انتفاضة كوّنت قطباً شعبياً واسعا ضم الشباب و الشابات و كل الاعمار، و صار صوته اعلى من الدستور الذي انتهكته و تنتهكه الكتل الحاكمة منذ جلوسها على مقاعد الحكم، و تتستر به و تتعلّق بقشور مواعيده و تسلسل سيره، بل و تهدد بكذبة (الفراغ الدستوري) التي صنعتها هي في السابق و تخطّتها بعد ان اعتبرتها خرقاً فقط من الخروقات التي تحصل اعتيادياً و يجري عبوره، مادامت تحافظ على ثرواتها و على تسلّط رؤساء الكتل، الذين اعتبروه ( رزقاً دائماً من رب العالمين) ، التسلط الذي كما وصفه اكثر من نائب علناً على انواع الفضائيات العراقية و العربية.
قطباً شعبياً هزّ و مزّق وحدة الكتل الحاكمة و زاد من النفاق المؤسف لأعضائها بكلام ليل يمحوه النهار، على صخرة تضارب مصالح قادتها و افرادها الانانية الضيقة . . مقدّماً اكثر من 700 شهيداً و 27 الف جريح و معوّق بينهم من افراد القوات الحكومية التي حمت التظاهرات، وفق احصاءات مستقلة . . مطالباً بـ :
الاستقلال و انهاء انواع الاحتلال و التدخل الخارجي بشؤون حكم البلاد، ” وطن ” كاوطان عالم اليوم التي تعيش الحياة الانسانية، معاقبة قتلة شهداء التظاهرات و القائمين على الاختطافات و الاغتيالات و الكواتم في المحاولات الجارية لتصفية وجوه و نشطاء الانتفاضة الباسلة، الغاء ميليشيات الطرف الثالث الوقحة !! تقديم كبار الفاسدين للعدالة علناً، تعديل الدستور و الغاء المحاصصة الطائفية و الاثنية، قانون انتخابات افضل من المعدّل الاخير، قانون منصف للاحزاب . .
قطباً حصل على تأييد اوسع الاوساط العراقية بالوان طيفها و اجناسها، حتى صار الشعب و المرجعية و النقابات و الاتحادات المهنية و الطلابية معه و مشاركة به، بل و سحب كتلاً برلمانية له صارت تدعو للتغيير و صارت تعبّر عنها الصراعات داخل البرلمان الحالي و تصريحات نواب يؤيدون التغيير و يطالبون بمعاقبة قتلة المتظاهرين، و الفاسدين علنا . .
و مما تقدّم، اثبتت الانتفاضة انها على صواب، و ان معادلة الحكم و المحاصصة لم تعد فاعلة كالسابق، فيما تصرّ كتل حاكمة اساسية على الحفاظ على الوضع السابق اللادستوري بحجج (الدستور) و تلوّح بارهاب ميليشياتها و باطراف اقليمية الى تحويل البلاد الى ساحة حرب اهلية، وسط صمت دولي او تضامن اممي لايرقى الى مستوى الاحداث و التضحيات و الآفاق . .
و ترى اوساط واسعة ان لاحل الاّ باجراء انتخابات مبكرة، تهئ لها و تقوم بها حكومة انتقالية على الاسس الدستورية الجديدة، تلغي ميليشيات الطرف الثالث التخريبية مهما كانت واجهاتها و تقديم من خاضوا بدماء شباب البلاد الى القضاء، الميليشيات التي انتفت لها الحاجة الان، بوجود قوات عراقية نظامية مسلحة اثبتت قدراتها بالانتصار على داعش . .
من اجل اصلاح العملية السياسية بحالة اكثر تطوراً من بداياتها حين جرى التصويت على الدستور لأول مرة على اساس برنامج الحكم الانتقالي آنذاك، و الان بوجود دستور معدّل و وجود رقابة شعبية فاعلة تتكون من : ممثلية ثوار اكتوبر و النقابات و الشخصيات الوطنية المستقلة المشهود لها بحب الوطن و الاستقامة و الكفاءة، و ممثلي القوى الوطنية التي ناضلت ضد الدكتاتورية و بقيت بعيدة عن الفساد . .
و يؤكد مراقبون و خبيرون بأن ذلك لايمكن انجاز و لو جزء منه دون الضمان الفعلي لإستقلال البلاد باي وسيلة كانت في عالم اليوم المتعدد القطبية، و دون تحريم نشاط (ميليشيات الطرف الثالث) التي تنتحل اسم الحشد الشعبي و تتحرك بأوامر من الخارج، بلا قدرة للحكومة العراقية على ضبطها كما بينت مواقفها من اعتداءاتها الوحشية على المتظاهرين السلميين منذ البداية.
و فيما يستنكر كثيرون القصف الاميركي على منشئات عراقية دون اذن من حكومة البلاد، فانهم ينبهون الى تصرفات ميليشيات الطرف الثالث التي لايردعها قانون عراقي، الميليشيات التي اثارت و تثير وحدات الحشد الشعبي الميدانية البطلة ضدها، منذ فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي، بسلوكياتها اللامنضبطة خلال عمليات مكافحة داعش الارهابية و اطلقت عليها تسميات : الميليشيات اللامنضبطة، الوقحة، المنفلتة . . و غيرها.
و يتساءل عديدون، الا يَحذَرون من انفلات الاوضاع في بلادنا الجريحة في صراع عسكري امريكي ـ ايراني تابعي، على ارض العراق، بوجود ميليشيات الطرف الثالث المنفلتة و قوات امريكية مستعدة للمغامرة، في ظروف البلاد المؤسفة التي هيمنت فيها المحاصصة و الفساد اللتان اسقطتا الموصل بيد داعش الاجرامية حينها و التي تؤدي الى تمدد داعش مجدداً الان . .
يصف قسم آخر السلوك المنفلت لتلك الميليشيات و تصريحاتها علناً نهاراً جهاراً، بانها ستنهي التظاهرات بذبح المتظاهرين، و مارس افرادها و يمارسون انواع عمليات القتل و الاختطاف و التعذيب و اخيراً القتل بالكواتم، التي لم تزد الانتفاضة الاّ عنفواناً اكبر . . و يتساءلون في وقت يمر فيه العراق باصعب و ادق مراحل دولته و شعبه، هل تسعى تلك الميليشيات باستفزازاتها المتكررة لمواقع التحالف الدولي لمكافحة الارهاب (داعش)، لجر الصراع العسكري الايراني ـ الاميركي الى ارض العراق بعد فشلها في اخماد الانتفاضة . . لإنهاء الانتفاضة ؟؟
في وقت تنتظر فيه البلاد ثمار الانتفاضة البطولية التي قدّمت و تقدّم جحافل الشهداء و آيات التضحيات بشبابها . . و الاّ كيف يمكن للبلاد مواجهة كل تلك المخاطر دون (عمق ستراتيجي) كما يدعوه اصحاب القرار، اليس العمق الستراتيجي هو التأييد الجماهيري و عيش الشعب بأمن و عدل ؟؟ كيف تواجه البلاد تلك المخاطر دون دولة مزدهرة بمفاصل و مؤسسات تكافح الفساد ؟؟ و كيف ستستطيع البلاد استرداد حقوقها من كبار السراق على اساس (ان الشعب هو مالك الثروات)، كي يستطيع العراقي باطيافه ان يعيش كإنسان . . ليستطيع مواجهة صراع المحتلين ؟؟ (انتهى)
30 / 12 / 2019 ، مهند البراك