.
هي وعود كثيرة تلك التي تعهدت بها الحكومة في بغداد منذ تشكيلها برئاسة “عادل عبد المهدي”، ولعل أكبر كم من تلك إن متظاهري ثورة تشرين خرجوا لأجل استرداد حقوقهم في الأول من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي ولا تزال مستمرة.
ومع انتهاء عام 2019 ودخول عام 2020 تطرح العديد من التساؤلات عن الذي تحقق من هذه الوعود وعن تلك التي لا تزال معلقة.
“إن متظاهري ثورة تشرين خرجوا لأجل استرداد حقوقهم”
وعود بالجملة
“وعود جوفاء” بهاتين الكلمتين، يصف الناشط من ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد “رائد فارس” الوعود الاصلاحية التي أطلقتها حكومة “عادل عبد المهدي” المستقيلة.
إذ يقول فارس في حديثه لوكالة “يقين” إن متظاهري ثورة تشرين خرجوا لأجل استرداد حقوقهم، وليس لأجل استحصال وعود اصلاحية يعلم جميع العراقيين مسبقا أنها كاذبة.
ويضيف أن من جملة الوعود التي تعهدت بها حكومة عبد المهدي المستقيلة (رواتب للأسر الفقيرة ومنح للعاطلين عن العمل والاسراع بمحاكمة الفاسدين والتحقيق في اطلاق النار على المتظاهرين وضمان عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين ومنع الميليشيات من المشاركة السياسية ومحاربة الفساد وتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة وتعديل الدستور وقانون الانتخابات)، لافتا إلى أن جميع هذه الوعود لم تطالب بها التظاهرات، بل طالبت برحيل جميع الكتل السياسية الحالية التي برحيلها تتحقق مطالب الشعب العراقي التي لا تقدر بثمن وهي “نريد وطنا”.
واختتم فارس حديثه بالإشارة إلى أنه حتى هذه الوعود الحكومية لم يتحقق منها أي شيء، بل على عكس ذلك زاد قمع المتظاهرين ولم يكشف عمّن قتل وقنص المتظاهرين فضلا عن تدوير الفاسدين ونقلهم من مواقع إلى آخر دون أي محاسبة.
من جانبه، يرى المحلل السياسي “ليث الجبوري” في حديثه لوكالة “يقين” أن الوعود الإصلاحية التي أطلقتها الحكومة المستقيلة لم تخرج عن كونها مجرد إنشاء مبتذل لم يرقى إلى كونه خطابا سياسيا ووعودا إصلاحية بتوقيتات معينة.
ويؤكد الجبوري أنه وبعد أكثر من 80 يوما على استهداف المتظاهرين بالقنص وسقوط العشرات في بغداد، لم تكشف الحكومة حتى الآن عن الجهة التي قنصت المتظاهرين ولم تحرك ساكنا تجاه هذا الملف الذي زاد من حجم الاحتجاجات بين الموجة الأولى والثانية لها.
وعن الوعود الاصلاحية الخدماتية، يشير الجبوري إلى أن أيا من وعود الحكومة لم ترقى إلى الواقعية، إذ أن إصلاح الوضع العراقي السياسي والاقتصادي لا يتم عن طريق منح الأموال للعاطلين عن العمل أو القروض، ولا يتم من خلال تعديل قانون التقاعد الذي حفض سن التقاعد إلى 60 عاما، ما يعني أن الحكومة والكتل السياسية الحالية عاجزة حتى عن صياغة وعود إصلاحية تكون مقبولة من حيث المبدأ.
“الوعود لم تفلح حتى في تذليل العراقيل أمام المشاريع السكنية الاستثمارية المتوقفة منذ سنوات”
اقتصاديا، تشير الأكاديمية وأستاذة علم الاقتصاد “بسمة غانم” في حديثها لوكالة “يقين” إن نسب البطالة والفقر والعجز المالي والدين العام تعد الاكبر على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وبفارق كبير، وإن ما يحدث في العراق هو نهب ممنهج للثراوت أمام مرأى ومسمع العالم كله.
