بقلم الكاتب الإيراني علي آزاد
مجزرة مطار بغداد الدولي
يعد قتل قاسم سليماني بالتأكيد عملاً إرهابيا مداناً. ولكن هل كانت هذه الخطوة غير متوقعة؟ الجميع يعلن إدانته للأفعال الإرهابية. ولكن الغرض من هذا التذكير هو ليس إعطاء الحق لطرف واحد من أطراف النزاع. كما أن الغرض هو ليس تبرير هذا الاغتيال. إنما الغرض من هذا المقال هو تحذير الجميع من الوقوع في فخ مثيري الشغب وأمراء الحرب مرة أخرى عن طريق إثارة المشاعر العرقية والدينية. فالحرب في كل الأحوال ليست نعمة!
العقل هو الشرط المسبق للنظر إلى القضايا من مختلف جوانبها لكي نتحلى بالواقعية حتى في المواقف الحرجة. والواقعية هي الشرط الأساسي للتفكير السليم والبحث عن الحلول الناجعة.
لم يكن أداء جمهورية إيران الإسلامية خلال السنوات الأربعين الماضية، ولا سيما في المنطقة ، في صالح إيران على المدى الطويل. وقد أشار العديد من العلماء والمحللين الإيرانيين إلى ذلك منذ البداية ، لكنهم لم يجدوا آذان صاغية من قبل النظام الإسلامي الإيراني. وفي وقت لاحق تم ارتفاع هذا الصوت من قبل التيارات القومية الدينية واليسارية (داخل البلاد وخارجها). ولكن من جديد لم تجد هذه التحذيرات آذاناً صاغية.
وفي خلال السنوات الماضية، ارتفعت أصوات جماهير الشعب المعارضة لسياسات النظام الخارجية والإقليمية، ورفع شعار: “لا غزة ، لا لبنان ، روحنا فداءاً لايران”، إضافة إلى الكثير من الشعارات الأخرى. ومرة أخرى، لم تجد هذه الأ صوات أي اذن صاغية لدى حكام إيران، وكان الجواب الوحيد للسلطة الحاكمة هو توجيه الرصاص صوب صدور هذا الشعب.
وبلغ الأمرا حداً أن انضم صوت الاصلاحيين في الحكومة وبعض النخب والأكاديميين إلى صوت جماهير الشعب. فقد طالب حزب المشاركة الإسلامية الإيرانية على لسان شخصيات بارزة فيه مثل حميد رضا جلايبور أو مصطفى تاج زاده الذين عبروا عن تساؤلهم عن جدوى سياسة النظام في المنطقة وطالبوا بتغييرها. ومن جديد، لم نجد آذان صاغية لهذه المطالب.
من يزرع الريح يجني العاصفة
لنتجاوز السياسات الخاطئة التي طبقت خلال السنوات الأربعين الماضية والكثير من الأصوات المسؤولة المعارضة لهذه السياسات التي تم قمعها بقسوة. ولنلقي نظرة سريعة على التطورات الأخيرة خلال الشهرين المنصرمين، وخاصة التطورات الاخيرة في العراق، فهي توضح أن جمهورية إيران الإسلامية لم تتعض من دروس الماضي ولا من الأصوات المعارضة. وعلى حد قول الشاعر:
إن من لا يتعلم من دروس الماضي لا يتعلم أي درس من دروس المعلمين.
لقد نفذت ذروة الصراع والمواجهة للجمهورية الاسلامية الايرانية مع أمريكا بغطاء من أياديها في العراق عندما وقع الهجوم على السفارة الأمريكية في العراق. فعند النظر إلى الصور ومقاطع الفيديو، يبدو أنه لم يتبق أي شيء سليم من السفارة. إن أمريكا تشبه الأفعى الرقطاء التي تخش اللون الأسود والأبيض. فالولايات المتحدة ، التي لم تمحو من ذاكرتها احتلال سفارتها في طهران ، أرسلت رسالة واضحة جداً بأنها لن تتسامح بعد الآن مع التهديد الواقعي الذي يشكله الذين يهاجمون السفارة الأمريكية في بغداد.
في هذه الحالة ، ماذا كانت ردود فعل طهران على هذه الرسالة الأمريكية؟ قبل يوم واحد فقط من قتل قاسم سليماني ، فقد صدرت صحيفة كيهان بعنوانين بارزين:
“رد قائد الثورة على تهديد ترامب: أنت مخطئ!”
“لقد كانت هذه الضربة الأولى. والخطوة التالية طرد أمريكا “!
