علينا أولآ أن نضع الإمور في نصابها، ومن ثم الحديث عن موقف حكام العراق وهم الأحزاب الشيعية. الجميع يعلم قبل أكثر من ثلاثة شهر إنتفض المواطنين الشيعة في العراق ضد الأحزاب الشيعية الحاكمة في بلدهم منذ سقوط نظام صدام، وضد كل الطبقة الحاكمة، والتدخل الإيراني الفج في الشؤون العراقية الداخلية. ودعوا إلى إسقاط هذا النظام الفاسد، وطرد الفرس من العراق وقاموا بحرق الأعلام الإيرانية وصور كل من علي خامنئي والجنرال قاسم سليماني، الذي قتله الأمريكان قبل أيام بطائرة مسيرة بالقرب من مطار بغداد.
ماذا حدث حتى وصل الأمر إلى هذا المستوى من المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟
الذي حدث ببساطة شديدة، هو أن ملالي طهران أحسوا بأن الأوضاع في العراق، تسير بإتجاه معاكس لمصالحهم، وإنتابهم الخوف من أن تخرج الإمور عن السيطرة وبالتالي ضياع العراق من يدهم، وخاصة أنه سبق وأن إندلعت مشابهة في لبنان، وإحدى مطالب الناس هناك، كنس النظام الطائفي اللبناني وإنهاء التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية عبر حزب الله ذراعهم القوي.
فلم يجد ملالي طهران وأذرعهم العراقيين، وسيلة أفضل من أن يفتعلوا أزمة مع الولايات المتحدة، لإشغال الناس بها وسحب البساط من تحت أقدام المنتفضين والثوار، ووجدت الطبقة الحاكمة الفاسدة العراقية الحالية، في ذلك فرصة للنجاة بعد طوقها من قبل الثوار. ومن هنا جاء هجوم تلك العصابات الإرهابية المدعومة من طهران على السفارة الأمريكية في بغداد، وقصف بعض المواقع العسكرية التابعة للجيش الأمريكي، وسقوط عدد من الجنود الأمريكيين نتيجة ذاك القصف الصاروخي. مما حد بالأمريكان بالرد على تلك الهجمات وقتل مدبريها، بعدما تخازلت الحكومة العراقية بقيادة عبد المهدي في حماية السفارة الأمريكية وهذا من صلب واجبها، أي حماية الدبلوماسيين الأجانب في البلاد، وفق القوانيين والأعراف الدولية المتعارف عليها. ثم اليس الحشد الشعبي جزء من السلطة وتتأمر بأمر القائد الأعلى للجيش وهو رئيس الوزراء؟!
السؤال: كيف تجرأ الحشد بالهجوم على حليف العراق، دون إذن من رئيس الوزراء؟ ولِمَ الحكومة إلتزمت الصمت ولم تحرك ساكنآ تجاه المهاجمين وحمت السفارة، إن كانت ليست راضية عن فعلت المهاجمين؟؟
من هنا يتضح بأن الحكومة العراقية الشيعية دمية بيد ايران، مع العلم أن حكام العراق الحاليين وصلوا للحكم بفضل الأمريكان لا الملالي. والأمريكان هم مَن أنقذوا العراق والعراقيين من براثن وبطش تنظيم داعش الإرهابي.
السياسيين العراقيين الشيعة، الذين صعدوا خلال اليومين الماضيين ضد أميركا ووجودها العسكري في العراق أقزام وبلا أخلاق وإنتهازيين من الدرجة الأولى. كل هدفهم هو إرضاء سيدهم الإيراني، وثانيآ إنهاء الإحتجاجات الشعبية ضدهم، والتحضير لإنهاء المظاهرات التي تهدد مستقبلهم لاحقاً، وخاصة لم يعودوا يخافون من التدخل الأميركي الذي كان محتملاً قبل مقتل سليماني، لو حاولوا سحق المتظاهرين. لكن الآن الوضع تغير، ولا أستبعد قيام هؤلاء الطغاة بالإنقضاض على المتظاهرين في حال عودتهم للشارع ثانية. ولا شك إن هذه الأزمة سيطيل من عمر الحكومة المستقيلة الحالية، وأعضاء البرلمان، والطبقة الحاكمة بأسرها لفترة معينة على الأقل.
برأي إن انحياز الحكومة العراقية للطرف الإيراني حماقة سياسية ولن يخدم المصالح العراقية نهائيآ، و لن يغير بشيئ في معادلة المواجهة بين الأميركان وايران. بهذا الموقف الرسمي العراقي يضع حكام بغداد بلدهم في وضع صعب للغاية، ويمهدون الطريق لملالي طهران بالسيطرة المطلقة على بلدهم ونهب خيراته، في ظل الحصار الخانق الذي يعاني منه النظام الإيراني. وإذا تمادى العراق في موقفه وقام بطرد القوات الأمريكية، أنا واثق من أن أمريكا ستفرض عقوبات قاسية على العراق مماثلة لتلك التي فرضتها على ايران قبل أشهر. العراق الى فترة قريبة كان تحت الحصار، ورأينا ماذا حل به على كل الصعد. والأن إذا فرضت أمريكا العقوبات من جديد على العراق، سيعود بلدآ فقيرآ ويعمه الفوضى والخراب. السؤال لماذا ولخدمة مَن كل ذلك؟ حتمآ ليس خدمة للشعب العراقي.
في الختام، أكثر ما لفت إنتباهي في وسط كل هذه المعمة، هو قيام وفد برئاسة فاضل ميراني رئيس المكتب السياسي لحزب البرزاني، وشقيق مسعود البرزاني، ومسؤول العلاقات الخارجية في نفس الحزب سفين دزيي، بقرأة الفاتحة على روح الإرهابي قاسم سليماني والبكاء عليه، الذي إنتزع مدينة كركوك عنوةً من أبناء عائلة الطالباني والبرزاني. ينطبق المثل الشعبي القائل: “إن لم تستحي فإفعل ما تشاء” تمامآ على هؤلاء.
06 – 01 – 2020