وأكدت غانم على أن الحكومة المستقيلة وعدت ببناء 100 ألف وحدة سكنية (ضمن وعودها الاصلاحية) إلا أنها وبعد قرابة الشهرين على هذه الوعود لم تفلح حتى في تذليل العراقيل أمام المشاريع السكنية الاستثمارية المتوقفة منذ سنوات بسبب الفساد الاداري والمالي وسطوة الميليشيات في غالبية الوزارات والمؤسسات العراقية.
واختتمت “بسمة غانم” حديثها لوكالتنا بالتأكيد على أن فاقد الشيء لا يعطيه، مشيرة إلى من يفشل في صياغة وعود إصلاحية لن يستطيع تنفيذ ما وعد به إطلاقا.
تراكم الأزمات في 2020
يستقبل العراقيون عام 2020 وكلهم أمل أن يحمل العام الجديد مستقبلا أفضل لهم ولبلادهم، في ظل تعثر الإصلاحات التي لم يتحقق منها بحسب كثير من المراقبين إلا وعدا إصلاحيا واحدا لكنه أعرج ويتمثل بتعديل قانون الانتخابات.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية “برهان ثابت” في حديثه لوكالة “يقين” إن الوعد الوحيد الذي تحقق من وعود الحكومة الإصلاحية كان تعديل قانون الانتخابات الذي أتى بضغط من بعض النواب وليس الكل، لكن تعديله كان أعرجا ولم ولن يحقق الكثير من التغيير المنشود في العراق.
ويضيف أن قانون الانتخابات الجديد يشبه إلى حد كبير القوانين التي أقرت بعد عام 2003 والتي تحمل عشرات التأويلات والتفسيرات ويضم العديد من الثغرات التي يمكن أن تستغلها ذات الأحزاب، خاصة أن بعض الفقرات ظلت معلقة بلوائح وتعليمات لم تصدر حتى الآن، لافتا إلى أن القانون الجديد للانتخابات جاء تلبية مخادعة لمطالب المتظاهرين.
على الجانب الآخر وعن تبعات عدم تنفيذ أي من الوعود الإصلاحية خلال عام 2019، يشير الخبير الأمني “حسن العبيدي” في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن التطورات الأمنية والسياسية في العراق تتغير بالساعات، وإن من شان عدم تلبية مطالب المتظاهرين من قبل الحكومة والكتل السياسية أن يجر العراق إلى حرب جديدة لن تبقي ولن تذر، إذ أن الهجوم على مقر السفارة الأمريكية من قبل الميليشيات يؤكد وللمرة الألف أن العراق تحكمه ميليشيات إيران المتمثلة بفصائل الحشد الشعبي.
وأكد العبيدي على أن وعود رئيس الوزراء المستقيل بالتحقيق في جرائم قتل المتظاهرين باتت “أضحوكة” بعد أن كشفت مقاطع فيديوية مسربة من داخل السفارة الأمريكية كيف يتوسل قائد عسكري كبير في العمليات المشتركة للميليشيات.
وأضاف العبيدي أن ظهور نائب قائد العمليات المشتركة الفريق “عبد الأمير يار الله” وهو يتوسل الحشد بالانسحاب من مقر السفارة الأمريكية في بغداد كشف عن أن لا هيبة للأجهزة الأمنية مقابل الميليشيات.
الصحفي “عبد الله المولى” وفي حديثه لوكالة “يقين” أوضح أن ساسة المنطقة الخضراء أضعف من أن يعطوا وعودا إصلاحية، إذ أنهم المتسبب بكل ما يعانيه العراق وشعبه من ويلات منذ 17 عاما، وبالتالي فإن الحل لا يأتي ممن كان السبب في المشكلة.
وأضاف المولى أن العراق وبسبب تعنت الأحزاب والكتل السياسية، فإنه يستقبل العام الجديد بحصاد مر بمقتل وجرح أكثر من 21 ألف متظاهر أكثر من 3 آلاف منهم أصيبوا بعوق دائم، لافتا إلى أنه ومع استمرار التظاهرات وعدم تلبية مطالب الاحتجاجات السلمية، فإن الأوضاع في العراق قد تتجه نحو الاسوأ خاصة على مستوى حرية التعبير وضمان حق التظاهر السلمي.
كثيرة هي الوعود الإصلاحية التي وعدت بها الحكومة والكتل السياسية في عام 2019، إلا أنه ومع انقضاء العام ودخول العراقيين 2020، فإن لا أمل يرجى في حكومة تعد بما لا تنفذ.