.
فريق تقصّي صحّة الأخبار التابع لوكالة الأنباء الفرنسية يكشف تلاعب مجموعات بمحتوى فيديو وصور توثق عملية ضبط أسلحة تركية مرسلة لبوكو حرام في نيجيريا.
أنقرة – كشفت الوكالة الفرنسية للأنباء الأربعاء عن تورط تركيا في إرسال أسلحة إلى تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، حيث لم يعد تمويل الجماعات الإرهابية من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان يقتصر على الدول العربية بل وصل إلى عمق إفريقيا.
وأكدت “فرانس برس” في تقرير نشر اليوم الأربعاء أن فريق تقصّي صحّة الأخبار التابع لها تبيّن له أن ما ورد في فيديو تداوله بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا يوثق عملية ضبط أسلحة تركية مرسلة لبوكو حرام في نيجيريا.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن خبرا بدأ بالانتشار على فيسبوك في 16 كانون الأول/ديسمبر 2019 باللغة الفرنسية، ثم تم تداول صور الأسلحة من قبل آلاف المستخدمين باللغة العربية إضافة إلى عشرات آلاف المستخدمين باللغة الفرنسية ومئات المستخدمين باللغة الإنكليزية.
تظهر في إحدى الصور بنادق موضوعة أرضا، فيما يمكن رؤية عمال في صورة أخرى يهمّون بفتح حاوية. وفي الصورة الثالثة، يظهر رجل بلباس يوحي أنه ضابط إفريقي يمسك ميكروفون، ما يبعث على الاعتقاد أنّه يعلن عمليّة ضبط أسلحة.
وتداول الصور عشرات الآلاف بلغات عدّة على أنها تُظهر شحنة أسلحة أرسلتها فرنسا إلى جماعة بوكو حرام وضبطتها سلطات نيجيريا، لكن ما تظهره الصور في الحقيقة هو عملية جرت في العام 2017 وضبطت خلالها جمارك نيجيريا بنادق تركية.
وأرفقت الصور منها “هل عرفتم الآن من هو مموّل الإرهاب في إفريقيا؟..نيجيريا تضبط أسلحة فرنسية في حاوية فرنسية كانت ذاهبة إلى بوكو حرام الإرهابية، الهدف منه هو ضرب الإسلام وهيهات”.
وجاء في آخر “فرنسا هي مموّل الإرهاب في إفريقيا”.
وأوضحت ‘فرانس برس” أن الصور المتداولة المنشورة على فيسبوك تعود لمؤتمر صحافي عقد في 23 أيار/مايو 2017 شاركت فيه الوكالة إلى جانب وسائل إعلامية محلية لتغطية عرض عملية ضبط أسلحة في نيجيريا.
وفي هذا الفيديو من المؤتمر الصحافي، يقول أحد مراقبي الجمارك إن البنادق الـ440 المضبوطة في مرفأ لاغوس في تلك العملية مصدرها “الولايات المتحدة، وإيطاليا، ولكن بصورة رئيسية تركيا”.
وضبطت الجمارك النيجيرية خلال العام 2017 عدة شحنات أسلحة من تركيا، وصادرت في الأشهر التسعة الأولى من ذلك العام ما مجموعة 2671 بندقية “بومب أكشن” مصدرها تركيا.
وكان تقرير لمعهد جيتسون الأميركي قد حذر في نوفمبر الماضي، من خطر الأسلحة التركية التي يتم إرسالها إلى نيجيريا مشيرا إلى إنها “لا تهدف لتقتل المسيحيين فقط بل المسلمين أيضًا”.
وقال التقرير إن “رعاية أردوغان للإرهاب قد لا تقتصر على دول الشرق الأوسط المجاورة، بل ربما وصلت إلى عمق إفريقيا”، داعيا إلى التحقيق الجاد في القضية وفرض عقوبات رادعة ضد أنقرة.
وأشار التقرير إلى الدور الذي تلعبه تركيا بشكل متزايد في دعم الجهاديين، خصوصا إن زعيم داعش أبو بكر البغدادي الذي قتل في27 أكتوبر/تشرين الأول كان يختبئ قرب حدودها.
وقال معهد جيتسون إن “التحالفات الأقل ذكرًا هو تحالف تركيا الواضح مع فرع داعش “الآخر” في نيجيريا وهو تنظيم بوكو حرام”.
ولأردوغان تاريخ طويل وحافل في دعم الإرهاب الذي بدأ بتنظيم الإخوان ووصل إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة الأخرى والجهاديين، حيث حرص منذ بداية الحرب في سوريا على دعم وتسليح مجموعات وفصائل متشددة والترويج لها تحت مسمى “المعارضة السورية” لتعزيز النفوذ التركي في سوريا، ثم استخدم تلك المجموعات المسلحة في هجومه على الأكراد على الحدود التركية السورية في أكتوبر الماضي.
