إعلانات هائلة تملأ الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي عن خصومات خاصة بمناسبة الصيف وعيد الأضحى على عمليات «الليزك» «الآمنة 100%»: «تخلص من النظارة وغيّر حياتك»، لكن تلك الإعلانات لا تذكر أبدًا أن هناك نسبةً تتغير حياتها بالفعل، ولكن للأسوأ. قد يبدأ سعر العملية في مصر من ألفي جنيه، كل الظروف الظاهرية مهيأة للتخلص من النظارة السخيفة، ورؤية الحياة بعين جديدة، لكن هناك نسبة من البشر ليست بالقليلة، تواجه مضاعفات تدمر حياتها.
ما هو «الليزك»؟
القرنية هي عبارة عن نسيج شفاف موجود بالعين، يسمح بمرور الضوء وينكسر قبل أن يدخل العين، و«الليزك» (Laser in situ Keratomileusis)، هي عملية تُستخدم عالميًا لتصحيح عيوب الإبصار: من قصر نظر، أو طول نظر، أو مرض الاستجماتزم (الرؤية اللابؤرية)، و«الليزك» أنواع: نوع سطحي «PRK»، ونوع داخل القرنية «Femto Smile»، ونوع تحت سطح العين «Ultra Lasik»، وهي عملية قصيرة تجرى عادة في زمن قدره حوالي 15 دقيقة.
وقد أقرت «منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)» عمليات تصحيح الإبصار عام 1990، أجرى العملية 9.5 مليون أمريكي، ولكن في عام 2008 سجلت «فيدرالية الصحة الأمريكية» حالات تعاني من آلام بالعين، ورؤية مزدوجة، وفقد البعض لوظائفهم، بعدها سُجلت أيضًا حالات عانت من الاكتئاب والعزلة الاجتماعية؛ ووصل الأمر بالبعض الآخر إلى الانتحار بسبب مضاعفات «الليزك».
وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مؤخرًا تقريرًا بعنوان «رؤية مزدوجة وحرقان بالعين.. هل هذا هو نجاح «الليزك»؟»، ولفت التقرير إلى دراسة طبية حديثة كشفت أن عمليات «الليزك» قد ينتج عنها مضاعفات خطيرة، تستمر لسنوات، ولا يمكن حلها.
ومما نقلته «نيويورك تايمز» أن شخصًا يدعى جيوباني راميريزيبلغ من العمر 33 عام قد أجرى «الليزك» منذ عامين، والآن يرى الأجسام ثلاثية، ويعاني من حساسية من الضوء، واضطرابات في الرؤية.
«لم يخبرنا أحد بالمضاعفات»
لا توجد عملية جراحية آمنة 100%. هكذا تقول أبسط قواعد الطب والمنطق وقانون الاحتمالات؛ في العادة لا يهتم أحد أن يخبر المريض بالاحتمالات المقبلة للعملية، على العكس تتصدر في إعلانات «الليزك» أنك ستخضع للعملية، وتمارس عملك وحياتك بطبيعية في اليوم التالي، ليس لها مضاعفات على الإطلاق.
ولكن هناك من دُمرت حياتهم وفقدوا وظائفهم بسبب إلحاح إعلانات «الليزك»، ليس في البلدان النامية فقط في الحقيقة، بل في العالم أجمع فقط في الحقيقة كما يصرّح راميريز، ويعمل مصمم جرافيك: «لم يحذرني أي من الجراحين بأنني قد أصاب بأذى دائم في عيني»، بعد العملية أصيب الرجل بحساسية شديدة للضوء، رؤية مزدوجة، وانحرافات بصرية تتمثل في هالات ضوئية حول مصدر الضوء، وجفاف في العين ألزمه استخدام قطرة كل نصف ساعة، يقول: «صار لدي حرق بالعين كأني أقطع بصلًا».
السؤال هو هل هذه الحالات نادرة؟ وإن كانت نادرة فهل تستحق المخاطرة كعملية تكميلية؟ وماذا أفعل لو كنت من القلة الذين سيعانون من مضاعفات بعد العملية؟ والسؤال الأهم: لماذا لا يحذر الطبيب المريض قبل العملية؟
«الليزك» ليس للجميع
تنصحك «منظمة الغذاء والدواء الأمريكية» بألا تجري العملية إن لم تكن تحب المخاطرة؛ لأن هناك مضاعفات معينة لا يمكن تجنبها، كذلك لا توجد بيانات طويلة الأمد عن نتائج العملية.
