تكشف معلومات، من مصادر داخل مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، عن وجود 31 ملفاً ضخماً تتعلّق بجرائم فساد مالي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات وانتهاكات بمجال حقوق الإنسان وجرائم تطهير عرقية على أسس طائفية وقومية، فضلاً عن تهم خيانة عظمى يواجهها مسؤولون عراقيون، كلّها مركونة على الرفوف الخلفية في المحاكم العراقية لأسباب سياسية بحتة، يتورط فيها قضاة بارزون بضغوط غالبيتها من أحزاب دينية وأخرى كردية.
ومنذ عام 2003 ولغاية الآن، لم يتمكّن القضاء العراقي من رسم صورة إيجابية أو مستقلة له داخل الشارع العراقي، فتهم التحيّز لجهات سياسية دون غيرها ظلّت مرافقة له على الدوام. كذلك، ينسب له إدخال العراق في واحدة من أبرز المشاكل التي ما زالت تخيّم عليه حتى الآن، وهي حكمه لصالح نوري المالكي عام 2010 على حساب غريمه السياسي إياد علاوي، من خلال تفسيره الفقرة الدستورية الخاصة بالانتخابات بأنّ الذي يحقّ له تشكيل الحكومة ليس الفائز في الانتخابات التشريعية، وإنّما الذي ينجح في تشكيل ما بات يعرف بـ”الكتلة الكبرى” داخل البرلمان.
وفي هذا الإطار، كشف مسؤولون عراقيون، عن رصد 31 قضية كبيرة مرّ على أغلبها ثلاث سنوات وأكثر من دون أن يحسمها القضاء رغم اكتمال أركان القضية واكتسابها كل الجوانب القانونية التي يجب توافرها، ومنها ملف سقوط الموصل، وملف سقوط الفلوجة، ومجزرتا جامع مصعب بن عمير وسارية، ومجزرة سبايكر، ومجزرة الصقلاوية، وجريمة تفجير الكرادة، وملف سرقة الآثار، وملف تسريب الدولار لإيران، وملف المليار ونصف المليار دولار المحتجزة في بيروت، وجريمة تفجير معمل النسيج في بابل، وصفقة الأسلحة الأوكرانية، وصفقة الطائرات الروسية، وملف المدارس الإيرانية الحديدية، وملف البسكويت الأردني، وملف توزيع قطع الأراضي السكنية الوهمية، وإغراق قرى ومناطق أبو غريب والرضوانية وصدر اليوسفية عمداً لمنعها من المشاركة في انتخابات 2014. هذا بالإضافة إلى قضايا وجرائم خطرة أخرى مثل: جرائم التطهير الطائفية في ديالى وبابل وبغداد، والعنصرية في كركوك وصلاح الدين ونينوى، وملف الاعتقالات العشوائية، وملف سرقة أملاك العراقيين المسيحيين في بغداد ونينوى وتحويلها إلى أسماء أشخاص آخرين، فضلاً عن ملفات أخرى كثيرة كان آخرها تزوير الانتخابات العراقية والتلاعب بأصوات الناخبين العراقيين.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ تلك الملفات تتعلّق بمسؤولين كبار في الدولة وقيادات سياسية شيعية وسنية وكردية متورطة بشكل مباشر فيها. فمثلاً، ملفّ سقوط الموصل وحده والمجمّد من قبل القضاء، تسبّب بمقتل وإصابة ما لا يقلّ عن ربع مليون عراقي، واختفاء نحو 40 ألفاً آخرين، فضلاً عن الدمار الهائل الذي قدّر بنحو 88 مليار دولار في مدن شمال وغرب ووسط البلاد، عدا عن تهجير قرابة الستة ملايين عراقي داخل البلاد وخارجها. ويأتي ذلك فيما يواجه المالكي ونحو 40 مسؤولاً آخرين، بينهم قيادات عسكرية، تهم الخيانة العظمى والفرار من المعركة خلال اجتياح تنظيم “داعش” العراقَ، إلا أنّ القضاء لم يفتح أيّاً من تلك القضايا ويرفض من الأساس التحدّث للصحافيين بشأنها، كما أنّ سياسيين يتحاشون التصادم مع القضاء خوفاً من كسب عداوته وبالتالي الإيقاع بهم كما حصل مع آخرين سابقين.
ويعدّ “حزب الدعوة”، بزعامة المالكي، المتهم الأوّل في التدخّل بالسلطة القضائية من خلال التأثير في قراراتها أو حتى تعيين القضاة والتدخّل بتنقلاتهم بين المحافظات. وفي هذا الإطار، تحدّث مسؤولون عراقيون لـ”العربي الجديد”، شرط عدم ذكر أسمائهم، عن أنّ 70 في المائة من القضاة والمسؤولين بمفاصل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، خاضعون بشكل أو بآخر لـ”حزب الدعوة”.
