على خلفية فشل تركيا في جبهاتها الحديثة التشكل، في البعدين الاقتصادي والعسكري، والمؤدية إلى تصاعد معارضة دول حوض البحر الأبيض المتوسط لطموحاتها، إن كانت الدول العربية التي حشدتها مصر، أو الإسلامية التي تمكنت السعودية من استقطابها، أو الأوربية التي تتعرض مصالحها للخطر. وعدم تمكنها على إبدال قضية إدلب السورية بليبيا، والتي ظهرت فيها إخفاقاتها منذ الأيام الأولى، المؤدية على الأغلب، إلى انتشار أشلاء المعارضة السورية التكفيرية في شوارع وأزقة طرابلس الليبية، الخدعة المشابهة التي ورطتهم فيها تركيا بتحشيدهم على محاربة القوة الكردية في منطقة عفرين وشرق الفرات، العملية التي غيرت مسار قسم من المعارضة السورية؛ من مواجهة السلطة في دمشق إلى محاربة أعداء النظام التركي.
يرى المحللون السياسيون، أن أردوغان بدأ يغوص في مستنقع عسكري- سياسي، المتشكل على خلفية الرفض الأوروبي والعربي لطموحاته في المنطقة، والتي تحاول روسيا إنقاذه، ربما مؤقتاً، على عدة محاور:
1- محاولة فتح أبواب تفاهمات بين تركيا وسلطة بشار الأسد، بدأتها بفتح أبواب حوارات على مستوى الفروع الأمنية، ما بين علي مملوك وهاكان فيدان، في موسكو، ولا يستبعد أن يكون قد تم خلف الستارة حوارات دبلوماسية وعسكرية، وجلها على المنطقة الكردية، شرق الفرات، وخاصة ما بين قامشلو ودرباسيه، ومن ثم المنبج، وعفرين، قبل إدلب المنتهية منها على الأغلب.
2- وبالمعادلة الدبلوماسية البسيطة، وذلك بإقامة الحوار الليبي- الليبي في موسكو، والذي أدى إلى الهدنة الهشة، علماً أن روسيا تقف على النقيض من تحالفاتها مع حكومة الوفاق الوطني والمتهمة بتحشيدها للمنظمات التكفيرية المدرجة على قائمة الإرهاب لدى روسيا وأمريكا، والمشابهة للمعادلة السورية، بينهما، وفي الحالتين تتعامل روسيا معها لغايات معروفة عالميا، تقف في مقدمتها، مصالحها في المنطقة وحيث الصراع مع الوجود الأمريكي.
3- كما وتم وبالتزامن والتوافق مع عقد الحوار الليبي-الليبي، الاتفاق على الهدنة المؤقتة في محافظة إدلب، بين تركيا وروسيا، أي بين عرابي المعارضة التكفيرية السورية وسلطة بشار الأسد، مع تقبل تركيا لخدعة روسيا والسلطة بالدعاية على فتح معابر للمدنيين للالتجاء إلى مناطق السلطة، ليتم فيما بعد القصف الإجرامي العشوائي لمناطق إدلب، وهذا ما سيكون في القادم من الزمن، وسيتوضح أكثر الفشل التركي في ليبيا مثلما تم في سوريا عامة والأن في منطقة إدلب.
فعلى خلفية هذه الإخفاقات، والدعم الروسي، لا بد لأردوغان من إيجاد بديل ما، وبما أن الأبواب كلها أصبحت شبه موصده، والظروف الدولية في المنطقة مهيئة بسبب الصراع المتزايد ما بين أمريكا وإيران، فبديله الضحل هي بعودته ثانية إلى تصعيد الإشكالية الأكثر إثارة في الشارع العنصري التركي، والتي من السهل جلب الإعلام لجانبه، وهي القضية الكردية، في شرق الفرات، والإدارة الذاتية، وقوات قسد، وإعادة محاولات توسيع شرخ الخلافات بين الأحزاب الكردية، أو بالضبط ما بين الأنكسي وتف دم، للبدء بالمرحلة الرابعة من مخططه المرسوم منذ احتلال جرابلس وعفرين، والاستمرار في محاولات القضاء على الوجود الكردي الديمغرافي-السياسي؛ كلما تمكن منه وأين ما كان، وسيقوم على الأرجح وفي أقرب فرصة، تكرار نفس الأسطوانة الإعلامية-السياسية- العسكرية السابقة، المعروفة للكل، مع ذلك سنكررها هنا:
1- إعادة اتهاماته لقوات قسد بالإرهاب، وسيطالب من روسيا وأمريكا الحد من التعامل معهم، تحت حجة أن وجودها على حدودها تهديد لأمنها القومي، وسيعيد المطالبة بإبعادهم إلى ما تم البحث فيه سابقا، أي إعادة أحياء ما تم في الاتفاقية التركية الأمريكية، والهدف هذه المرة محاولة بلوغ غربي قامشلو.
