سمح التقدم الطبي لاكتشاف عمليات زراعة الأعضاء والتي فتحت باباً من الأمل للعديد من المرضى فتلك العمليات كانت السبب بعد إرادة الله في إنقاذ حياة شخص أو تعويض شخص ما عن أحد أعضاءه، ومنذ أن بدأت جراحات زراعة الأعضاء توافد عليها العديد من المرضى فوفقاً لتقرير DLA للمانحين، تم إجراء 33,611 عملية زرع في عام 2016، وهناك 116,000 شخص ينتظرون إجراء عملية زراعة الأعضاء اعتباراً من أغسطس 2017، ومن المعروف أن عمليات زراعة الأعضاء التي تشمل الكبد ونخاع العظام تؤثر بشكل مباشر في تغيير فصيلة الدم لتجعله مماثل للمانح مع مرور الوقت، ولكن الجديد والذي يقوم بدراسته الباحثون الآن هي ظاهرة جديدة بين مرضى زرع القلب الذين يبدو أنهم لاحظوا تغيرات في الأذواق والتي تُماثل أذواق مانحي الأعضاء.
وهذا الأمر بالطبع غير مُعمم فوفقاً لدراسة أُجريت على 47 مريض زرع قلب تمت مقابلتهم خلال سنتين، لم يشعر 79٪ منهم بأي تغير في شخصيتهم، وشهد 15٪ منهم فقط تغيراً بسبب الحدث المهدد للحياة، وأكد 6% منهم بالشعور بالتغير الجذري، وتم إجراء دراسة أخرى في كلية التمريض بجامعة هاواي، والتي ركزت على 10 مرضى زرع قلب، ووجد الباحثون أن هناك ما لا يقل عن اثنين إلى ثلاثة تغييرات لكل مريض بعد الجراحة تعكس أذواق المتبرعين سواء كانت هذه الأذواق خاصة بالطعام أو الموسيقى أو الفن أو الترفيه أو حتى الحياة المهنية، وبينما تكون التغييرات بسيطة للبعض مثل تغييرات في الأذواق يواجه البعض الآخر حالات أخرى تتمثل في الشعور بالصدمة أو وجود ذكريات أو مشاعر والتي عانى منها المتبرعون قبل وفاتهم!!
وسنعرض لكم قصص بعض الحالات التي عانت بالفعل من تغييرات الشخصية سواء الطفيف منها أو المؤذي:
التغييرات غير المؤذية:
♦ تلقى ديفيد ووترز قلب المانح كادن ديلاني حيث كان الأخير يبلغ من العُمر 18 عاماً، وبدأت تجتاح ديفيد رغبة شديدة في تناول برغر رينغز والذي تبين بعد ذلك أنها الوجبة المفضلة للمانح قبل وفاته.
♦ بدأت كلير سيلفيا والتي حصلت على قلب رجل يبلغ من العمر 18 عاماً وتوفي في حادث دراجة نارية للشوق لتناول قطع الدجاج مع مشروب ما، وكانت لا تبالي حتى رأت في أحلامها اسم يتكرر وهو “تيم إل” وبعد البحث اتضح أن “تيم إل” هو المتبرع وأنه اعتاد تناول هذه الوجبة على الدوام، وهذا ما ذكرته في كتابها “تغيير القلب”.
التغييرات التي لها تأثير سلبي:
♦ بعد جراحة زرع القلب تلقتها فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات، عانت من الكوابيس حول الرجل الذي قتل متبرعها، ومن المثير للاهتمام أن تفاصيل أحلامها كانت دقيقة للغاية لدرجة أن الشرطة تمكنت من تعقب القاتل الذي أفلت منهم حتى ذلك الحين وأدانته!!!
♦ هذه القصة هي الأغرب: انتحر رجلاً يُدعى تيري كوتل من خلال إطلاق النار على رأسه، وتم منح قلبه لرجل يُدعى سوني غراهام وذلك عام 1995، وبعد أن شفى سوني قام بالتعرف على زوجة مانحه وتزوجها بالفعل وبعد مرور 12 عام قام سوني بإطلاق النار على نفسه داخل الحلق.
وعلى الرغم من البحث والتطور الذي توصلنا له إلا أن تكوين الذكريات وتخزينها لا يزال غير مفهوم تماماً، والنظرية المقبولة حالياً هي أن المشابك الدماغية تلعب دوراً رئيسياً في تكوين الذاكرة، والذاكرة كما نعلم هي قدرة عقولنا على تشفير وتخزين واسترجاع أي معلومات نحتاجها، وقد يحدث هذا بإرادتنا وأيضاً قد يحدث بدون وعي، وما توصل إليه العلماء حتى الآن أنه توجد عدة مناطق في الدماغ مسئولة عن تكوين الذكريات فعلى سبيل المثال: يكون قرن آمون مسئولاً عن التعلم المكاني والتعريفي، أما اللوزة الدماغية فهي مسئولة عن الذاكرة الانفعالية.
وتم اللجوء إلى نظرية أخرى تُعرف باسم “ذاكرة الجسد” وهذه النظرية تنتمي إلى مجموعة العلوم الزائفة (وذلك لغياب أي دليل علمي) وهي تقترح أن أعضاء الجسم، وليس الدماغ فقط ، تمتلك القدرة على تخزين الذكريات، ومن الفرضيات الأخرى لتكوين الذاكرة خارج الدماغ هي نظرية “الذاكرة الخلوية”.
والذاكرة الخلوية هي فرضية إضافية تنطوي على أنه يمكن تخزين الذكريات خارج الدماغ. ومع ذلك، فعلى عكس ذاكرة الجسد، ففرضية الذاكرة الخلوية ترى أن الذكريات يتم تخزينها في كل خلايا الجسم الإنسان، وليس في الأجهزة والأعضاء، ولقد أجرى علماء في جامعة تافتس دراسات حول هذه النظرية حيث قاموا بقطع مجموعة من الديدان المدربة إلى قطع بنسبة 279/1 من حجمها الأصلي، وقد تحولت هذه القطع إلى المزيد من الديدان الفردية في غضون أسابيع قليلة وأظهرت علامات التدريب الذي تلقتها الدودة الأصلية.
وعلى الرغم من أن نظرية الذاكرة الخلوية تُفسر ما يواجهه المتلقون، إلا أن هناك شكوكاً تحيط بها، حيث يصفها الكثيرون بأنها علم زائف لأنه لا توجد طريقة معروفة يمكن تخزين الذاكرة بها في الخلايا.