حين فرضت الأمم المتحدة حصارها الإقتصادي الكارثي على العراق، وفق قرارها 661 الذي صدر آب 1990، وما تبعه من قرارات عقابية أثر غزو النظام الصدامي للجارة الكويت، قالت تقديرات بعض المراقبين أنه في محصلته النهائية، كان طوق نجاة للديكتاتور الحاكم. ففي الوقت الذي كان صدام راضياً بالبقاء حتى لو حاكماً لدولة في مساحة بغداد، على أن تتركه القوى الدولية يبنّي قصوره الفارهة، يوزع عطاياه الدسمة لعوائل الإنتحاريين في فلسطين، يقيم الولائم الباذخة بعيد ميلاده المفبرك ويوزع الأوسمة والمكارم لزبانيته والردّاحين من إنصاف المثقفين، فأن أبناء شعبنا عانوا الامرّين، وباعوا حتى أبواب وشبابيك بيوتهم لوأد جوع أطفالهم، طيلة فترة الحصار ومابعده، إذ إفتتقدوا الغذاء والدواء وأبسط وسائل الحياة بعيداً عن التقدم والتكنولوجيا التي وصل إليها العالم أيامها. كان فارس الأمة العربية وزبانتيه والردّاحين لنظامه يراهنون على ان مواطن يتضور أبناؤه جوعاً لا وقت لديه للتفكير بتغيير النظام والنشاط السياسي، وأن نظامهم الشوفيني قادر على المضي في سياساته الديماغوجية في إكتشاف الطرق المؤدية الى القدس، تارة عبر عبادان، مرة عبر حلبجة وتارة أخرى عبر العبدلي!
قبل أيام، ونحن في زيارة بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، قال جليل بأن سياسي الصدفة من القوى المتنفذة، التي حكمت بلادنا بعد سقوط نظام المجرم صدام حسين، والتي أثبتت فشلها في حكم البلاد وفق معادلة المحاصصة الطائفية والأثنية، يحذون الآن حذو النظام الصدامي الفاشي، فأَملقوا شعبنا وحرموه من الحياة الكريمة وحقوقه المشروعة، وجعلوه يعاني من غياب الخدمات الأساسية، كالماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها من الخدمات بينما ينعمون بثروات البلاد وإمتيازات المناصب ويمرحون ويستعرضون في قصور وبيوت مسؤولي النظام البائد التي إحتلوها بدون وجه حق، والمفترض أن تكون تحت تصرف مؤسسات الدولة التي أختفى وجودها في الشارع العراقي تاركة صلاحياتها لمن يمتلك السلاح، ويظن سياسو الصدفة ـ عزيزي القاريء ـ أن كل هذا سيشغل ويمنع الناس من التفكير في مستقبل حياتهم!
قالت زوجتي: الغريب أن ما يحدث الآن يكاد يكون نسخة مما عاناه شعبنا، ولأن تصورات الحكام دائماً تكون خاطئة في تقدير قدرات الشعوب للنهوض مطالبةٍ بحقوقها المشروعة ونيل كرامتها، وعندكم إنتفاضة البصرة البطلة!
سعل أبو سكينة وقال: صدقتم جميعكم، والغريب عندي،إن بطولات أمثال هؤلاء الساسة والحكام تأتي في أيلول دائما. لاحظوا.. كان نظام البعث يتفرج على مذابح أيلول للفدائيين الفلسطينين في الاردن عام 1970، أبتدأ بالعدوان على الجارة إيران في أيلول 1980٠ الذي سرعان ما تحول الى عدوان من الطرفين، وشن أبشع فصول مجازر الأنفال في كردستان العراق في أيلول 1988، وهذه الايام شهد شهر أيلول صولة من بطولات القوى الأمنية ضد الشباب العزل في تظاهراتهم الإحتجاجية السلمية. هكذا.. في أيلول تأتي بطولاتهم!
طريق الشعب العدد 29 ليوم الاثنين 17 أيلول2018