2- التأفف من روسيا وأمريكا لعدم مساعدتها على إقامة المنطقة الأمنة التي طالبت بها سابقاً، على حدودها الجنوبية.
3- سيطالب أردوغان بإعادة المهاجرين السوريين إلى سوريا وبالتحديد من الدول الأوروبية مساعدتها مادياً لتسكينهم في شرق الفرات، وبناء المستوطنات.
4- كمقدمة سيقوم بتهديد أوروبا ثانية، ولا يستبعد أن كارثة غرق العائلتين الكرديتين في بحر إيجة مؤخرا، كان مخططا من المافيات الموظفة من قبل إدارة أردوغان، كبداية لإثارة إشكالية الهجرة إلى أوروبا على الإعلام ثانية، وكمقدمة للمباحثات القادمة مع قادة أوروبا.
5- على الأرجح ستتم اتفاقيات ما بين تركيا وسلطة بشار الأسد، وستشترك فيها إيران، لربما تحت الخيمة الروسية، ولا يستبعد أن يدرج معهم قسم من المعارضة، وستكون القضية الكردية فيها المسألة الرئيسة، ولهذا تطالب الأخيرة من الأطراف الكردية التشاور مع سلطة بشار الأسد، ولهذه أبعاد ومصالح، ومخططات، مع ذلك لا بد من الموافقة، ولكن بشروط:
- أن تتشكل للحراك الكردي لجنة موحدة تمثل الشعب وليس فقط بعض الأحزاب الكردية دون غيرها.
- أن يملك الطرف الكردي مسودة مطالبها قبل التحاور مع السلطة السورية القادمة، ومن الأهمية القومية والوطنية، أن تكون سقفها الفيدرالية الكردستانية، وسلطة لا مركزية على مبدأ سوريا الفيدرالية، ويجب التركيز على إقناع الأطراف العربية على أن هذا النظام السياسي الفيدرالي، سيقدم خدمة للشعب العربي قبل الشعوب الأخرى في سوريا. وعلى الحراك الكردي أن تدرك، أن الشعب ليس أمامه إلا هذا النوع من النظام، أو القبول بالعيش ضمن سوريا كأقلية سيعطى لها حق فتح بعض المدارس، وإدارة مراكز مهمشة في بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية المطلقة.
- في الماضي قدمنا كمجلس وطني كردستاني-سوريا، المتشكل في عام 2006م مشروعا متكاملا سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، إلى معظم الدول الكبرى في عامي 2008م، وأعدنا تقديمها بشكل موسع وأكثر دقة في عام 2014م، وقد تبجح أحد السياسيين المخضرمين، في أحد كتاباته، على أن مثل هذه المشاريع لا تخدم القضية الوطنية في سوريا، وتثير الأعداء، وتحرضهم أكثر على معادات الكرد، مفضلا حصر القضية في مناطق كردية ذات الكثافة السكانية، والسرية في المشاريع والأهداف، ملغيا بها منطق العلاقات الدبلوماسية الدولية، والحوارات السياسية، مبنيا منطقه على مفاهيم السرية الحزبية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، متناسيا أن البشرية اليوم تعيش عالم الوضوح، وأنه لم يعد يوجد شيء أسمع خداع الأعداء بالسرية، بل توجد الحنكة الدبلوماسية وقوة القدرة على إقناع الدول الكبرى بقضيتنا، ومشاريعنا التي أصبحت معروفة لكل القوى أنها مشاريع قومية ذات جغرافية منتهكة أبعادها على مدى قرن وأكثر، ولا بد من إثارتها، مثل إثارة مسيرة تحريف تاريخنا، والمد العروبي، والتغيير الديمغرافي المستمر لشعبنا…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/1/2020م
الظروف تتهيّأ للكورد أن يفعلو شيئاً لكنهم يفعلون العكس ويسيرون في الإـجاه المعاكس , الخوف عندي شديد من أن تطيل الحرب السورية ويُدفع جميع أكرادها إلى شمال العراق دون عودة , وأمريكا أيضاً ستوافق على ذلك وتعمل على تحقيقه إرضاًءً لأر دوكان , وسيرحب الأقليم بأمريكا وبقائها إلى الأبد خوفاً من إجتياح أردوكان له , لكن الوجود الامريكي في الاقليم لا يمنع أردوكان من إجتياحه إذا فرغ من مهماته الأخرى