بعد نشر مقالي الموسوم “خلوة مع النفس بصوت مسموع حول الموقف من حقوق الإنسان” وصلتني مجموعة من الرسائل التي تؤيد الأفكار الأساسية الواردة في المقال المذكور، وتدعو إلى مناقشة تلك الأفكار والملاحظات في منظمات حقوق الإنسان العراقية في الداخل والخارج. ومن بينها كانت رسالة الأخ الأستاذ المهندس الاستشاري نهاد القاضي، أمين عام هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق، والأخ صبحي حجو والدكتور خليل عبد العزيز وأخوات وأخوة آخرين. كما وصلتني رسالة مهمة من الصحفي العراقي المميز والكاتب الأستاذ صلاح النصراوي يناقش فيها المقال ويطرح أفكاراً تستحق وتستوجب المناقشة. يجد القراء رسالته الكريمة في نهاية مقالي ومناقشتي المكثفة لما ورد فيها من أفكار وملاحظات، لكي يتسنى للقارئات والقراء الاطلاع على أفكاره بشكل مباشر.
أود أن أقدم شكري الجزيل وامتناني للزميل العزيز والصديق الأستاذ صلاح النصراوي على خوض النقاش الهادف والهادئ مع الأفكار التي وردت في مقالي سالف الذكر، بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع بعض ملاحظاته والتي سأبينها في مناقشتي في هذا المقال والتي وافق على نشر رسالته الشخصية، إضافة إلى تقديره الذي اعتز به حول مقالاتي التي تصله مني مباشرة.
ابتداءً أشير إلى أن هذا المقال هو ليس المقال الأول الذي أنشره عن المشاكل التي تواجهها منظمات حقوق الإنسان والنشطاء فيها، بل نشرت قبل ذاك عشرات المقالات حول هذا الموضوع وعموم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في موقع الحوار المتمدن وصوت العراق والناس وفي جريدة العالم البغدادية وغيرها. وآخر مقال نشرته في هذا الصدد جاء بعنوان “مادة للمناقشة: سبل وأدوات تنشيط وتجديد حركة حقوق الإنسان بالعراق”، في موقع الحوار المتمدن بالعدد 5717 في 04/12/2017، ولهذا اتفق تماماً مع الزميل صلاح النصراوي على الفقرات أولاً وثانياً الواردة في رسالته، في حين اختلف معه جزئياً أو أكثر في ثالثاً ورابعاً وخامساً. وعليه سأركز نقاشي على النقاط الثلاث الأخير والتي تدور النقطة ثالثاً حول موقف منظمات حقوق الإنسان من حقوق الفرد وحقوق القوميات أو الأثنيات في بلد متعدد القوميات أو الأثنيات، ثم النقطة رابعاً حول الموقف من حق الشعوب من تقرير مصيرها بنفسها، بما في ذلك حقها في الانفصال وتشكيل دولها المستقلة، والنقطة خامساً حول مسألة الفصل بين ما هو فردي في حقوق الإنسان، وما هو جماعي كحق القوميات في تقرير مصيرها بنفسها.
1. من المعروف أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان لا تلتزم من حيث المبدأ، وبسبب طبيعة عملها الطوعي، باللائحة الدولية لحقوق الإنسان الصادرة في العاشر من شهر كانون الأول/ديسمبر 1948 فحسب، بل وبالشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي تتضمن خمس وثائق دولية مهمة هي: 1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 3- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 4- البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد، 5- البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام. كما صدرت وثائق كثيرة أخرى ضمن هذه المجموعة من الوثائق منها مثلاً: حقوق المرأة وحقوق الطفل وضد التعذيب وحقوق الشعوب الأصلية والحق في بيئة نظيفة…الخ. هذه كلها تقع ضمن حقوق الإنسان الفرد وضمن حقوق الجماعات البشرية من قوميات أو أتباع ديانات … إلخ. والفرد الذي ينتمي لمنظمات حقوق الإنسان لا يمكنه أن ينتقي من هذه الوثائق ما يعجبه ويترك الوثائق الأخرى التي تشكل جزءاً أساسياً من حقوق الفرد في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، فاغتصاب حقوق الفرد لا يختلف عن اغتصاب حقوق جماعة بعينها لأي سبب كان، وسواء أكان بسبب التمييز الشوفيني، أم العنصري، أم بسبب التباين الديني، أم المذهبي، أم الفلسفي والفكري، أم بسبب الجنس، أي التمييز بين الذكر والمرأة لصالح الذكر، كما هو جارٍ في مجتمعاتنا والمجتمعات ذات الأكثرية المسلمة.
