاني بطبيعة الحال، وفشلت تلك المحاولة أيضآ.
وهذا الخلاف المستحكم بين حزب العائلة البرزانية، (التي تحولت إلى مافيا حقيقة ومعها عائلة الطالباني)
وحزب العمال الكردستاني، يحول دون التنسيق بين القوى السياسية الكردستانية وتوحيد خطابها الوطني ورص صفوفها. فالبرزاني يريد من جميع الكرد شمالآ وشرقآ وغربآ إضافة لجماعة الطالباني أن يكونوا مجرد أزلام يعملون عنده وعندى عائلته، بحيث إذا مات الملا مسعود، يصبح الملا نجيرفان أو مسرور قدس سرهم الملا الجديد للكرد بعد الملا مصطفى والملا إدريس. أي أن يحكموننا كعائلة الأسد إلى الأبد.
ومن جهته حزب العمال الذي كان يطالب بإقامة دولة كردستان الموحدة، فجأةً وبقدرة قادر تغير موقفه 360 درجة، ولم يعد يريد حتى حكمآ ذاتيآ للكرد، ويقف بشدة ضد قيام أي دولة كردية، يا سبحان مغير الأحوال. وفقط بالصدفة المحضة، جرى كل ذلك بعد القاء القبض على زعيمه اوجلان! ومع ذلك ينادي بوحدة الصف الكردي!! والوحدة بمفهوم حزب اوجلان، هو أن تتخلى عن أفكارك ومبادئك، وتتبنى فكر القائد وبذلك تتحقق الوحدة الكردية!
كلا الطرفين ليس صادقين فيما يخص وحدة الصف الكردي، وسأضرب أمثلة على ذلك يفضح نفاق هذه الأطراف ويعريهم تمامآ.
كيف لشخص حول حزب سياسي كردستاني إلى حزب عائلي مطلق، بعد أن وضع أبنائه وأقرباء زوجته في مواقع المسؤولية وتحالف تحالف مع المجرم شاه إيران، أن يؤمن بالوحدة الكردية وأقصد بذلك المرحوم مصطفى البرزاني. ومن بعده إستعان نجله الملا مسعود بجزار الشعب الكردي المجرم صدام حسين لمحاربة الملا جلال الطالباني وإخراجه من هولير، وخاض حروب داخلية راح ضحيتها خمسة ألاف ضحية. وليس هذا فقط، بل قام بحفر خنادق مع غرب كردستان، ونهب أموال الشعب الكردي، وسرق الأراضي، ووضع جميع المواقع الحساسة بيد أبنائه وأبناء إخوته وأقربائه، حتى لا يستطيع أحد معارضته في مشيخته، التي تضم هولير ودهوك وزاخو. وربط وجوده بالوجود التركية، وشاهدوا عدد المعسكرات التي يتواجد بها الجيش التركي داخل أراضي إقليم جنوب كردستان.
إذا كان مسعود غير مستعد التنازل للإتحاد الوطني من أجل توحيد الإدارتين وقوات البيشمركة، وقام بطرد رئيس البرلمان المنتخب، ومنعه من دخول مدينة هولير عاصمة الإقليم، وأغلق البرلمان بالمفتاح، كما فعل نبيه بري بالبرلمان اللبناني تمامآ، فكيف سيتنازل حضرة الملا لحزب العمال والكرد في شمال كردستان وغربها وشرقها؟
كيف لي ومعي ملايين الكرد أن يصدقوا، بأن مثل الشخص وعائلته يؤمنون بالوحدة الكردية وصادقين فيما يقولون؟ بالقطع لا أحد يصدق هذا اكلام السخيف والمخادع. إن حديثهم عن الوحدة الكردية، تمامآ كحديث حافظ الأسد العلوي وإبنه بشار عن الوحدة العربية. وهذا ينطبق حرفيآ أيضآ على سعادة الملا جلال الطالباني وعائلته المافيوية.
والأن دعونا نتحدث عن حزب العمال الكردستاني، الذي لا يعجبه عجب ولا رمضان في رجب، والذي يظن أنه يمتلك الحقيقة لوحده والأخرين على ضلال. سؤالي كيف لهذا الحزب أن يدعوا للوحدة الكردية ويؤمن بها، وهو الذي تخلى عن كل شعارته الطنانة والرنانة خلال ساعة واحدة، بعد القاء القبض على زعيمه اوجلان بكينا قبل عشرين عامآ؟
ثم كيف لحزب يرفض قيام دولة كردية قومية، ويطالب بإلغاء الهوية القومية للشعب الكردي وإعطائه هوية جديدة إسمها “الإمة الديمقراطية“، ويتحدث في نفس الوقت عن الوحدة الكردية ويدعوا إليها؟ ما هذا التناقض العجيب الغريب!!!
الجميع يدرك بأن حزب العمال، حزب شمولي حاله حال حزب البعث، لا يؤمن بالتعددية مطلقآ والوحدة بمفهومه هو إنصهار الجميع في بوتقته، وهذا تبين من خلال ممارساته العملية على الأرض بعد حكمه لغرب كردستان لسنوات عدة، وكل تصريحاتهم حول الوحدة هي برأي مجرد كلام هدفه دغدغة مشاعر الجماهير الكردية لا أكثر. والمضمون الحقيقي لدعواتهم هذه هو أن إنضمام الأخرين إلى ما أقاموه من هيئات ومؤسسات مدنية تابع للإدارة الذاتية، والتنظيمات العسكرية والأمنية المختلفة التي تعمل تحت راية “قوات سوريا الديمقراطية“.
خلاصة القول، على الوطنين الكرد أن يخفضوا من توقعاتهم في العام الجديد والأعوام التي تليه. إن الذين لم يستطيعوا أن يتجتمعوا حول أبجدية واحدة، وعلم كردي واحد، كيف سيجتمعون حول كلمة واحدة وهدف واحد يجمعهم جميعآ؟؟
31 – 12 – 2019