ويفضل تجنب إجراء العملية إن كنت أقل من 20 عامًا، أو إن كانت هرموناتك متقلبة نتيجة لبعض الأمراض مثل السكر، الحوامل والمرضعات، ومن يتناول أدوية تسبب تقلبات في حدة الإبصار، وكذلك هناك بعض الأدوية والأمراض تؤثر في التئام الجروح. ومن ذوي أمراض التهاب جفن العين والجلوكوما وجفاف العين.
تصح عمليات «الليزك» لحوالي 60% فقط من البشر، أما الشروط الواجب توافرها في المريض المقبل على «الليزك» أولًا: ثبات حدة الإبصار، وألا يكون من ذوي القرنية المخروطية، أن يكون سُمك القرنية يسمح بإجراء «الليزك»؛ لأنه ينخفض بعد إجراء العملية، أن تكون القرنية ذات سطح مستوٍ، عدم وجود تباين بين حدة النظر في العينين، ويوصى كذلك بألا يزيد ضعف الإبصار عن سالب 10، وعن موجب ستة.
هل مضاعفات «الليزك» نادرة بالفعل؟
في إحصائية حديثة لـ«منظمة الغذاء والدواء الأمريكية» لنسب النحرافات البصرية بعد «الليزك» أوضحت أن نصف الذين أجروا عمليات «الليزك» عانوا من مضاعفات بعدها لم تكن موجودة من قبل، والثلث قد أصيبوا بجفاف العين، و20% أصيبوا بألم حارق في العين، و40% قد أصيبوا بحساسية من الضوء، هذا يؤكد أن مضاعفات «الليزك» ليست نادرة إطلاقًا، وأن العملية ليست آمنة بنسبة 100% كما يُصدر في معظم إعلانات «الليزك».
أثبتت الإحصاءات أيضًا وجود تمدد أو تضخم في القرنية «Ectasia» بعد إجراء «الليزك» لحوالي 160 ألف مريض في أمريكا، وهذا التضخم قد ينشأ في فترة من أسبوع بعد «الليزك»، ولعدة سنوات، وفي كثير من الأحوال يكون الحل هو عملية نقل قرنية.
ما يجب أن تعرفه قبل العملية وبعدها
أوصت «منظمة الغذاء والدواء» بعدة تعليمات قبل العملية وبعدها وفي أثنائها، أعدها أطباء ومتخصصون؛ نصحت بعدم استخدام العدسات اللاصقة قبل الفحص المبدئي، حتى يعرف الطبيب الشكل الطبيعي للقرنية، وعدم استخدام كريمات وعطور قبل العملية، وعلى الجانب الآخر أخبر طبيبك عن التاريخ المرضي لعينيك، ويجب أن يعلمك الطبيب بمخاطر العملية المحتملة، ومنافعها، لابد أن تسأل الطبيب كل الأسئلة التي تشغلك عن العملية، قبل أن تمضي على إقرار العملية.
كما نصحت المقبل على العملية بألا يخضع لضغط الطبيب أو الأهل لإجراها، وأن يوازن بين المزايا والعيوب وتنصح قبل العملية بالاسترخاء لتقليل التوتر. وتنصحك المنظمة أن تقرأ بيان الموافقة على العملية جيدًا قبل أن توقع عليه.
بعض المعلومات التي تزودنا بها المنظمة عما يحدث بعد العملية مثل: استخدام مسكن للألم، وعدم فرك العين، ضبابية الرؤية، وقد تظهر هالات ضوئية ووهج وإشعاعات حول مركز الضوء، باختصار نظرك لن يستقر قبل ستة شهور، وتنصح بالاستراحة من العمل لأيام لذا لا مجال لتصديق الإعلانات التي تصدر: اخضع للعملية اليوم واذهب للعمل في اليوم التالي بأمان.
بالطبع لا أحد يطلب إلغاء عملية «الليزك»، لكن لماذا نتجاهل آلاف الحالات التي تعاني من مضاعفات بعد العملية، ونستخف بأمر مثل جفاف العين والهالات الضوئية، هل هذه مضاعفات بسيطة ومحتملة؟ ولماذا يُصدّر أن العملية مضاعفاتها نادرة للغاية، وأن الأمر سوء حظ ليس إلا؟
المطلوب كما توصي قواعد السلامة الطبية إجراء فحوصات قبل العملية، إعلام المريض بالأخطار التي من الممكن أن تحدث حتى لو كانت النسبة نادرة – وهي ليست كذلك – يجب أن يتأكد أن الجهاز المستخدم لإجراء عمليات «الليزك» مصرح به من «FDA» وفي النهاية لابد للمريض أن يقرأ جيدًا عن العملية قبل إجرائها، لابد للمريض أن يعرِف ويبقى له حق التقرير.