2. في النقطة ثالثاً يطرح الزميل النصراوي فكرتين مهمتين، وبقدر صواب الفكرة الأولى التي يؤكد فيها شمولية مبادئ حقوق الإنسان وأهمية الالتزام بها، وسواء أكانت هذه الحقوق فردية أم جماعية لأنها تقع ضمن إطار الشرعة الدولية لحقق الإنسان، أجد خطأ الفكرة الثانية الواردة في هذه النقطة والتي تميز بين حقوق الفرد، التي يفترض أن تهتم بها منظمات حقوق الإنسان، وحقوق الجماعات التي لا تعتبر ضمن اختصاص منظمات حقوق الإنسان، على حد رأي زيد بن رعد بن الحسين، المفوض السامي الأممي السابق لحقوق الإنسان، والذي أختلف معه أيضاً وتماماً.
منظمات حقوق الإنسان تميز بين اغتصاب حق الفرد واغتصاب حق شعب بكامله، ولكنها لا تدافع عن الأول وتهمل الثاني، بل من واجبها الكامل الالتزام بالمسألتين، أي الدفاع عن حق الفرد وحق الشعب أو الجماعة التي تتعرض حقوقها للاغتصاب والمصادرة. سأورد أمثلة تتعلق بنشاط المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التي أنا عضو فيها، ومركزها القاهرة، وتأسست عام 1982 بليماسول في قبرص، حيث تمارس الدفاع عن حقوق الأفراد في فلسطين المحتلة من جهة، وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس من جهة أخرى. وهو موقف سليم ولم يعترض عليه أحد من نشطاء حقوق الإنسان ولا الزميل النصراوي. لأن الموقف سليم وعادل ومشروع. وهنا ينطبق بيت الشعر الذي كتبه الشاعر السوري أديب إسحاق الذي أراد نقد الموقف الخاطئ الذي يميز بين قتل شخص واحد وقتل شعب أو اغتصاب حقوق فرد وحقوق جماعة حين قال:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر… وقتل شعب آمن مسالة فيها نظر
إن الخصوصية في الدفاع عن حقوق الإنسان الفردية حين تنتهك، لا تعني بأي حال تمييزها عن حقوق الجماعة حين تنتهك، فالفرد هو جزء من جماعة بشرية، إنهم مجموعة أفراد تنتهك حقوقهم بصورة مشتركة ولا بد لمن يدافع عن حقوق الفرد أن يدافع عن حقوق الجماعة المنتهكة حقوقها في بلد ما من جانب حكومة ذلك البلد أو الدولة بكل سلطاتها. حين تجاوز النظام السوري على حقوق الفرد في سوريا، تصدَّت له منظمات حقوق الإنسان وطالبت بالكف عن ذلك، وحين نهضت الحركة المدنية الديمقراطية مطالبة بحقوق الشعب في الديمقراطية والحريات العامة واضطهدها النظام السوري وزج بالمناضلين بالسجن وعرضهم للتعذيب، تصدَّت منظمات حقوق الإنسان منددة بالنظام الذي ينتهك حقوق الشعب ومدافعة عن حقق الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والمجتمع المدني. وحين اضطهد صدام حسين الشعب الكردي واستخدم السلاح الكيمياوي, تصدت له منظمات حقوق الإنسان، بما فيها لجنة حقق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمات عراقية حقوقية … إلخ. الخصوصية هنا لا تعني التمييز بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، فهي كلها حقوق، بل لأن هناك تمييز وانتهاك يشمل حقوق جماعة أكبر، يمكن أن يشارك في الدفاع عنها المجتمع الدولي، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إضافة إلى الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان.