وطالب متظاهرون عراقيون أخيراً بإصلاح القضاء، وهو مطلب ليس بجديد، إذ تظاهر المئات عام 2015 في بغداد وأمام مبنى مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية مردّدين شعارات مناوئة للقاضي مدحت المحمود، رئيس المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية)، ومتهمين إياه بالتواطؤ مع “حزب الدعوة”.
ورغم التأكيدات المستمرة للمحمود، الذي يشغل منصبه منذ العام 2005 ولغاية الآن، بأنّ القضاء الدستوري في العراق حافظ على التطبيق السليم للدستور، يؤكدّ برلمانيون ومسؤولون في الدولة، وكذلك أكاديميون وحقوقيون، أنّ القضاء سجّل انتهاكات دستورية ومجاملات كثيرة لصالح الأحزاب المتنفذة والحاكمة؛ الشيعية منها والسنية. وأبرز الملفات المهملة دون إنجاز هو ملف “حقوق الإنسان”، مع العلم أنّ ملفات عديدة منجزة بشكل كامل وتمّ التحقيق مع المتورطين فيها، مثل سقوط الموصل بيد تنظيم “داعش”، وسقوط الفلوجة والرمادي، وتفجير الكرادة، والتفجير المعروف بـ”سيطرة بابل” ومجزرتي الصقلاوية وسبايكر، وملفات الفساد التي تتعلّق بصفقات السلاح الروسي المبرمة في فترة حكومة المالكي السابقة، وتهريب الأموال، وقضايا فساد اتهم فيها وزير التجارة الأسبق والقيادي في حزب الدعوة عبد الفلاح السوداني، لكن القضاء لم يتخذ أي إجراء بحق هذه القضايا.
ويعدّ المالكي، أكثر من أثّر في المناصب القضائية الحساسة في البلاد، وأبرزها “مجلس القضاء الأعلى”، أخطر هيئة قضائية، وهيمن بشكل مباشر على مفاصل الدولة الرئيسة، فضلاً عن الوزارات الأمنية والعسكرية والخدمية والبنوك والمؤسسات النفطية، وغيرها. ومن خلال ذلك، تمكّن “حزب الدعوة” من تصفية معظم خصومه السياسيين من بوابة القضاء، كما في حالة طارق الهاشمي، نائب الرئيس السابق، والذي أدين بالإعدام، ومن قبله ليث الدليمي وعبد الناصر الجنابي وآخرون، عدا عن تعطيل فتح ملفات الفساد المتورّط فيها الحزب بشكل مباشر.
وخلال العامين الماضيين، نجح حيدر العبادي في إجراء إصلاحات واضحة على القضاء، طاولت مفاصل ثانوية، غير أنّ مراقبين يؤكدون أنّ الهرم الأعلى للسلطة القضائية في العراق سياسي، ويجب أن يطاوله التغيير أيضاً، كونه مسؤولاً عن فتح الملفات الخاصة بالفساد والانتهاكات أو ركنها، كما يجري اليوم.
وفي هذا السياق، قال قاضٍ في مجلس القضاء الأعلى في بغداد، إنّ “وهن السلطة القضائية في العراق، هو جزء من وهن السلطات الثلاث في البلاد، والسبب يعود إلى اعتماد نظام المحاصصة. فحتى في السلطة القضائية تمّ اختيار أعضاء مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية بواقع قاض سني وآخر شيعي وثالث كردي ومنح آخر للأقليات”.
وبيّن القاضي، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أنّ “الضاغط على القضاء هو التحالف الوطني، الذي لا يلتزم بضوابط النظم الديمقراطية ولا يهتم لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو الجهة التي تحول دون تفعيل الكثير من الملفات، وتعطّلها من أجل إبقاء سيطرتها وهيمنتها لصالح عناوينها السياسية”، مضيفاً أنّ “حزب الدعوة، هو الأكثر تأثيراً في القضاء، ومن ثمّ يأتي دور الحزب الإسلامي، كطرف يعتبر نفسه ممثلاً عن الشارع السني المقابل”.
وأشار القاضي إلى أنّه “من خلال القضاة الذين يتمّ تعيينهم في المحاكم عن طريق الأحزاب، وبالاعتماد على المكونات والنسب، ومن خلال القضاة الموالين للأحزاب، تتم إدارة الملفات القانونية”، لافتاً إلى أنّ “بعض الأحزاب تتدخّل بشكل مباشر في عمل القضاء، كما حصل في وزارة العدل خلال فترة تولّي حسن الشمري منصب الوزير، إذ كان حزب الفضيلة الذي ينتمي إليه الوزير، يتابع القضايا داخل مقره في حي المنصور ببغداد، وليس الشمري”.
وأوضح القاضي أنّ “خروج القضاة من طوق الأحزاب، يكمن في حلّ واحد، هو أن يتوجّه من يملك وثائق تدين أحد السياسيين أو الإرهابيين إلى وسائل الإعلام قبل عرضها على القضاء، لتصبح قضية رأي عام، آنذاك يصبح الشعب أداة ضغط على القضاء لتعجيل فتح الملف والتعامل معه باستقلالية، ويكون الشعب هو مصدر السلطات”.