إن هذا النمط من صناعة السياسات، وكل هذا التدخل في شؤون بلد آخر ، فأنت تريد أن تقول إن الجموهورية الاسلامية الايرانية غير موجودة في العراق رغم كل هذه الأحداث الخطرة والمصائب ومع كل هذه الضحايا والمصابين في العراق؟. هل تريد أن تقول إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا ترغب في مواجهة مباشرة مع أمريكا؟ الإجابات على هذه الأسئلة واضحة كل الوضوح. وإن تداعياتها أكثر وضوحا: فمن يزرع الريح يحصد العاصفة. فما حدث لايعني سوى أن اغتيال قاسم سليماني وزعيم الحزب الشيعي كان أمراً متوقعاً. وفي هذه الحالة ، لدينا ما يلي:
ما العمل؟
تشير الواقعية لسوء الحظ ، أن جواب الإرهاب هو الإرهاب. ولكن لا اغتيال قاسم سليماني يثير السعادة ولا الحروب بالوكالة التي تدعمها إيران في العراق وبلدان أخرى. في جميع أنحاء العالم ، يساعد أمراء الحرب بعضهم البعض أرادوا أم أبوا ، عن طيب خاطر.
من البديهي أن تسعى أميركا لتحقيق مصالحها الخاصة. وفي كثير من الحالات ، فإها تسعى إليها من خلال فرض الضغوط والترهيب دون أدنى شك. وهذه الأساليب تواجهها العديد من الدول الأوروبية والصينية هذا اليوم. وبالمثل ، فإن الكثير من الأميركيين ، وحتى جزء من الإدارة الأمريكية، لا يتعاطفون مع سياسة العنف هذه من قبل حكامهم.
ولكن ما هي الطريقة لمواجهتها؟ هل إن مصالح الشعب الإيراني تتحقق عبر الصراع والحرب مع الولايات المتحدة؟ أم إننا بحاجة إلى تعايش واع وصادق ومشرف في الجغرافيا السياسية العالمية؟
لقد اختارت جمهورية إيران الإسلامية الخيار الأول الخطأ. ولقد أكدت السنوات الأربعين المنصرمة أن النفخ في نيران الحرب ، حتى بوجود نوايا وأغراض إنسانية ، لا يؤدي إلى تحقيق الغرض المطلوب. والنتيجة ليست سوى تدمير الكثير من رأس المال الوطني ورأس المال الطبيعي التاريخي والثقافي لإيران.
إن الطريقة الواقعية لإنقاذ إيران هي أن نفتح أعيننا على حقائق البلد وأحداث السنوات الأربعين الماضية. ونقولها مرة وإلى الأبد لا لسياسات الضرب على طبول الحروب ولا للفرقة في المنطقة وفي داخل إيران!
إن جميع الإيرانيين ، وخاصة النخب والمتعلمين ، الذين هم في مواقع السلطة ، ملزمين بأن لا يقعوا في فخ الانتقام والنفخ في طبول الحرب. أي إتباع ذلك الطريق الذي يدعو إليه مفكرون مثل الدكتور بيژن عبد الكريمي هذه الأيام، فهو ليس الطريق لإنقاذ البلاد. إن الدكتور عبد الكريمي يدافع عن السياسة الإقليمية للحرس الثوري الإيراني وحتى سياسة قمع الشعب بذريعة مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد دعا جميع أفراد الشعب ، وخاصة المثقفين ، الحفاظ على القضية الأكثر إلحاحا في البلاد وهي النظام الحالي. فهل إن هذه السياسة ما هي إلاّ دعوة لدعم سياسات النظام العسكرية على المستوى المحلي مع شعبه وفي المنطقة؟ أسأل الدكتور عبد الكريم ما إذا كان يجب على شعبنا اتباع طريق مارتن هايدجر*. أليس هذا المصير القاتم الذي لا مفر منه أضحى درساً واضحاً ومفيداً بما فيه الكفاية ؟ إن مجتمعنا يتوقع من مفكرين مثل عبد الكريمي موقفاً آخراً.
الطريق إلى الاستقلال الحقيقي ، والطريق إلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لا يمر عبر فوهة البندقية. وقد أظهرت تجربة السنوات الأربعين الماضية هذه الحقيقة. فالحرب ليست نعمة.ولسوء الحظ، فإن نداءات الحق خلال الأربعين سنة الماضية لم تلق إذناً صاغية لدن الطبقة الحاكمة. فما زال جكام إيران يقفون على ساق واحدة. فهل هناك أمل في التغيير؟ إن الظروف الحساسة الراهنة في المنطقة تجتذب أبصار العالم نحونا وإلى المنطقة. والخوف هو ليس الدليل السليم للخروج من المأزق. فالخوف من مثيري الحروب يمكن أن يعيدنا إلى حروب مدمرة التي لا يمكن التنبؤ بسعارها. دعونا نلقي نظرة أكثر واقعية على ما يحدث اليوم وبالوعي المطلوب. إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ إيران هي قول لا للحرب وللسياسات العسكرية. وهذه هي الخطوة الأولى.
عيون العالم تحدق فينا. ثق بنفسك واتخذ هذه الخطوة الأولى. عندها سوف يصدقنا العالم، العالم المسالم. فلا تفوت الفرصة!
إن شعبنا في هذه الأيام الشتائية والدموية لا يجد بلاغة أرقي من بلاغة شاعرنا سعدي الشيرازي في قوله:
أتحدث اليكم بشرط البلاغة فأما أن تأخذوا العظة أو تصابوا بالملل
______________________________