3. كما يشير الزميل صلاح النصراوي بصواب، فأن موقفي من القضية الكردية ليس جديداً، بل هو يستند إلى المبادئ التي أحملها وقناعتي التامة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكل وثائقها، وهي المبادئ التي رفع رايتها الحزب الشيوعي في العراق ودافع عنها وتعرض بسببها للاضطهاد والقمع حزباً وأعضاءً ومؤيدين، كما اقتنعت بها لاحقاً الحركة الاشتراكية العربية ورئيسها عبد الإله النصراوي. المسألة تعود إلى الثلاثينيات من القرن العشرين، أي منذ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي الأمين لمبادئه وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ولا وصاية لأحد عليها. يشكل العرب في العراق جزء من الأمة العربية الموزعة على الكثير من الدول، كما يشكل الكرد في إقليم كردستان العراق جزء من الأمة الكردستانية الموزعة على أربع دول في المنطقة. وهذه الأمة الكردية تقيم على أرض اسمها كردستان موزعة على الدول الأربع ذاتها. وكما كان من حق الشعوب العربية إقامة دولها من حق الكرد ايضاً، وليس في هذا أي غرابة أو مجافاة للمبادئ والحقائق على أرض الواقع. ولكن شعوب الأمة الكردية تعاني من اضطهاد قومي شوفيني وعنصري من الدول الأربع، ولاسيما في تركيا وإيران وموضوع الجنسية والإدارة في سوريا. وقد حقق الكرد في العراق بنضالهم المرير وبدعم من المناضلين العرب بعض النجاح في التمتع ببعض حقوقهم المهمة كالحكم الذاتي ومن ثم الفيدرالية. وليس في هذا أي فضل من أحد على الكرد، ومن حقهم أن يناضلوا في سبيل إقامة دولتهم الوطنية المستقلة في كل تلك الأقاليم الكردستانية. ومن واجب الناشط في مجال حقوق الإنسان أن يتبنى ممارسة هذا المبدأ الذي هو جزء أصيل من مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إن ما يمارسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الاضطهاد وقمع وسجن وتعذيب للمناضلين الكرد، إضافة إلى حرب يخوضها ضدهم وكذلك اضطهاد وتمييز ضد العلويين، كأفراد وجماعات أثنية ودينية، لا يمكن سكوت منظمات حقوق الإنسان عن كل ذلك، بل لا بد من إدانة الحرب والاضطهاد والتمييز بكل قوة ومن جانب منظمات حقوق الإنسان، وهذا ليس تدخلاً في السياسية، بل تدخلاً ضد انتهاك حقوق الأفراد وحقوق الجماعات التي هي جزء عضوي من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إن القادة الترك يمارسون سياسية قومية شوفينية متطرفة لا يجوز القبول بها، بل لا بد من شجبها وإدانتها والمطالبة بموقف سليم وواضح إزاء حقوق الأفراد والجماعات البشرية في الدولة التركية. وهكذا حال الكرد في كردستان إيران حيث يتعرض الكرد هناك إلى اضطهاد وقمع ومحاربة لمن يطالب بحقوقه العادلة المشروعة كأفراد وكشعب كردي.
حين تعرض الفرد المسيحي والإيزيدي والمندائي والتركماني، كأفراد إلى الاضطهاد دافعنا عنهم كناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وحين تعرضت هذه الجماعات، وليس كأفراد فقط، دافعت منظمات حقوق الإنسان العراقية في الداخل والخارج عن هذه الجماعات التي سلبت حقوقها وشردت وانتهكت أعراضها وبيع النسوة في “سوق النخاسة الإسلامي!”، أي حين تعرضت للإبادة الجماعة، ولم يظهر أي تمييز بين الفرد وخصوصية الجماعة، بل اتفق الجميع على صواب الدفاع عن الفرد والجماعة من جانب منظمات حقوق الإنسان ونشطائها. ليس هناك من مشكلة في اختلاف وجهات نظرنا الشخصية إزاء المسألة الكردية، ولكن يفترض ألَّا نختلف فيما يمس اضطهاد الفرد أو الجماعة في أي من حقوقها المشروعة والعادلة والتي تقرها اللوائح الدولية لحقوق الإنسان.