وبعد أن فشل في التدخل في السودان بعد سقوط نظام عمر البشير على اثر احتجاجات شعبية في 2019، توجهت أنظار أردوغان مؤخرا إلى ليبيا التي تشهد صراعا بين الجيش الوطني الليبي وميلشيات حكومة الوفاق التي دعمتها أنقرة سرا بالسلاح منذ سنوات.
وأواخر نوفمبر الماضي وقع أردوغان مذكرة تفاهم أمنية وعسكرية بين تركيا وحكومة الوفاق برئاسة السراج، تتعلق بالحدود البحرية أثارت غضب دول المنطقة التي حذرت من الأطماع التركية وتهديدها لأمن المتوسط.
ولتثبيت التواجد العسكري التركي في منطقة شمال إفريقيا والمتوسط حيث يدور سباق للتنقيب عن الغاز بعد اكتشافات ضخمة في السنوات الأخيرة، أعلن أردوغان في 5 كانون الأول/ديسمبر بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، استناداً إلى الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان التركي قبل ذلك أيام وإلى طلب حكومة الوفاق تدخل تركيا عسكريا لإنقاذ نفوذها في طرابلس.
وفي ديسمبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن بداية تسفير مجموعات من المقاتلين التابعين “للمعارضة السورية” الذين كانت تدعمهم أنقرة في سوريا، إلى ليبيا عبر رحلات سرية من مطار إسطنبول.
وتنشط جماعة بوكو حرام التي تعد نحو أربعة آلاف مسلح وأعلنت مبايعتها لداعش في 2015، في شمال شرق نيجيريا حيث أسفر تمردها المستمر منذ عشر سنوات عن سقوط 36 ألف قتيل ونزوح نحو مليوني شخص.
وطالت أعمال العنف دول الجوار مثل كاميرون والنيجر وتشاد اللتان تتقاسمان الحدود مع ليبيا، ما استدعى تشكيل تحالف عسكري إقليمي من أجل التصدي لها.
وغالبا ما تعتمد صفحات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الموالية للإخوان على الترويج لأخبار مضللة تسوق لأردوغان ليظهر بمظهر “المنقذ للأمة الإسلامية والمدافع عن رسالتها الدينية”.
واللافت أن أغلب الصفحات التي روجت للصور المتداولة عن شحنة الأسلحة التركية في مرفأ لاغوس، موالية لجماعة الإخوان المسلمين أو داعمة لها.
وطالما شدد أردوغان في خطاباته على حماية المسلمين في مواجهة “أعداء الإسلام”، في حين يعقد صفقاته التجارية والعسكرية في الخفاء تارة مع روسيا والولايات المتحدة وتارة أخرى مع الجماعات الإسلامية المتشددة والإرهابيين.
ويستخدم الرئيس التركي خطابا مزدوجا على طريقة جماعات الإسلام السياسي، يكون هدف جزء منه إرضاء الداخل التركي العلماني، والجزء الآخر يضمن تجييش الخارج لحشد الداعم اللازم لتحقيق طموحات توسعية بالوكالة.
وفي 15 كانون الأول/ديسمبر 2019، أي قبل يومين من ظهور المنشور المضلل باللغة الفرنسية، نفذ عناصر من بوكو حرام هجوما قتلوا فيه 19 من رعاة المواشي الذين تتهمهم الجماعة في غالب الأحيان بالتجسس عليها وتزويد الجيش والميليشيات المحلية التي تقاتلهم بالمعلومات.
قبل ذلك بيوم، أعلنت المنظمة غير الحكومية الفرنسية “العمل ضد الجوع” (أكسيون كونتر لا فان) أن جماعة جهادية قامت بقتل أربعة رهائن نيجيريين خطفوا في تموز/يوليو بينهم عاملون في المجال الإنساني.
وتقوم قوة مشتركة متعددة الجنسيات تضم عسكريين من نيجيريا والنيجر وتشاد وبنين والكاميرون، منذ 2015 بالتصدي للجهاديين ومنهم بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد.
في المقابل، تنشر فرنسا منذ 2013 قوة عسكرية تضم 4500 عنصر ضمن عملية “برخان” في دول الساحل الخمس (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا)، مكلفة محاربة المجموعات الإسلامية المتطرفة في شريط الساحل والصحراء، من غير أن تشمل مهامها مكافحة بوكو حرام.
لكن بعد أكثر من ست سنوات من الوجود المتواصل وسقوط 41 قتيلاً من الجانب الفرنسي، لا تزال المنطقة تشهد هجمات واعتداءات.
والاثنين، اتّفقت فرنسا ودول الساحل على تعزيز التعاون العسكري لمكافحة التمرد الجهادي الذي يهدد المنطقة، في ختام قمة عقدت في بو بجنوب غرب فرنسا، فيما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال 220 جنديًا إضافيًا إلى الساحل لتعزيز قوّة “برخان”.