من جانبه، أشار رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي السابق، محسن السعدون، إلى أنّ “الملفات التي أنجزتها اللجان التحقيقية في العراق، وتحديداً عقب العام 2003، كثيرة ولا يمكن إعطاء رقم تقريبي لعددها، لكن أبرزها هو ملف سقوط الموصل، الذي كان من المفترض أن يحكم القضاء العراقي فيه، ويدين المتورطين في سقوط المدينة. لكن حتى الآن القضاء لم يحسم أمره، بسبب الضغوط عليه. وفي الحقيقة، هذه تعدّ مخالفة لقرارات المجلس التحقيقي، وكان لا بدّ أن يكون للادعاء العام العراقي دور مهم في متابعة الملف”.
وبيّن السعدون، أنّ “هناك مشكلة كبيرة في المحكمة الاتحادية، وفي قراراتها، وبنود العمل الحالي فيها، ذلك لأنّها تشكّلت قبل الدستور العراقي، أي في زمن الحاكم المدني للعراق عقب الغزو الأميركي، بول بريمر. لذلك، عملنا خلال الدورة البرلمانية السابقة على إعادة قانون المحكمة الاتحادية، لكننا لم نتمكّن من إقراره، وهو ما كان سيعتبر أحد المنجزات التشريعية المهمة في البلاد، وكان ليضيف فقرات جديدة إلى هيكلية المحكمة وكيفية اتخاذ الإجراءات والطرق التي تحال إليها القضايا والملفات، ويعطي الحماية للعاملين، فضلاً عن استقلالية القرار، وعدم استطاعة الأحزاب السيطرة عليها من خلال النفوذ”.
بدوره، قال القاضي علي التميمي من بغداد، إنّ “هناك الكثير من الملفات المهمة جداً لدى القضاء، وهي مرتبطة بتهم فساد وإرهاب، وتضمّ أسماء سياسيين عراقيين، جاهزة لاتخاذ العقوبة اللازمة بحق المتورطين، ولكنها بحاجة إلى أن تتوفّر فيها الشفافية وأن تعلن على الملأ، لأن المدعين بالحق الشخصي أو الضحايا هم كثر، والكثير من هذه الجرائم يرتقي إلى مستوى الجرائم الدولية وهي ضدّ الإنسانية وتعتبر جرائم حرب”.
وأوضح أنّ “الجانب السياسي يؤثّر كثيراً في نظام القانون العراقي، والقضاة لا يستطيعون اتخاذ اللازم بحق القضايا المتعلقة بسياسيين ورموز لهم شعبية ونفوذ ومليشيات، والقاضي العراقي غير محمي. وبالنتيجة، فإنّ الكثير من القضاة لا يتخذون الإجراءات الدستورية ضدّ جهات سياسية، خصوصاً إذا كانت متنفذة، بسبب الخوف. وقد حدث أكثر من استهداف للكثير من للقضاة بسبب اتخاذ الأحكام اللازمة بقضايا معينة”.
وأضاف التميمي: “نحتاج في المرحلة الجديدة، وتحديداً من الحكومة المقبلة، أن نؤسس قضاءً مفصولاً ومستبعداً عن السياسة، ونحقّق استقلالية القضاة، لتُفتح الملفات المتعلقة بالإرهاب والفساد. كذلك، يجب أن يفعّل دور جهاز الادعاء العام العراقي، وتتم الاستفادة من صلاحياته الواسعة، وفتح حتى الملفات التي لم تقدّم فيها شكاوى من أحد الأطراف، ولا سيما تلك التي تظهر في الإعلام من خلال تصريحات المواطنين والمسؤولين”.
إلى ذلك، أكّد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، أن “المرحلة المقبلة ستشهد العمل على تحقيق استقلالية القضاء وتمكينه للوقوف بوجه الجهات السياسية المتنفذة، وتوفير ضمانات الحماية للحقوقيين، وإبعاد الهيمنة الحزبية والتدخّلات في قرارات المحاكم لاتخاذ اللازم بحق المتورطين في ملفات الفساد العالقة منذ سنوات”، مبيناً أنّ “تحالف سائرون يعمل على إبعاد موضوع تشكيل الحكومة عن مبدأ المحاصصة، وليس فقط في ما يتعلّق باختيار الوزراء، وإنما في كل بناء الدولة لتعزيز المواطنة والكفاءة والنزاهة. فمن المفترض أن تكون كل مفاصل الدولة مفتوحة لكل العراقيين”.
طول هاي المدة ليش ساكت ؟ مو هو همينة شريك …….؟ أو جبان ؟ …………… أو فاشل لا يصلح للحكم بعد الآن ,
إما أن يقود إنقلاب عسكري ويبدأ من الصفر أو يروح يرتاح ب بيتة .