وحين تعرض العرب المسلمين إلى انتهاك بحقوقهم المشروعة كأفراد، أو حين تعرضت الجماعات المذهبية الشيعية أو السنية إلى اضطهاد من جانب نظام صدام حسين، ومن ثم من جانب النظام السياسي الطائفي الجديد، وحين بدأ القتل على الهوية وشمل جميع المسلمين شيعة وسنة، تصدَّت منظمات حقوق الإنسان ذات المبادئ السليمة والواعية لمهماتها لهذا النهج العدواني، سواء أكان من جانب الأحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها الطائفية المسلحة، أم من جانب قوى الإرهاب السنية المتطرفة أو التكفيرية.
4. لا شك في وجود أحزاب ومنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني تدافع عن مصالح جماعات بشرية معينة منها على سبيل المثال أحزاب كردستانية أو منظمات مجتمع مدني للكرد أو للشبك أو للتركمان أو للمندائيين أو للإيزيديين أو للمسيحيين، والتي يمكن أن تحمل أهدافاً محددة، وتتضمن مهمات تندرج ضمن مبادئ حقوق الإنسان. ولكن هذه المنظمات هي ليست تلك المنظمات التي أسست على أساس الدفاع عن حقوق الإنسان بغض النظر عن قومية أو دين أو جنس أو لون أو لغة هذا الإنسان أو ذاك، وهذه الجماعة أو تلك. إنها تدافع عن الجميع وأينما حصل اضطهاد للإنسان أو الجماعة أو أي شعب أيضاً. كيف نستطيع الدفاع عن إنسان مغاربي من الأمازيغ حين تنتهك حقوقه الفردية المشروعة والعادلة، ونسكت حين تنتهك حقوق الجماعة الأمازيغية وبضمنها الفرد الأمازيغي ذاته مثلاً في دول شمال افريقيا المغاربية؟ هذا التمييز غير منطقي لمن يعمل ويناضل كناشط في مجال الدفاع عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها اللائحة العالمية لحقوق الإنسان. إن الفصل والتمييز موقف غير مقبول ويتنافى مع مهمات الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. من هنا جاء في مقالي السالف الذكر الذي هو محور نقاشنا، بأن مبادئ شرعة حقوق الإنسان، بما فيها اللائحة الدولية، هي سلة واحدة لا يمكن انتقاء مبادئ وحقوق منها، ورفض مبادئ وحقوق أخرى، بذريعة أن حقوق الجماعة لها خصوصية تختلف عن حقوق الفرد، وأن الأخيرة هي من واجبات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. هناك خصوصية حين يكون الاضطهاد والتمييز جماعي لشعب كامل، ولكن هذه الخصوصية لا يعني بأي حال فصل الدفاع عن حقوق الأفراد حين تتعرض حقوقهم إلى الانتهاك عن حقوق الجماعة أو شعب ما في نضال منظمات حقوق الإنسان.
14/09/2018
الاخ العزيز الدكتور كاظم حبيب المحترم
تحية طيبة، وبعد
استمتعت، كما هي العادة دائما مع كتاباتكم القيمة والغنية والمتنوعة، بموضوعكم الاخير عن حقوق الانسان في العراق والذي وصفتموه بانه “خلوة مع النفس بصوت مسموع”. ولي، ان سمحتم، بعض الملاحظات التي هي حصيلة تجربتي وعملي في هذا المجال منذ سنوات اود ان اطرحها عليكم.
اولا: ان (حركة) حقوق الانسان في العراق حديثة النشأة وهي تعود الى فترة ما بعد الغزو الامريكي في للعراق عام 2003.لم يشهد العراق من قبل حركة حقوقية بالمعنى المتعارف عليه بسبب الانظمة القمعية والدكتاتورية التي توالت عليه، اما النشاطات الحقوقية المدافعة عن حقوق الانسان فقد كانت تجري في إطار عمل الاحزاب والجماعات السياسية باعتبارها مطالب عامة. ما شهدته حركات واحزاب المعارضة لصدام حسين في الخارج من تأسيس لمنظمات حقوقية، خاصة في اوربا، كانت بالتأكيد منظمات مسيسة انشأت لتخدم اغراضا سياسية وحزبية ودعائية في سياق العمل المضاد للنظام حتى لو انها كانت تساهم فعلا في فضح جرائم النظام وانتهاكاته لدى المجتمع الدولي.
