عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
15/9/2018
تعد تقسيم المجتمعات الانسانية منذ شعور الانسان بضرورة الوحدة و العيش مع بني جنسه الى فئات و وحدات تختلف في مسمياتها و حجمها و درجة ترابط الافراد و طريقة ادارتها و نظام حكمها تعد ظاهرة طبيعية و صحية .
تطورت هذه التقسيمات في شكلها و اسماءها مع تطور الحياة البشرية و ان الاديان السماوية ايدت و دعت و رحبت بمثل هذه التقسيمات بل و جعلها اساس التعايش و التعاون و الوحدة كما قال الله تعالى ( ياايها الناس إنا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم) أي انه يذكر الانسان باصله مع منح الشرعية لتقسيم المجتمع الى قبائل و شعوب و لكن الهدف منه هو التعاون و بناء العلاقات فيما بين افرادها سواء بالزواج او التجارة او الجوار و درءاً لنشوب النزاعات و الحروب و منع النعرات الطائفية و القومية .
ان ظاهرة تقسيم المجتمعات الى قبائل و عشائر اكثر وضوحاً عند المجتمعات الشرقية عنه في الغربية و هناك من يربطها بدرجة الوعي و الثقافة السائدة و ان كان لا يزال قسماً كبيراً منهم يفتخر بانتماءه الى قبيلة او منطقة معينة و في مقابل ذلك تمن شعوراً لدى الشعوب الغربية بقوة الانتماء الى دولهم مثل الالمان و الامريكيين الذين تصل حبهم الى اوطانهم حد الجنون و انكار الغير .
ان حب الانسان الى قبيلته او عشيرته او دولته (بالمفهوم الحديث) حالة فطرية و شعور داخلي لا يعرفها إلامن ابتعد عنها عاش غريباً او من يراها تحت اقدام الاعداء تصرخ و تنزف دماً فحينها يزداد شوقاً و حناناً الى ايامه و ساعات العيش فيها .
العشيرة او القبيلة هي مجموعة من الناس تجمعهم قرابة و نسب فعلي او متصور و تجمع اعضاءها حول العضو المؤسس او السلف الاول و هي تنتشر في جميع المناطق مع الاختلاف في قوتها و ضعفها و تنقسم هذه العشائر و القبائل الى بطون و افخاذ تتسم بعادات و تقاليد من الكرم و الشجاعة و الدفاع عن الحقوق .
ان المجتمع الكوردي لا يمكن ان يسلم من هذه الظاهرة الالهية و التقسيم فمنذ فجر التاريخ لغبت العشائر و الاسر الكوردية الدور البارز و القيادة للحركات التحررية سواء كانت هذه الاسر دينية مثل الشيوخ و الملالي او سياسية و يمكن عد هذا التقسيم العشائري القبلي في المجتمع الكوردي سبباً في ديمونته و سر قوته و وجوده و صموده امام جميع الهجمات الشرسة من قبل الاعداء التي كانت تحاول صهره او انكار وجوده لأن وحدة أي مجتمع تكمن في وحدة مكوناته و وصلت حب الشعب الكوردي الى عشائر حد التقديس و دافع عنها و ضحى من أجلها .
ان ربط اسم أي انسان كوردي لأسم عشيرته او قريته كان دافعاً له في ان يتسم بصفات الرجولة و الشجاعة و الكرم و احقاق الحق و الابتعاد عن كل الرذائل و المنحطات الاخلاقية و ذلك من اجل رفع اسم عشيرته او قريته عالياً و هذا ما لمسناه في قتالنا مع داعش فكم من مقاتل و قائد لم يستسلم او ينهزم استحياءً و استشهد او انتصر و هناك من يرفض او ينكر ذلك .
ان التصرفات و السلوك الشخصي لعدد من الناس في ممارسة الافعال المشينة باسم العشيرة تعتبر حالة و ليست ظاهرة و هي توجد في كل المجتمعات .
تزداد قوة ترابط الانسان بعشيرته في مناسبات منها وقت المعارك او اجراء الانتخابات و تزداد روح المنافسة و الحصول على اكبر المنجزات .
ان لعب الاحزاب السياسية على وتر العشائر و الاستفادة منها في مناسبات عديدة و خاصة في وقت الانتخابات ظاهرة صحية في خلق المنافسة فيما بينهم للتسابق نحو حصاد اكبر عدد من الاصوات ودليل على الفهم الصحيح لهذه الاحزاب للواقع الاجتماعي و خاصة ان هذه العشائر تدعم ابناءها في الوصول الى المناصب اذاً تعد العشيرة وسيلة للوصول الى نتائج و ليست هدفاً .
و لكن من الافات الخطيرة التي تعاني منها المجتمعات و التي هي افرازات هذا التقسيم هي زرع العنصرية أي ان حب ابناء اية عشيرة تصل الى حد انكار غيره فتولد في نفسه الانانية له و الكراهية لغيره ، و يكون حب العشيرة اكبر من حب الوطن ، و هذا غالباً ما تعاني منه ، فالعنصرية داء يفتك بالمجتمع و من اجل القضاء عليها فان مؤسسات المجتمع المدنية و السياسية تحاول قلع روح و حب العشيرة من قلوب ابناءها فتصطدم بظاهرة اخرى اكثر صعوبة هي وقوف هذه المؤسسات بالضد من ظاهرة وجود العشائر كتقسيم ، فعليها ان تحارب العنصرية و ليست العشيرة لانها ظاهرة قائمة بذاتها ، و لكنها اصاب بالمرض ، فان المريض الذي اصاب يده مثلاً بمرض خبيث يقطعه الطبيب و ليس من المقبول والمعقول قتل انسان لاصابة يده بمرض خبيث و هكذا بالنسبة للعشيرة فهي تعد اداة و ليست هدفاً .
و عليه فان تقسيم المجتمع افقياً الى فئات و احزاب و عشائر تعد ظاهرة طبيعية ،و لكن التقسيم العمودي بين ابناءه و تحويلهم الى طبقات سواء من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية فانه تعد اخطر مايكون على وحدة الشعب و تماسكه و تؤثر على مدى حب الوطن بالسلب طبعاً .