ان الامراض العديدة التي تعاني منها (حركة) حقوق الانسان الان، او بعضها على اقل تقدير، تأتي من الارث الذي وصلها عبر منظمات الماضي وشخصياته التي كانت ولا زالت مسيسة اما بسبب ارتباطاتها او بسبب العادات والمنهج الذي تمرست عليه بالإضافة الى علاقاتها الحالية السياسية وارتباطاتها الايدولوجية، وما اضيف اليها الان من ارتباطات طائفية وإثنية (قومية).فالمتابع يعرف جيدا ان التجربة المحدودة للنشطاء السياسيين القدماء او السابقين في مجال حقوق الانسان العراقية محدودة ولا يمكنها ان تفي باشتراطات عمل الحركات الحقوقية العالمية، وخاصة وفق المعايير العالمية لحركة حقوق الانسان الدولية.
هذا نقص او عيب اساسي يجب تشخيصه ومعالجته.
ثانيا: ان (حركة) حقوق الانسان في العراق تعاني من واستقطابات طائفية ومذهبية وإثنية ودينية شديدة حولت المنظمات (بعضها او الكثير منها) التي تعمل في هذا الاتجاه الى واجهات لطوائفها واديانها وإثنياتها وهذه مشكلة حقيقية ينبغي مواجهتها وحلها ومن دون مواجهة هذا التحدي لن تنجح الحركة الحقوقية العراقية في بناء نفسها وفي مواجهة الانتهاكات والتجاوزات الفظيعة. ان نشطاء حقوقيين يدافعون عن حقوق ابناء ملتهم وطائفتهم ودينهم فقط لا يمكن ان يدافعوا عن حقوق (الإنسان) بل لا يمكن ان يتمتعوا بالمصداقية المطلوبة لاكتساب شرف الدفاع عن حقوق الانسان.
المطلوب مواجهة هذا التحدي بكل قوة وجسارة وعلى كل الاصعدة كي تحصل الحركة الحقوقية العراقية على المصداقية والموثوقية وعلى بطاقة الدخول الى رحاب حركة الانسان العالمية. هذا الموضوع بالذات هو موضع اهتمامي وسأناقشه في ورقة في مؤتمر دولي في شهر تشرين الثاني القادم واتمنى ان تنعقد حوله ندوة عراقية خاصة للدفع بالمزيد من الافكار والرؤى بهذا الاتجاه، خاصة وان الصراعات الطائفية في العراق مستمرة، ولربما تتأجج مرة اخرى في اي وقت.
ثالثا: ان (فكرة) حقوق الانسان والتي اصبحت الان ميدانا من ميادين العمل الفكري والثقافي والفلسفي، اضافة طبعا للميادين الحقوقية والقانونية والسياسية، تدور جوهريا حول اساسيات وهي كل ما يتعلق بالحريات والحقوق والعدالة التي جاءت بها الثقافات والشرائع والاديان ولكنها اضحت مقننة باتفاقيات ومعاهدات دولية اصبحت هي الإطار القانوني الكوني الشامل الذي يتم الالتزام به ليس فقط لتأكيد شمولية حقوق الانسان وانما ايضا بربطها بالقانون الدولي وبالعلاقات الدولية متعددة الاوجه. ان الجميع يعترف بان الشمولية لا تعني عدم وجود خصوصية، ولكن هناك اصرار انه لا ينبغي ان تستخدم الخصوصيات بهدف التملص من الالتزامات الاساسية التي تعتبر الانسان انسانا مهما كان لونه او دينه او ….. إلخ.
من هذا المنطلق فان فكرة حقوق الانسان لابد ان تعني اولا بالفرد، اي الانسان، اما الجماعات او الاقليات او الاثنيات فان حقوقهم تأتي في إطار “الحقوق الجماعية” وليس الفردية وفي سياق القانون الدولي والاتفاقيات الخاصة بالأقليات والاثنيات. ان اخر من اهتم بالتأكيد والتركيز على هذه الفكرة هو المفوض السامي الاممي لحقوق الانسان السابق زيد بن رعد الحسين بقوله ان “مهمة المدافعين عن حقوق الانسان هي “الدفاع عن حقوق الافراد، اما الدفاع عن جماعات معينة ضد جماعات اخرى فانه يرتقي الى خلق لصراعات الغد.” وانا اجدا ان هذه قضية مهمة جدا في السياق العراقي ينبغي مراعاتها لتجنب الخلط بين القضيتين.
رابعا: ان قضية حق تقرير المصير هي حق للشعوب وليس للأفراد ولا ينبغي الخلط بينهما. وفي السياق العراقي هذا موضوع في غاية الاهمية من الناحيتين السياسية والحقوقية ويجب ان يكون واضحا لدى العاملين في كلا النشاطين. ان حق تقرير المصير منذ ظهوره في اوربا في عهد تصاعد قضايا القوميات وتطوره بعد ذلك كمبدأ سياسي وحتى تبنيه في ميثاق الامم المتحدة وبعض وثائقها الاخرى هو حق خاص للشعوب للتخلص من هيمنة امة اخرى او من الاستعمار الاجنبي وليس حقا للأفراد وهو امر ضروري لإعطاء الامر بعدا سياسا بكل ما يتعلق الامر بقضايا الدولة والاستقلال والسيادة.
ان دفاع المدافعين عن حق الشعوب في تقرير المصير يأتي من ايمانهم بالحق وبالحريات والعدالة ولكن عدم تبنيهم او دفاعهم عن حق تقرير مصير يؤدي الى انفصال جزء من بلادهم لا ينزع عنهم هويتهم في كونهم نشطاء حقوقيين لأنهم يتخذون هنا موقفا سياسيا باعتبارهم مواطنين في دولة وليس باعتبارهم نشطاء حقوقيين. وفي الحالة العراقية فان نشطاء حقوق الانسان قد يدافعون عن حق الانسان الكردي كما يدافعون عن حق الشيعي والسني والمسيحي وغيرهم ولكنهم لا يرون بالضرورة انهم يشاركون الكردي حقه (الجماعي) في تقرير المصير. تلك قضيتان منفصلتان والربط بينهما لا ينفع بل يضر العمل الحقوقي.
من الطبيعي ان هناك كلام كثير بخصوص هذا الموضوع ولكني اشير اليه هنا باختصار لتركيزكم عليه في مقالتكم ولمعرفتي ايضا باهتمامكم الشخصي تاريخيا به ولكني مع كل الاحترام والود الذي أكنه لكم ولمسيرتكم الشخصية والنضالية والسياسية ارى من واجبي ان اطرح رأيا قد يكون مخالفا له مع اصراري على ضرورة ان تلتزم الحركة الحقوقية العراقية بالتفريق في عملها بين النشاطات المتعلقة بحقوق الانسان وبين الدعوة الى تأييد حق تقرير المصير للكرد. ان هذا الخلط يؤدي الى خلاف بشأن قضية ليست في صميم عمل الحقوقيين والى شق وحدة الحركة الحقوقية وبعثرة جهودها.
خامسا: هناك ملاحظات ايضا تتعلق بالمنظمات التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الاقليات والإثنيات في العراق وهي تحتاج الى تفصيل كثير بشأن الفصل بين ما هو حق انسان (فردي) وحق جماعي للأقلية او الجماعة الدينية او الإثنية. ان نظرة عابرة على تسميات ونشاطات الكثير من المنظمات تكشف انها تندرج في إطار الدفاع عن حق الجماعة، وهو بطبيعة الحال حق مكفول وطبيعي ومشروع ومطلوب وخصص له القانون الدولي والاتفاقات الدولية حيزا كبيرا من التشريعات والمبادئ، ولكن لا ينبغي هنا ايضا الخلط بين ذلك وبين العمل في مجال حقوق الانسان على الرغم من ان الحركة الحقوقية ستظل تحمل دائما شعلة الدفاع عن هذه الجماعات ضد الانتهاكات التي تتعرض لها ضمن المعايير التي اختطتها حركة حقوق الانسان العالمية.
اشكرك جدا على اتاحة هذه الفرصة وايضا على رحابة صدرك (وهو أمر انا متأكد منه تماما) وارجو ان تتاح للإخوان في منظمات حقوق الانسان في العراق فرصة فتح باب النقاش بشأن هذه الافكار وغيرها بهدف تطوير عملها وادائها.
مع كل المحبة.
صلاح النصراوي